اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون13 ديسمبر 2019 - 3 كيهك 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 47-48

اخر عدد

كيف نربّي أولادنا جماليًا؟

أماني سمير فريج - نائب رئيس قسم الفن بمعهد الدراسات القبطية

13 ديسمبر 2019 - 3 كيهك 1736 ش

في البداية أحب أن أوضّح أن الجمال لا يقتصر على الفن التشكيلي وحده، فنقول على الشيء إنه جميل وعلى الفعل جميل، «وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا»(تك1: 31) أي جميل جدًا، و«صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ» (جا3: 11)... ويوجد جمال في الفن، وجمال في الطبيعة التي هي أصل ومنبع كل الفنون، فعناصر الفن التشكيلي كالخطوط والألوان والمساحات والشكل والفراغ، كلها عناصر مستمدة من الطبيعة. وفي ترتيب وتنسيق هذه العناصر في العمل الفني دعوة إلى النظام، والنظام قيمة اجتماعية أساسية وسمة من سمات الشعوب المتقدمة.

الجمال يعني شيئًا أشمل من الفن، يعني الحس والشعور المبهج والمسرة التي يدركها الإنسان إزاء الموجودات التي أبدعها الخالق الأعظم- في الأرض وفي السماء والبحار، في تنوع أشكال البشر والحيوانات والأسماك والطيور والفراشات والأزهار- أو التي صاغها الفنان في قوالب مختلفة من الفن التشكيلي كالرسم والأشغال اليدوية والتحف والأزياء الشعبية والتراث، والعمارة والموسيقى والشعر والغناء والقصة والمسرحية وغير ذلك.

إنَّ الجمال إحساس داخلي يتحقق من خلاله إدراك العلاقات المريحة للبصر، والسمع، والنفس، والقلب وسائر حواس الإنسان. هو صفة تُلاحظ في الأشياء وتبعث في النفس سرورًا ورضًا.

إن إدراك الجمال والتمتع بالأشياء الجميلة من مناظر طبيعية خلّابة، إضافة إلى الأعمال الفنية والأدبية التي ينتجها الفنان، يلعب دورًا كبيرًا في تربية النفس تربية جمالية، حيث أن تربية حاسة الذوق والشعور بالجمال تتجلى في التعامل والتمتع والتأمل في هذه المناظر الطبيعية والأعمال الفنية.

ويرى الفيلسوف الأمريكي "جون ديوي" أنه لا تربية من دون التقاط المرء، طوال حياته، للخبرة الجمالية التي تشكّل وعيه وتعطي تربيته بشكل متواصل، زخمها، وفي كتابه "الفن خبرة" والذي صدر عام 1933، ويشكل اتجاهًا جديدًا في النظرة إلى الفن، وتحديدًا في رسم العلاقة الحقيقية بين الفن والإنسان، فالفن بالنسبة إلى ديوي لا يمكن فصله عن مجريات الحياة الاجتماعية اليومية ولا عن التربية. إذ ليس ثمة مجال لوجود تصوّر للجميل بوصفه تجليًا معزولًا تمامًا عن بقية المفاهيم الإنسانية الأخرى.

والتربية الجمالية من هذا المنطلق هي تربية للذوق والسلوك، هي تدريب الناس على الاستمتاع بالحياة وتذوق الجمال في القول والفعل، هي حثّ الأفراد على السلوك الجمالي، واحترام الآخر وتقدير مرافق البيئة... فقول الحق جمال، والاعتراف بالخطأ والاعتذار جمال، والإحساس بوجود النعم جمال.. والفن في هذه الحالة هو وسيلة التربية في تحقيق أهدافها. وذلك يحدث عن طريق: تقديرنا للجمال، وإنتاجنا لهذا الجمال (ممارسة الفن).

إن الشعور بالجمال والناتج عن تربية النفس جماليًا من خلال التمتع بالأشياء الجميلة يرهف أحاسيسنا ومشاعرنا فيهذب سلوكنا النبيل بما يكفل لأنفسنا السمو والترفع عن صغائر الأمور قولًا وفعلًا وسلوكًا. فالأخلاق النبيلة تشكل ركنًا أساسيًا في بناء شخصية أولادنا السوية، ومصدر من مصادر سعادتهم.

والذي نـفسه بغير جمالٍ          لا يـرى في الوجود شيئًا جميلا.

وإن كنا قد اتفقنا ضمنيًا على عدم وجود الجمال خارج حدود النفس التي تتذوقه، فإن أهم مانفعله لأولادنا فى سبيل التربية الجمالية هو:

+ أول كل شيء المحبة والاحترام المتبادل، والتعاطف والتسامح والتعاون وإيثار الآخر، والقدوة الحسنة في كل شيء لاسيما في الجوانب الروحية.

+ توجية أبصارهم إلى الجميل، والفروق بين أشكاله ودرجاته.

+ تمييز الجميل عن القبيح في الشكل والقول والفعل.

+ جعلهم يتذوقون الأشياء بكل الحواس لا بأعينهم فقط.

+ الإصغاء الى الموسيقى والألحان والنغمات.

+ تعريفهم بعض المصطلحات الفنية مثل الإيقاع والاتساق والتوافق والتضاد...الخ.

+ زيارة الأماكن المقدسة الروحية، والمتاحف ومعارض الفنون.

+ وضع الأدوات والألوان ومختلف الخامات في متناول أيديهم لممارسة جميع أشكال الفنون والألعاب والأنشطة لاسيما التي يفضلونها.

+ مع ترك مساحة للتعبير مثل تجهيز حائط في حجرتهم يرسمون ويلونون ويعلقون أعمالهم عليه.

ولعل هذه السطور دعوة لممارسة الجميع للفن، بهدف اكتساب الخبرات الجمالية، حيث أن الفن لا يقتصر على ذوي المواهب أو القدرات الخاصة وإنما من الممكن لأي فرد ممارسة الفن فكل منا لديه هذا الاستعداد للممارسة سواء بطريقة مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة تظهر في حياته العادية عند اختيار ملابسه وتنسيق وترتيب أثاث منزله، فالجمال –كما سبق أن أوضحنا- لا يقتصر على الفنون وحدها بل هو أسلوب حياة يضفي على البيئة والمجتمع مذاقًا خاصًا.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx