اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون13 ديسمبر 2019 - 3 كيهك 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 47-48

اخر عدد

في ملء الزمان.. أخلى ذاته

القس ابراهيم عازر

13 ديسمبر 2019 - 3 كيهك 1736 ش

عندما أراد الله أن يعلن عن نفسه للشعب قديمًا. قام بأعمال عجيبة، وصنع معجزات باهرة، ودبّر أحداثًا عظيمة. فعلى جبل سيناء حدثت زلازل وصواعق، فملك الرعب قلوب الجميع، ولم يجرؤ أحدٌ على الاقتراب. أخرج شعبه وشقّ البحر بقوة عظيمة. وأوقف الشمس في جبعون والقمر على وادي أيّلون. لقد أراد الله إبهار شعبه بكثير من الآيات والمعجزات، حتى سمعت الأرض كلها وذابت قلوب الأمم والشعوب. فالإعلان في العهد القديم اصطبغ بالمجد الإلهي والعظمة والقوة، بالسيادة والسلطان، والذي يتطلّب أحيانًا العقاب والتأديب. فالله كان يهدف أن يعلن مجده وقوته حتى تخشاه شعوب الأرض، يعرفونه ويتقونه ثم يتبعون وصاياه.

ولكن إعلانه عن نفسه في العهد الجديد جاء بصورة مختلفة تمامًا. فلم يعلن نفسه بالقوة والعظمة، ولكنه أخلى ذاته بالتواضع. لذلك عندما أتى إلى أرضنا لم يختر أثينا (العاصمة الثقافية)، أو روما (العاصمة السياسية)، ولا أورشليم (العاصمة الدينية)؛ ولكنه اختار قرية صغيرة، ونظر إلى فتاة فقيرة بسيطة. وعندما فتش هيرودس عنه، اختار الهروب والذهاب إلى مصر. وهذا المنهج قاده إلى أن يقف في طابور الخطاة، عريانًا ليعتمد من يوحنا المعمدان. وعندما بدأ خدمته بالجسد، في البرية أراد إبليس أن يجربه، ويحول الحجاره إلى خبز، وأن يصنع معجزات للإبهار، فرفض أن يبهر بالمعجزات أو يغازل أفكار الجموع بالآيات. وفي بستان جثسيماني جاءوا ليقبضوا عليه، فاستل بطرس سيفه مدافعًا عنه، فرفض قائلًا: اردد السيف إلى غمده، فلا مكان للعنف. وسُلِّم كما يُسلَّم المتهمون، وحوكم وأُهين وضُرِب وصُلِب ومات. وأخيرًا في قيامته، اختار أن لا تكون علانية أمام الجميع، كنا نريد قيامة مذهلة ومعلنة. لكنه اختار أن تتم وتُعلَن لتلاميذه الأحباء وبعض الشخصيات. لقد اختار أن يلتحف بالتواضع، ولا يظهر بمظهر العظمة البشرية. لقد أراد أن يرتبط إعلانه عن شخصه في العهد الجديد ليس بعظمة مظهرية خارجية قد تجبر أو حتى تقنع الناس بعبادته واتباعه. ولأن إعلانه عن نفسه مرتبطٌ بسلطان وعظمة من نوع آخر، تعبّر عن طبيعته، لذلك اختار الصليب ليكون معجزته الكبرى، ومظهر عظمته.. ليكون وسيلة يخاطب بها قلب وعقل الإنسان حتى يتبعه ويصير له تلميذًا.

لذلك الإيمان بالله في المسيحية يختلف عن كل إيمان آخر. فهو ليس مجرد اعتراف بعظمة الله ومجده الظاهر في أعماله وخليقته (كمنطق العهد القديم)، ولكنه إيمان بشخص الابن الذي أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا، فاستحق حبنا وتضحياتنا، فنحن نحبه لأنه أحبنا أولًا. فعظمة الحب هي ما أراد الله أن يلفت الأنظار إليه ويؤكده حتى يكسب قلب الإنسان ويدخل فيه، حُبًا وليس جبرًا، اختيارًا وليس إجبارًا. لذلك لم يكن غريبًا ولا مفاجئًا أن يكون عرش الله، الذي يعبّر عن عظمته ومجده، يكشف عنه يوحنا في رؤياه، واصفًا الجالس عليه، بأنه حمل مذبوح. فلم يختر الأسد أقوى الحيوانات، بل الحمل الذي هو أضعفها. منطق إعلان العهد الجديد له صبغة تتماشى وتتوافق مع عظمة الحب. هو منطق الجراح المفتوحه، الجنب المطعون، والحمل المذبوح. هو يتمحور حول الآية التي تقول «لأنه هكذا أحب الله العالم...». لذلك اختار الإخلاء، وجاء وديعًا متواضعًا بسيطًا، وفضّل أن يسكن، لا معابد أو قصورًا مصنوعة بيد بشرية، بل في الإنسان، هيكله الذي صنعه بيده وهيّأه ليكون مكان راحته ومستقرًا لروحه القدوس.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx