اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون29 نوفمبر 2019 - 19 هاتور 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 45-46

اخر عدد

جَبَلُ قَد هُزَّ مِنْكِ

شريف رمزي - باحث في التاريخ الكنسيّ

29 نوفمبر 2019 - 19 هاتور 1736 ش

يَكتَسِب مخطوط «سِيَر البِيَعة المُقَدَّسة»، المنسوب للأنبا ساويرُس بن المُقَفَّع أسقف الأشمونين، أهميَّة خاصَّة كَونه أقدَّم وأهمّ مصدَّر يؤرِّخ لوقائِع «أُعجوبة نَقل الجَبَل المُقَطَّم». وعن «سِيَر البِيَعة» نَقَل كلّ كُتَّاب التَّاريخ القُدامى والمُحدثين وقائِع تِلك الأُعجوبة ومُلابساتها.

وبرغم ما يَذخَر به تاريخنا من أحداثٍ جسام، فإنَّ أُعجوبة نَقل الجَبَل ما تزال تَحتَل المكانة الأبرَز بين تلك الأحداث.. يكفي رُسوخها في التُّراث الكنسيّ وفي الضَّمير القبطيّ على مدى عشرة قرون.

وقائع تلك الأُعجوبة غنيَّة بالتَّفاصيل، وبعضها يَبعَث حَقًّا على الفَخرِ والاعتزاز. لكن الأهمّ من كلِّ تلك التَّفاصيل، وجود الله نفسه في الحَدَثِ.. راعيًا لشَعبِه، حافِظًا لكنيستِه، مُتَمِمًّا لوَعدهِ: «أَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا» (مت16: 18).

لكن طوال عقود مَضَت كان الشُّغل الشَّاغِل للكثيرين من البُسطاءِ، وحَتَّى بعض الدَّارسين، البحث في التَّفاصيل الدَّقيقة لوقائع تلك الأُعجوبة ومُلابساتها.. كيف تَحرَّك الجَبل؟ وأين كان مَوضعه؟

أمَّا عن إجابة السُّؤالِ الأوَّل، فلم يَغفَلها «سِيَر البِيَعة»: ]وقف الملك المُعِزّ وأصحابه في جانب، وجميع النَّصارى (المسيحيِّين) والبطرك في جانب آخر. ووقف الرَّجل (الدَّبَّاغ) خلف البطرك، ولم يَكُن في الجَمعِ مَن يعرفه إلَّا البطرك وحده. وصَرَخوا يا رَبّ ارحَم دَفَعات كثيرة، ثم أمَرَهم (البطريرك) بالسُّكوت، وسَجَد على الأرض وسَجَدوا جميعهم معه ثلاث دَفَعات، وكلّ دَفعة يَرفَع وجهه ويُصّلِب يَرتَفِع الجبل عن الأرضِ، فإذا سَجَدوا نَزَل الجَبَل إلى حَدّهِ[.

فما حَدث -خلافًا للاعتقاد السَّائِد- هو ارتفاع الجَبَل ونزوله إلى حَدّهِ (مَوضِعه) ثلاث دَفَعات، أي انتقال رأسيّ وليس أُفقيّ. وهذا ما تَذكُره أيضًا رواية «تاريخ البطاركة المنسوب للأنبا يوساب أسقف فوّة»، وكذا رواية «السِّنكسار» في كلِّ مخطوطاته القديمة، وفي طبعتِه الأولى الصَّادرة عام 1912 تحت عنوان «الصَّادِق الأمين في أخبار القدِّيسين». ومثله كتاب «الدّفنار». وعن تلك المصادر نقل كلّ كُتّاب التَّاريخ المُعاصرين كالأسقف إيسوذورس والشَّمَّاس منسى يوحنا والأستاذة إيريس حبيب المصري.

وهذه الحقيقة -إن جاز لنا أن نُسميها كذلك- جَسَّدها أيضًا مُثلث الرَّحمات قداسة البابا شنوده الثَّالث في صورة شعريَّة رائِعة، ضِمن قصيدته الخالِدة: «كم قَسا الظُّلم عَليكِ»، فأنشَدَ يَقول: «إسألــي عَهد المُعــِزّ، فهو بالخِبـرَة يَعـلـَم، اسأليه كيف بالإيمانِ حَرَّكتِ المُقَطَّم. جَـبــَل قد هُـزّ مِنـكِ، وإذا شِئتِ تَحَطَّـم». أمَّا الاختلاف الذي نلمسه في تفاصيل تلك الأعجوبة حاليًا فترتبط بدايته بإحدى طبعات السِّنكسار (طبعة عام 1935). وهُنا يُذكَر للكنيسة -مُمَثَّلة في مَجمَعها المُقدَّس- حرصَها الدِّائم وسَعيها الدَّؤوب في سبيل مُراجعة كُتبها الطَّقسيَّة، وفي مُقدِّمتها السِّنكسار.

أمَّا إجابة السُّؤال الثَّاني، والمُتَعلِّق بمكان الجَبَل، فلا تَنفَصِل عن إجابةِ السُّؤال الأوَّل.. تحرَّك الجَبَل في مكانه صعودًا وهبوطًا، ولم يَبرَحه. وأمَّا مكان الجَبَل مَحلّ المُعجِزة ومَوقِعه بالتَّحديد، فتَكشِف عنه وثيقة نادِرة، تَتَمَثَّل في كتاب « التَّواريخ» لأبي شاكِر بطرس بن الرَّاهِب، شَمَّاس الكنيسة المُعلَّقة (النِّصف الثَّاني من القرن 13): ]الجَبَل المَعروف بالمُقَطَّب، وهو المكان المَعروف بالكَبش ثم بالشَّرف الأعلا[.

 أي أنَّ الجَبَل مَحلّ المُعجِزة لم يَكُن يُقصَد به كلّ سِلسلة تِلال المُقَطَّم، التي تَمتَد بمُحازاة القاهِرة ومصر القديمة (مِن الجَبَل الأحمَر بالعبَّاسيَّة وحتى طُرة، حاليًا) بطول 14 كم، إنَّما فقط إحدى تلك الهِضاب المُطلَّة على بِركة الفيل (والتي يَشغَل مكانها اليوم حي السَّيِّدة زينب). وهذه الهَضَبة -بحسب وَصف المَقريزي- من جُملَةِ هِضاب المُقَطَّم.

المصادر والمراجع:

1. صموئيل (الأنبا)، تاريخ البطاركة، ج 2، القاهرة، مطبعة النَّعام، 1999، ص 80.

2. صموئيل السُّرياني (الرَّاهب القِسّ) و نبيه كامل، تاريخ الآباء البطاركة للأنبا يوساب أسقف فوّة، 1987، ص 93.

3. السنكسار، مخطوط عربي 256 بمكتبة باريس الوطنيَّة، نسخ القرن 16، ورقة 70 وجه.

4. فيلوثاؤس المقاري (القمص) وميخائيل المقاري (القس)، الصَّادق الأمين في أخبار القدِّيسين ج 1، الطَّبعة الأولي، القاهرة، مطبعة التَّوفيق، 1912، ص 201.

5. الدفنار، تحت يوم 6 كيهك.

6. إيسوذوروس (الأسقف)، الخريدة النَّفيسة في تاريخ الكنيسة ج 2، طبعة القمُّص عطا الله أرسانيوس المحرقيّ، القاهرة، مكتبة المحبَّة، 1964، ص 247.

7. منسى يوحنا (الشَّمَّاس)، تاريخ الكنيسة القبطيَّة، الطَّبعة الأولى، القاهرة، مطبعة اليقظة، 1924م، ص 494.

8. إيريس حبيب المصري، السنكسار الجديد ج 1، الطبعة الأولى، القاهرة، مكتبة مارجرجس (شيكولاني)، 1987، ص 263.

9. عبد المسيح ميخائيل (القمُّص)، وأرمانيوس حبشي شتا البرَماوي (القمُّص)، السِّنكسار الجامع لأخبار الأنبياء والرُّسُل والشُّهداء والقدِّيسين ج 1، الطبَّعة الأولي، القاهرة، المطبعة المصريَّة الأهليَّة الحديثة، 1935.

10. ابن الرَّاهب، كتاب التَّواريخ، مخطوط شرقي 434 بمكتبة برلين، القرن 19م، ص 407.

11. المقريزي، المواعظ والاعتبار بذِكر الخُطط والآثار المعروف بالخُطط المقريزيَّة ج 1، الطَّبعة الأولى، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1998، ص 354.

12. شريف رمزي، أًعجوبة نقل الجَبَل المُقَطَّم - قِراءة جديدة في مخطوط سِيَر البيعة المُقدَّسة، القاهرة، يناير 2018.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx