اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون27 ديسمبر 2019 - 14 كيهك 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 49-50

اخر عدد

تـأمُّـــــــل فـــــي: الأعْـداءالخَفيّين وَالظاهِرين - الجمعة 22 أكتوبر 2004 العددان 31، 32

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

27 ديسمبر 2019 - 14 كيهك 1736 ش

إننا نطلب من الرب في صلاة الشكر أن ينجينا من قيام الأعداء الخفيين والظاهرين. فمن هما هذان النوعان من الأعداء؟

يمكن أن الأعداء الخفيين يكون هم الشياطين.

بينما الأعداء الظاهرون هم الناس الأشرار.

أي أن هناك عدوًا لا تراه ولا تعرفه، وعدوًا آخر تعرفه..

أو من الأعداء من يعمل في الخفاء. ومنهم من هو صريح في عداوته.

+   +   +

أو ربما من الأعداء الخفيين: العقل والقلب والنية.

كل هؤلاء يعملون أحيانًا في الخفاء داخل نفسك، ولا تراهم.

وتتبعهم شهوات دفينة في أعماقك، أو رغبات لم تُكمَل بعد.. تحاربك، وقد تسقطك. وأنت لا تدري، أو وأنت تدري...

وقد تعاديك أكثر من الأعداء الخارجين، سواء من الشياطين أو من الناس الأشرار. عداوة الشهوات هي أكثر ضراوة وعنفًا..

إنها مشاعر اشتعلت فيك في الماضي ثم خمدت، أو ظننت أنت أنها خمدت. ولكنها في الواقع ترسّبت في أعماقك، وتظهر في حين معين، عندما تجد ما يثيرها. مثل الدواء المكتوب عليه "رج الزجاجة قبل الاستعمال". فما أن يرجها، حتى تقوم المواد المترسبة، وتختلط بالسائل الذي هو فوقها، فتعكره.. هكذا بعض مشاعرك التي غاصت وترسبت في أعماقك. لم تقم بتصفيتها في حينها. فاختفت وظننت أنها زالت، وهي مازالت!!

+   +   +

من الأعداء الخفيين أيضًا الإخوة الكذبة.

الذين أشار إليه القديس بولس الرسول في (2 كو11: 26) بقوله في سرد متاعبه «بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ». أولئك الذي حُسبوا في نطاق الإخوة، ولم يكونوا إخوة حقيقيين. مثل يهوذا في وسط الاثني عشر. كان يغمس اللقمة في الصحفة مع السيد المسيح، بينما كان في نفس الوقت متآمرًا عليه!! (مت26: 23). وقد قبّله أمام الجند، وكان بالقبلة يسلَمه إلى الأعداء!! (مت26: 47، 48).

مثل هؤلاء: الذين قال عنهم القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولي «مِنَّا خَرَجُوا، لكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا» (1يو2: 19).

ومن أمثلتهم أيضًا الذين قال عنهم القديس بولس الرسول: «لأَنَّ كَثِيرِينَ.. مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَارًا، وَالآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضًا بَاكِيًا، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ.. وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ» (في3: 18، 19).

ولعل من هؤلاء تلميذه أو معاونه ديماس، الذي كان القديس يذكره أحيانًا مع لوقا ومرقس وارسترخس.. (كو4: 14). ثم قال عنه أخيرًا «دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِرَ» (2تي4: 10).

+   +   +

من الأعداء الخفيين أيضًا، من قال عنهم الرب: «يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ» (مت7: 15).

وثياب الحملان هي الرياء الذي يلتحفون به، الذي قال عنه الشاعر:

ثوب الرياء يشفُّ عمّا تحته                فإذا التحفتَ به فإنك عارٍ

هؤلاء كانوا يأتون أحيانًا إلى السيد المسيح، وينادونه بعبارة "يا معلم". ويطلبون منه نصيحة أو يسألونه سؤالاً، فيما هم يحاولون أن يصطادوه بكلمة! وبعضهم – مثل سمعان الفريسي – دعاه إلى بيته. ليس حبًا أو طلبًا للبركة، إنما لكي يراقبه، محاولاً أن يجد ما ينتقده عليه (لو7)!!

+   +   +

من الأعداء الخفيين أيضًا، جماعة المتملّقين.

وهم أيضًا من النوع الذي يلبس ثياب الحملان.

إنهم يمدحون الشخص حتى في تصرفاته الخاطئة. وبهذا يضرّونه لأنه – نتيجة لمديحهم – يثبت في أخطائه، فتضيع نفسه.

ومن أمثلتهم الأنبياء الكذبة الذين كانوا حول الملك آخاب، يصورون له أنه سينجح في حروبه ويحثّون على ذلك. بينما كان دخوله الحرب هو باب هلاكه. ولذلك لم يسمع لكلام نبي الله ميخا الذي حذره فلم يقبل منه التحذير وهلك (1مل22: 20-37).

إن كلام المتملّقين مثل السم في العسل. وقد حذر الوحي الإلهي منه كثيرًا في سفر الأمثال.

ويشبه هذا الأمر، ما قال عنه الكتاب «أَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ» (مت10: 36).

كانت إيزابل زوجة أخاب الملك تبدو كما لو كانت تحبه وتدافع عنه. فلما رأته حزينًا لأنه لم يستطع الحصول علي حقل نابوت اليزرعيلي، ساعدت بمكيدة شريرة لكي يحصل على بغيته. وذلك باتهام نابوت كذبًا أنه قد جدّف على الرب، واستحضار شهود زور لإثبات ذلك. وهكذا تم رجم نابوت اليزرعيلي فمات (1مل21). وورثه آخاب الملك.

وكانت النتيجة أن الله غضب على أخاب. وقال «في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت اليزرعيلي، تلحس دم آخاب أيضًا».. حقاً كانت هذه الزوجة من الأعداء الخفيين بمشورتها المهلكة التي تبدو فيها حانية على زوجها!!

+   +   +

ولعل مما ينطبق علي هذا الوصف أيضًا قول الرب:

«فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ.. وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ» (مت5: 29، 30).

وليس المعنى الحرفي هو المقصود بهذه الوصية. وإنما عبارة "عينك اليمنى" تعني أعز وأحب إنسان لديك". كما أن عبارة "يدك اليمنى" تعني أكثر إنسان يساعدك. فإن كان هؤلاء يعثرونك – أي أقرب الناس إليك – فاقطع صلتك بهم، حرصًا على أبديتك. فأعداء الإنسان أهل بيته. واعتبر أن هؤلاء الأقرباء المُعثِرين هم من الأعداء الخفيين.

+   +   +

من الأعداء الخفيين أيضًا: بعض الشركاء في العمل.

ونقصد منهم ما يُسمّى بالشريك المخالف، أو الشريك الذي يأتمنه صاحب، فيورطه في ديون قد تؤدي به إلى الإفلاس أو إلى قضايا في المحاكم. إن له اسم شريك وهو من الأعداء الخفيين.

ومثل شركاء العمل، الشركاء في اللهو، من أصدقاء السوء.

هؤلاء الذين يجرّون صاحبهم إلى الخطية والفساد، وأحيانًا إلى الإدمان. ونتيجة لعشرتهم يضيع مستقبله، أو تضيع سمعته وصحته، بينما يظهرون أنهم موضع محبته وتسليته. وقد قال المرتل في المزمور الأول عن الرجل البار «في طريق الخطاة لا يقف، وفي مجلس المستهزئين لا يجلس»، هؤلاء ليسوا أصدقاء، إنما هم من الأعداء الخفيين.

+   +   +

ومن الأعداء الخفيين أيضًا: القادة العميان.

وعن أمثالهم قال الرب «يَا شَعْبِي، مُرْشِدُوكَ مُضِلُّونَ» (إش3: 12). وكرر نفس العبارة في (إش9: 16). بل وصف هؤلاء المرشدين في (مت23: 16) بأنهم قادة عميان. وقال عن أمثال هؤلاء المرشدين المضلين من الكتبة والفريسيين «تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ» (مت23: 13). وقال لهم أيضًا «تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا» (مت23: 15).

فليحذر كل إنسان من أن يسلم نفسه لمرشد مُضِلّ، لأن «أعمي يقود أعمي، كلاهما يسقطان في حفرة». لا شك أن هذا المرشد الذي يضيّع من يسترشدون به، هو من الأعداء الخفيين.

+   +   +

وقد يكون المرشد من الأصدقاء المحيطين بالشخص ويطلب مشورتهم.

مثل الشباب الذين كانوا يحيطون برحبعام بن سليمان. فلما أتاه يربعام ومعه جماعة إسرائيل يطلبون إليه أن يخفف عنهم النير الذي تحملوه من عبوديتهم لأبيه، سأل المشورة من الشباب الذين نشأوا معه. فقالوا له: قل لهم «خِنْصَرِي أَغْلَظُ مِنْ مَتْنَيْ أَبِي.. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَأَنَا أُؤَدِّبُكُمْ بِالْعَقَارِبِ» (1مل12: 10، 11). ونفذ رحبعام هذه النصيحة، فانقسم الشعب عليه. وعشرة أسباط انشقوا عليه ساروا وراء يربعام.

وهكذا كان هؤلاء الشباب الأصدقاء من الأعداء الخفيين. وبالمثل كل مشورة ضارة تصدر من أي صديق.

+   +   +

يدخل تحت عنوان (الأعداء الخفيين) أيضًا كل المُسلّيات الضارة داخل البيت.

سواء من القصص أو الكتب، أو بعض برامج الإنترنت والتليفزيون، وسائر وسائل اللهو التي تبدو مجالاً للمرح والفرح. وهي في حقيقتها من الأعداء الخفيين.

وينطبق على هذا أيضًا بعض الأدوية التي يُقصَد بها العلاج، بينما لها تأثيرات جانبية ضارة Side effects.

وهكذا كل علاج يصفه غير متخصص، فيضر أكثر مما ينفع.

+   +   +

الملاحظة الأخيرة التي أقولها في هذا الموضوع هي:

إن بعض الأعداء الخفيين يتحولون إلى أعداء ظاهرين.

وذلك أنهم ينكشفون بالوقت أو بالخبرة، أو بأعمالهم.. فيهوذا الأسخريوطي كان من الأعداء الخفيين، كواحد من رسل المسيح الاثني عشر، أخطاؤه غير مكشوفة إلى أن كشفه الرب بقوله «وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي... الَّذِي يَغْمِسُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ»..




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx