اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4827 مارس 2020 - 18 برمهات 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 11-12

اخر عدد

قرار صعب ولكنه ضروري

قداسة البابا تواضروس الثانى

27 مارس 2020 - 18 برمهات 1736 ش

يعيش العالم حاليًا أجواء لم يعشها سكان الأرض من قبل. ولم يعد هناك حديث في جميع دول العالم إلّا عن فيروس كورونا (كوڤيد-19)، والذي يواصل انتشاره الواسع عبر قارات العالم بلا توقف، في حين توقفت معظم الأنشطة المجتمعية الأخرى. ومع هذا الانتشار المُخيف يسقط آلاف الضحايا، ويُصاب مئات الآلاف في مواضع كثيرة على مستوى المسكونة. ولذا أخذت الحكومات إجراءات غير مسبوقة من غلق المدارس والجامعات، وإلغاء كافة الأنشطة والتجمعات السكانية، وطالبت السكان بالبقاء بالمنازل كإجراء وقائي نادر، مع اصدار الحظر في الخروج إلى الشوارع، بل وتحولت بعض البلدان إلى حجر صحي كبير مثل إيطاليا وتونس وغيرها، وتوقفت حركة الطيران بين الدول والقارات ومن بينها مصر، وأُغلِقت دور العبادة لمنع أي تجمُّع يزيد من حدّة الموقف الصحي... لقد توقفت الحياة في ذهول أمام البشرية. إنه زلزال مدوٍّ أصاب الإنسان في مقتل، وربما يذكرنا بحادث انتشار الطاعون الأسود (1346-1353م) حيث راح ضحيته 75 مليون من البشر، وكذلك الإنفلونزا الأسبانية (1918-1920) التي قتلت حوالي 50 مليون شخص حول العالم..

ويأتي السؤال: لماذا؟! وبعيدًا عن أيّة تفسيرات سياسية أو اقتصادية أو صحية أو اجتماعية، يمكن أن نجيب من منظور روحي مسيحي. لقد صار الإنسان عابدًا لذاته وليس خالقه. وصار يومًا بعد يوم يبعد عن الله خالقه باختراعاته واكتشافاته ونظرياته، وتهاون في حق خالقه إلى أبعد مدى بصور متعددة كالإلحاد والعنف والإباحيات والسرعة والأنانية والحياة حسب المزاج... ومن هذه وغيرها تسلّل إليه الخوف والقلق والاحباط والتخبُّط والاكتئاب والانتحار ورفض الحياة والشعور بالذنب... الخ، وصار المخلوق كأنه بلا خالق.. صار العالم خاليًا من الله واهب الحياة؟!!...

ولكن الله من كثرة تحنُّنه ومراحمه لم يدع الإنسان يفنى بشروره، بل أراد أن يوقظه من سباته، خوفًا عليه وحبًا فيه وشففةً بأبديته، فكان هذا الانتشار الواسع والسريع والمفاجئ والخطير لوباء من فيروس صغير للغاية، يمثل حجمه بالنسبه للإنسان واحد على خمسة مليون جزء... وهكذا ظهرت حقيقة الإنسان وضعفه. ما أضعفك أيها الإنسان! وكيف انهزمت أمام هذا الفيروس؟ وأين هي إنجازاتك واختراعاتك وتباهيك بذاتك، ووصولك إلى الكواكب والأقمار، واستعراض قوتك بالأسلحة والحروب والمال والإرهاب والعنف والقدرة والقوة وغير ذلك...؟

لقد ذكر الدكتور سمير مرقس في مقال له بجريدة الأهرام المصرية بتاريخ 21/3/2020م عن أن منظمة الصحة العالمية WHO حذرت في مطلع العام الماضي (2019م) من 10 أخطار تهدّد الصحة العالمية على مستوى البشرية وهي: 1- تلوُّث الهواء والتغيُّرات المُناخية. 2- الأمراض الصامتة مثل السكر. 3- وباء الإنفلونزا العالمي. 4- السكن في بيئات غير صحية. 5- ضعف المقاومة للميكروبات. 6- وباء الإيبولا. 7- ضعف الرعاية الصحية الأوّلية. 8- عدم فاعلية اللقاحات والأمصال في بعض الحالات. 9- ناموسة الذبح التي تسبب أعراض الإنفلونزا. 10- الإيدز.

وعندما اجتمعت اللجنة الدائمة بالمجمع المقدس مرتين خلال شهر مارس الحالي لدراسة الموقف خاصة ونحن في فترة الصوم الكبير، تلك الفترة الروحية المحبوبة لجميعنا في كنيستنا القبطية، وحفاظًا على أبناء مصر، ومن منطلق مسئوليتنا الوطنية والكنسية، أخذنا القرار الصعب ولكنه ضروري لإغلاق الكنائس وتوقف كافة الخدمات والأنشطة مؤقتًا، منعًا للازدحام والتجمع، وطلبًا للوقاية والسلامة، بدلاً من كارثة تبدو ملامحها في الأفق. يقول إشعياء النبي «هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ، وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ. لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ...» (إشعياء 26: 20-21).

الآن زمن توبة لكل إنسان، من القلب ومن الأعماق، لأن هذا الزمن بأحداثه وأخباره المرعبة تدفع الإنسان ليكون صادقًا مع نفسه، وينقّي قلبه في مخدعه، ويعيش مع أسرته توبة حقيقية، ويرفع القلب بصلوات ودموع وقرعات الصدر، ويفيق الإنسان من غفوته وحياته الشكلية أو الريائية، واهتمامه بالترابيات، ونسيانه السماويات والملكوت «.. اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ» (رسالة أفسس 5: 14-16).

الآن زمن طلب الرحمة من صاحبها، وأن تصير نبضات القلب ما هي إلّا كلمة واحدة: "ارحمني يا الله" تصليها وتطلبها في لجاجة واستمرار... لنعبر هذه الأيام في سلام لكل أحد.. وها هي رسالة اطمئنان من الله إليك:

«لأَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً. فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. فَأُوجَدُ لَكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَرُدُّ سَبْيَكُمْ وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَمِنْ كُلِّ الْمَوَاضِعِ...» (سفر إرميا 29: 11-14)

كونوا مُعافين في الرب.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx