اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4813 مارس 2020 - 4 برمهات 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 9-10

اخر عدد

نيافة الأنبا صرابامون رقد في الرب

نيافه الانبا مكاريوس الاسقف العام

13 مارس 2020 - 4 برمهات 1736 ش

انتقل من عالمنا الفاني نيافة الأنبا صرابامون، أسقف ورئيس دير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون. وقد عرفته عن قرب، والتقيت به كثيرًا في أكثر من مناسبة، ولا شك أن الآباء الذين عاشوا معه في الدير -ولا سيما عشرات السنين- أكثر دراية بنيافته مني، حيث قضوا معه فترات طويلة، عاشروه وتتلمذوا عليه وشربوا من روحه ومنهجه، ولكني أود بحسب معرفتي به أن أسجل هنا بعض الملاحظات بخصوص نيافته:

1- هو من الرهبان القلائل الذين عاشوا فترة طويلة جدًا في الدير، هي سنة حياته منذ ترهّب. ولم يترك الدير، ولم يخدم في العالم. فقد اختمر في البرية، وأثّر بدوره في الرهبان الذين تعاملوا معه. وعرك حياة البرية بكل حلاوتها وحروبها وتعزياتها، وتذوق الخبرة الخاصة مع الله الذي خرج يطلب وجهه.

2- انتهج نيافته منهج الطاعة لرؤسائه، لا يناقش ولا يلاجج ولا يتململ، بل كان يأخذ الأمر كما من الله، لذلك أحبه الرؤساء ووثقوا به قدر ثقته فيهم وخضوعه لهم. عاش الطاعة مع رئيس ديره الأول المتنيح الأنبا ثاؤفيلس، ثم الطاعة لمثلث الرحمات البابا شنوده حين كان أب اعترافه، ثم بعد أن صار بطريركًا، حين استقدمه من دير السريان ليقوم بتعمير دير الأنبا بيشوي، واستمرّ من يومها وحتى نياحته منذ عدة أيام، وقد أطاعه في كل ما طلبه منه.

3- عاش مسالمًا للجميع: أساقفة ورهبان وعلمانيين، ولم يدخل في خصومة مع أحد مهما كانت الاسباب، وكان مستعدًا للاعتذار في أي وقت عمّا فعله وعمّا لم يفعله. وكان خبيرًا في الإفلات من خطية الإدانة للآخرين، وهو منهج مسيحي ورهباني، ألّا يطلق لسانه على الآخرين بكل جيد ورديء، ولعله كان يضع أمامه القانون الإلهي الشهير: «لا تدينوا فلا تُدانوا».

4- إليه لجأ الكثير من الآباء الاساقفة والكهنة والرهبان والعلمانيين يلتمسون البركة والإرشاد، واعتاد هو أن يلاقي الكل بالبشاشة ويجيب بكلمات قليلة. إن أكثر من قصدوه كانوا يودّون فقط أن يتخفّفوا من أحمالهم، يرغبون في من يسمعهم فقط، وكان هو خبيرًا بهذا: أن ينصت جيدًا. واعتاد على استخدام عبارات من قبيل: ربنا يرحم.. ربنا يرشد.. ربنا يتدخل...

5- ومن فضائله الرهبانية الأصيلة فضيلة الصمت.. جمعتني بنيافته لقاءات عديدة سواء بدير البرموس أو بدير الأنبا بيشوي، وأتذكر أنه كان الأقل كلامًا بيننا؛ ومن يحيا سنين هذا عددها في البرية، لا بد وأن يكتشف أن الندم على الصمت سيكون قطعًا أقل من الندم على الكلام "كثيرًا ما تكلمتُ فندمتُ..."

6- وكان خفيف الظل، مع صمته ووقاره وجديته وما عاصر من متاعب وضيقات، إلّا أنه كان خفيف الظل، ليس مبتسمًا فحسب، وإنما مرح. وأتذكر أن أحد الإخوة طالبي الرهبنة سأله ذات مرة كلمة منفعة، فقال له: "أصارحك أنك ستلاقي أتعابًا كثيرة في السنوات الأولى من رهبنتك"، حينئذ نظر إليه الشاب منتظرًا ما بعد ذلك، فقال له: "بعدها ستكون قد اعتدتَ المتاعب والضيقات، وستتعامل معها بشكل أفضل!!" لقد ظنّ الأخ أنه سيقول له إنها ستختفي بعد ذلك. بل يشهد الذين كانوا قريبين من نيافته أنه كان يتمتع بروح طفولية.

7- كان هادئ الطباع، لم يُرَ محتدًا إلّا فيما ندر، فقد اعتاد على تحمُّل الصدمات والتعامل مع حروب البرية القاسية. كما أنه سلك بكثير من الحكمة والنضج والقوة، خلال فترات عصيبة مرّ بها دير القديس الأنبا بيشوي، حتى عبر بالدير والآباء إلى برّ الأمان.

8- أحب أن أشير أيضًا إلى أنه فتح باب الدير لكل قاصد من الآباء والعلمانيين، سواء للزيارة أو الخلوة، حتى عُرِف عن الدير أنه الدير الفاتح أبوابه أمام الكل، وما يتبع ذلك بالطبع من كرم شديد، يشهد له الجميع.

9- وبدالة المحبة، وبما كانت له من مكانة عند المتنيح البابا شنوده، وربما كان الوحيد الذي كان يجرؤ على ذلك، فقد طلب منه ان يكون مدفن البابا بدير القديس الأنبا بيشوي، وأن يكون مدفنه هو في المكان عند موطئ قدمي البابا.. ورغم صعوبة الطلب وحساسيته، إلّا أن المتنيح البابا شنوده أجابه إلى الطلبين معًا ببساطة وارتياح. وقد جاء ذلك في الوصية التي قرأها علينا نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، حين كان القائمقام في فترة خلو الكرسي، ليشرح لماذا سيتم نقل الجسد إلى الدير ولن يُدفَن في الكاتدرائية.

10- أمّا قداسة البابا تواضروس الثاني أطال الله حياته، فقد أكرم نيافة الأنبا صرابامون كثيرًا، سواء أكان ذلك في حياته أو في نياحته، وقد امتدحه كثيرًا وأشاد بشخصيته وفضائله وصفاته، كما هو وارد في الكلمة التي ألقاها في وداعه (منشورة كاملة في هذا العدد).

نيح الله نفسه في فردوس النعيم، وعوّضه عن أتعابه أجرًا سمائيًا، ويقبل صلاته عنا لنكمل أيام غربتنا بسلام...


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx