اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون13 ديسمبر 2019 - 3 كيهك 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 47-48

اخر عدد

ونفوس الناس

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

13 ديسمبر 2019 - 3 كيهك 1736 ش

التجارة هي تبادل طوعي للبضائع أو الخدمات مقابل الربح. ومنذ فجر البشرية والناس يتاجرون في كل شيء: الماشية، الأراضي، الملابس، القماش، الأخشاب، الأحجار الكريمة، الذهب..إلخ لكن العجيب أن الكتاب المقدس يخبرنا في سفر الرؤيا عن نوع غريب من التجارة وهو التجارة في نفوس الناس!! إنه يقدم لنا قائمة مطولة للبضائع التي سيبكي عليها تجار الأرض في يوم دينونة بابل العظيمة قائلًا: «ويبكي تجار الأرض وينوحون عليها لأن بضائعهم لا يشتريها أحد فيما بعد. بضائع من الذهب والفضة والحجر الكريم واللؤلؤ والبز والأرجوان والحرير والقرمز وكل عود ثيني وكل إناء من العاج وكل إناء من أثمن الخشب والنحاس والحديد والمرمر وقرفة وبخورًا طيبًا ولبنانًا وخمرًا وزيتًا وحنطة وبهائم وغنمًا وخيلًا ومركبات وأجسادًا ونفوس الناس» (رؤ18: 11-13). ماذا تكون يا ترى تجارة النفوس؟ ومن هم تجارها؟ وأين يوجد سوقها؟

نفس الإنسان هي عنصر الحياة فيه، وقواها هي العقل والحواس والرغبات. يعني ذلك أن التجارة في نفوس الناس هي في أساسها التربح من وراء التجارة بحياتهم، أو التجارة بعقولهم، أو التجارة بحواسهم، أو التجارة برغباتهم.

تجارة السلاح هي تجارة بنفوس الناس. تجارة الجنس والأفلام الإباحية هي تجارة بحواس ورغبات النفس. تجارة وسائل التواصل الاجتماعي، والأفلام، والمسلسلات، والألعاب الإلكترونية هي أيضًا تجارة بنفوس الناس. السوق هو العالم الذي رئيسه وتاجره الأعظم والرابح الأكبر فيه هو عدو الخير، الذي هو على استعداد لدفع أي شيء لكي يربح النفوس للهلاك.

لكن الأمر المؤسف جدًا هو تحول الكنيسة هي الأخرى إلى سوق لتجارة النفوس. فالواعظ الذي ينمّق عظته بكلام البلاغة الفصيح الخالي من الروح، هو تاجر نفوس يجمع الربح لمجده الشخصي. والشماس الذي يتباهى بحنجرته وألحانه الشجية الفاقدة لروح العبادة والتسبيح الحقيقي، هو تاجر نفوس يقايض على تلذُّذ الآذان. واللاهوتي المزيف الذي يتفلسف بنظريات مليئة بكلام الحكمة الإنسانية المقنع دون برهان الروح والقوة، هو تاجر نفوس يتاجر بدغدغة العقول من أجل ربح شخصي قبيح. والخادم الذي يختزل الخدمة إلى رحلات وأنشطة اجتماعية وحفلات، هو تاجر نفوس يشتري رضا الناس عنه وعن الكنيسة مُقدِّمًا لهم ما يوافق ذوقهم. والكاهن الذي يصنع لنفسه شيعة وأحزابًا وأتباعًا، هو تاجر نفوس يشتري النفوس الضعيفة بأبخس الأثمان.

أمّا يسوعنا الحبيب فهو التاجر الحقيقي، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه اشترانا بثمن باهظ جدًا وهو دمه الكريم!! ونحن الذين قيل لنا: «لأنكم قد اشتُريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله» (1كو6: 20)؛ «قد اشتُريتم بثمن فلا تصيروا عبيدًا للناس» (1كو7: 23).

الكنيسة هي إذًا المكان الذي يجتمع فيه المؤمنون لكي يسبّحوا المسيح، التاجر الحقيقي الشاطر في تجارته، قائلين: «مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه، لأنك ذُبِحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة» (رؤ5: 9). أما من يفسد كنيسة الله متاجرًا في نفوس المشتَرين بالدم الكريم، فلينصت إذًا بخوف ورعدة لذاك القائل: «ارفعوا هذه من ههنا. لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة» (يو2: 16).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx