اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون13 ديسمبر 2019 - 3 كيهك 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 47-48

اخر عدد

ناقوس نصف الليل

نيافه الانبا مكاريوس الاسقف العام

13 ديسمبر 2019 - 3 كيهك 1736 ش

في كل ليلة، وفي هدوء الليل البهيم، وخلال أغلى ساعات الليل -حيث يخلد الناس إلى النوم عادة- ننفض النوم.. فقد صرنا على وعد مع ذاك الذي لا ينعس ولا ينام، أن نلتقيه في ذلك الوقت من كل ليلة. ننتظر بشغف ناقوس الدير وهو يدق ثلاث دفعات -هي الهجعات الثلاث التقليدية- بصوته المُحبَّب لدينا.. يرجّ البرية رجًّا، مُريح ومهيب، صريح وواضح، متمهّل وواثق.. فهو من جهة يحمل البشرى باجتماع ملائكي وتسبيح سمائي، ومن جهة أخرى يحمل التحذير برفق للنائمين والكسالى، يكاد ينطق قائلًا إن الوقت مُقصَّر.. يأتي وسط الهدوء الليليّ الشديد كصوت بوق، وكأنه يؤذّن بمجيء العريس.. فهل تحمل الهجعات الثلاث المتتالية معنى طول الأناة وتوالي الفرص، وأن الملكوت أوشك على الإقبال؟ أم أن تلك الدقات تعلن بأن كل شيء قد أُعِدّ، وأن رب البيت هناك ينتظر المدعوين، فهل هنا ينتظر المسيح أولاده داخل الكنيسة، بعد أن أرسل عبده ليقرع الناقوس، داعيًا الجياع والعطاش لينهلوا من كنوزه بسخاء؟

ومع أن ناقوس الدير يدق في مناسبات عدّة منها القداس، ومنها صلاة الغروب، ومنها باكيًا عتد توديع أحد الأحباء.. إلّا أن دقاته في نصف الليل تأتي مختلفة.. فهي: سلسة، دافئة، مُميَّزة، صارمة، يلبّي نداءها الرهبان فيخرجون من المغائر وشقوق الأرض هائمين على وجوههم، يأتون من كل صوب كالأشباح، جادّين في مسيرهم، وكأنهم على محفّات الملائكة، يدلفون إلى الداخل فتحتويهم الكنيسة الحجرية البسيطة، يحتفلون فيها على التوالي: بتشوقهم لمجيء العريس، ثم طلب الفوز بالرحمة في الدينونة، ثم الاشتياق للحياة الدائمة مع المسيح في ملكوته، وما التسبيح الذي يعقب ذلك إلّا الحياة التي سنحياها بمجد في معيّة الخَتَن الحقيقي. وما أن تنتهي هذه الخدمة الليلية حتى يقرع الناقوس من جديد، وكأنه يعلن عن بداية حياة جديدة، فلقد عاين الراهب انقضاء الظلمة وانبلاج النور.

ولنأتِ الآن إلى قارع الناقوس نفسه، والذي أُعطِي له هذا الشرف، أن يكون "برودروموس"، أن يكون يوحنا المعمدان الجديد، أن يكون ذاك الذي يصيح: "هلمّوا جميعكم إلى عشاء عرس الحمل، فهوذا العريس قد أقبل وهو يدعوكم جميعًا...". وأتذكر أننا ونحن في طريقنا إلى الكنيسة في نصف الليل، أننا كنا نمرّ بقارع الناقوس فنحيّيه برؤوسنا ونشكره ونستزيده.. ونهمس له في داخلنا: "حقًا إنك تقوم بعمل عظيم..."




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx