اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة 4831 يناير 2020 - 22 طوبه 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 3-4

اخر عدد

حوار الله مع الإنسان

القس إبراهيم القمص عازر

31 يناير 2020 - 22 طوبه 1736 ش

يمكن أن نعتبر أن سفر يونان هو عبارة عن حوار بين الله والإنسان. الله في محبته ولطفه وطول أناته، والإنسان في عجزه وضعفه وفساده. الله هو صاحب المبادرة، والذي يبدأ دائمًا الحوار«صار قول الرب ليونان...» (يون1:1). فهو البادئ بالخلق، والساعي للفداء، وهو الذي أعد لنا مكانًا في الأبدية. الله يبدأ حوارًا مع الإنسان حتى لو لم يرد الإنسان وذهب ليختفي ويختبئ -خجلًاأو جهلًا- خلف أوراق الأشجار، أوعشب البحر ولججه، أو فيمغاليق الأرض وأعماقها. فشر الإنسان لا يُنشئ غضب الله، بل بالأحرى يستنهض رأفته ويستدرّ رحمته. فخطية الإنسان تستدعي مزيدًا من الحب«لإن شرّهم قد صعد أمامي»، فيرسل الله يونان لكي ينادي ويناجيأهل نينوى بالرجوع والتوبه والحوار مع الله.

حديث الله مع الإنسانليس صراعًا، للإقماع والإجبار. ولكنه حوار للنصح والإرشاد.أحيانًايُظهر الله في حواره مع الإنسانقوته وسلطانه وجبروته، لكي يعرف الإنسان ضعفه ويدرك عجزه، ومحدودية طبيعته(فلا يمكن أن يكون الإنسان كالله،فهذه خدعة شيطانية)، فالله هو الخالق والإنسان مخلوق.وأحيانًا أخرى يستخدم اللهشدته وقدرته لكييحاصر الإنسان ويُضيِّق عليه، لكي يسمعه، ويعود يفتح معه حوارًا«أُضيّق عليهم لكي يشعروا»(إر10:18). فغالبًا لا يُسمع صوت الله الّا في لحظات الفشل أو الضعف أو العجز؛ كما عبّر أحدهم  قائلًا: "يا الله إنيأريد رعدك، فموسيقاك لن تنفعني". فالضيق قد يكون بوق الله، بعد أن لا تجدي همساته. لقد أراد يونان أن يُنهي حواره مع الله متمنيًا الموت في قاع البحر وظلماته، ولكن حتى في وادي الموت لن يتركك الله، لأنه إن سِرتُ في وادي ظل الموت فأنا معك.في وادي الموت، يصير صوت الله هو الصوت الوحيد، حينما تخفُت مباهج العالم وتختفيأنوارها.

التوبةفي حقيقتها هي حوار مع الله، هكذا فعل يونان في جوف الحوت، ولهذا أسرع أهل نينوى بتوبة جماعية قوية عميقة، لتُفتح قنوات الرحمة، وتسري تيارات النعمة، فيتوارى غضب الله، وتفرح السماء«ندم الله على الشر الذي تكلم به». الخطية هي فتح الباب للحوار مع الشيطان، ليبث سمومه وضلالاته وأفكاره الهدّامة والمدمرة. لذلك لم يفرح يونان بنجاح خدمته، ويسلم لمن يقضي بالعدل فيأوقاته، بل دخل في محاكمة مع الله، فكيف يتساوى البار مع الأثيم؟ كيف يسمح الله لهذه الأمةأن تحيا حتى تذل شعب الله وتدمره وتستبيح عرضه وأرضه؟ هذا النبيكان يدرك دور مملكة آشور(عاصمتها نينوى) في تدمير إسرائيل عام 722 ق.م (2مل 15)، ولم يدرك يونان أن أمانه الله وصدقه لا تحاسبنا على شر لم نقترفه بعد. فالله كما لا يذكر ماضينا إذا تبنا عنه، هوأيضًا لا يستحضر مستقبلنا قبل أن نفعله، برغم علمه ومعرفته به. فالله ينظر لحاضرنا، ويشجعنا لتقديس مستقبلنا،أمّا ماضينا فلا يعود يذكره. أمّا حكمة الله، فهيأعلى من كل مداركنا.لقد اغتاظ يونان وأرد أن يغلق باب الحوار «طلب الموت لنفسه». فيعود الله ليُظهِر محبته وعنايته، ويخاطبه من خلال "وسيلةإيضاح بسيطة"، فيرسل يقطينه لكي يستظل بها،فيفرح يونان، ثم تنتهي بعد قليل، فتذبل معها نفس يونان! فاليقطينه التي فرح بها يونان ثم حزن لفقدانها،أقل في قيمتها بكثير من الإنسان، خليقة الله. فكيف لا يسعى الله لخلاصأكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس؟




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx