اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4827 مارس 2020 - 18 برمهات 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 11-12

اخر عدد

«لا يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟» (دا4: 35)

القمص بنيامين المحرقي

27 مارس 2020 - 18 برمهات 1736 ش

يا الله ارحمنا، هكذا تبدأ الطلبة في ختام التسبحة، لأنه "ليس لنا معين في شدائدنا وضيقاتنا سواك". فطلب الرحمة أكثر الطلبات التي نطلبها من الله.

يا الله ارحمنا لأن لك السلطان المطلق: يصلي معلمنا داود النبي قائلًا: «مُلْكُكَ مُلْكُ كُلِّ الدُّهُورِ وَسُلْطَانُكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْر» (مز145: 13). فالله يستطيع بقوته المطلقة أن ينفذ سلطانه على الإنسان دون جبر، ومن شواهد الكتاب في ذلك: «وَهُوَ يَفْعَل كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأرض، وَلا يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟» (دا4: 35). سلطان الله يشمل كل خلائقه من أعلاها إلى أدناها، كما أنه مطلق غير مُقيَّد، فهو ينفّذ إرادته في جند السماء وسكان الأرض، كما إنه غير متغير.

عمل العناية الإلهية، هي أن الله يتصرف مع خليقته بطريقة تحوِّل كل أعمالهم، وكل ما يحدث في الكون، إلى وسائط تُتمِّم مقاصده، بدون معارضة لحريتهم ولخواص طبيعتهم، فيبقى كلٌّ منهم فاعلًا مختارًا حرًا، وهذا يقتضي حكمة فائقة وسلطانًا مطلقًا على كل الأسباب الثانوية حتى يجعلها تكمّل كل ما قصده منذ الأزل في الوقت المعيَّن بدون أدنى خلل، بواسطة عنايته الإلهية الفعالة.

يا الله ارحمنا لأننا لا نستطيع أن نخرج خارج سلطانك: حقًا قال عاموس النبي: «أَمْ يُضْرَبُ بِالْبُوقِ فِي مَدِينَةٍ وَالشَّعْبُ لاَ يَرْتَعِدُ؟ هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟» (عا3: 6). وقال إرميا النبي: «مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ؟ مِنْ فَمِ الْعَلِيِّ أَلاَ تَخْرُجُ الشُّرُورُ وَالْخَيْرُ؟ لِمَاذَا يَشْتَكِي الإِنْسَانُ الْحَيُّ الرَّجُلُ مِنْ قِصَاصِ خَطَايَاهُ؟» (مرا3: 37-39).

فقد يتبادر إلى أذهاننا أن الله هو مصدر الشر والخير معًا، وعِلَّة الظلام والنور، وهذا في حد ذاته إهانة واحتقار للذات الإلهية، التي هي مطلق الخير، لكن:

1- أعمال البشر الشريرة، التي لا تحقق إرادة الله، تكون بسماحٍ منه، ولكنها مع ذلك داخل دائرة سلطانه، إنه لا يسبِّبها، بل عِلَّتها هى استخدام الحرية الممنوحة للإنسان بطريقة خاطئة، ولكن الله يحكم عليها ويعيّن حدودها، ولو شاء لقدر أن يمنع حدوثها. والمثال على ذلك منعُ الله لأبيمالك ملك جرار من أن يمد يده لسارة زوجة أبينا إبراهيم، «أَنَا أَيْضًا عَلِمْتُ أَنَّكَ بِسَلاَمَةِ قَلْبِكَ فَعَلْتَ هَذَا. وَأَنَا أَيْضًا أَمْسَكْتُكَ عَنْ أَنْ تُخْطِئَ إِلَيَّ لِذَلِكَ لَمْ أَدَعْكَ تَمَسُّهَا» (تك20: 6). والله لا يترك للشرير حرية كاملة ولكن يسمح له إلى حد معين، فالشيطان عندما طلب أن يضرب أيوب، سمح الله له بحدود معينة: أول مرة أن يمد يده إلى أملاكه فقط، وفى الثانية أن لا يمس عقله، وفى ذلك يقول داود النبيّ: «تَأْدِيبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ وَإِلَى الْمَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي» (مز118: 18). حتى مع الخليقة غير العاقلة نجد أن الشياطين لم تقدر أن تدخل في الخنازير إلّا بسماح من الله (مر5: 10-13).

2- الله يرد على الذين يعتقدون بأكثر من إله، فهناك من اعتقد بوجود إله للخير وآخَر للشر (الديانات المثنوية كالفارسية). فهو ينفي وجود علّتين أو أصلين أو إلهين لخلق العالم. ويؤكد أنه لا عِلَّة أخرى غيره ولا مصدر سواه.

لذلك ليس علينا إلّا أن نصرخ قائلين «أَدَّبْتَنِي فَتَأَدَّبْتُ كَعِجْلٍ غَيْرِ مَرُوضٍ. تَوِّبْنِي فَأَتُوبَ لأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلَهِي» (إر31: 18)، في أشد الحاجة أن نلمس هدب ثوبه، بإيمان كالنازفة، أن نمسكه كما أمسكته عروس النشيد، التي قالت: «فَأَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أَرْخِهِ حَتَّى أَدْخَلْتُهُ بَيْتَ أُمِّي وَحُجْرَةَ مَنْ حَبِلَتْ بِي» (نش3: 4)، ونقول له "يا الله ارحمنا" فله وحده السلطان المطلق.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx