اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4824 أبريل 2020 - 16 برموده 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 15-16

اخر عدد

عظة ليلة عيد القيامة 2020
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. أمين
تحلّ علينا رحمته ونعمته من الآن وإلى الأبد. آمين
خريستوس آنيستي.. آليثوس آنيستي
المسيح قام.. بالحقيقة قام

قداسة البابا تواضروس الثانى

24 أبريل 2020 - 16 برموده 1736 ش

أهنئكم أيها الأحباء بعيد القيامة المجيد الذي نحتفل به بعد 55 يومًا في الصوم المقدس (الصوم الكبير)، وبعد أن قضينا أسبوع الآلام في الصلوات والقراءات الإنجيلية والكتابية ومع الألحان المُعزِّية، ورغم أن الظروف في هذا العام لم تسمح بالاحتفال الكامل في كنائسنا بسبب الإصابات الموجودة على مستوى العالم من جرّاء هذا الوباء، وبلادنا أيضًا تتأثر به، ولكننا احتفلنا به هذا العام احتفالًا روحيًا عائليًا ومنزليًا بصورة رائعة. وأعتقد أن صورة الاحتفال ونحن وكل أسرة في بيتها تتابع الصلاة من خلال شاشات التليفزيون وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، هي وسيلة قوية جدًا لبناء الفكر الروحي في الأسرة والمذبح العائلي، وتجديد وتنشيط الحياة الروحية داخل البيت الواحد.

قد قام السيد المسيح في اليوم الثالث بعد الصلب، وكانت قيامته كما هو ثابت تاريخيًا وجغرافيًا وأثريًا وكنسيًا، والمواضع التي تشهد بالقيامة مع الشهود الذين حضروا وشاهدوا. وهذه القيامة أثبتت أن الحياة أقوى من الموت، وأن الحب أسمى من الكراهية، وأن الخير أقوى من الشر، وأن الحق أسمى من الباطل. وقيامة السيد المسيح في اليوم الثالث ومن هذه الحادثة، قد جعل رقم ثلاثة له أثر هام جدًا في حياة الإنسان.

يقولون إن حياة الإنسان هي ثلاثة أيام: (1) يوم الميلاد، (2) ويوم الوفاة، (3) وبينهم يومًا طويل اسمه يوم الحياة. ويوم الحياة هو يوم طويل يصف منظومة الحياة الإنسانية. وهذه الحياة فيها الليل يذهب ويأتي النهار، وفيها أيضًا البذرة تموت في الأرض وتحيا لتأتي بثمر كثير، وفيها أيضًا جيل يبني وجيل يجني، وفيها أيضًا دموع تنساب وأفراح تولد، وهكذا الحياة فيها كل هذه الاختلافات. ولكن أودّ أن اُركِّز على نقطة واحدة، أن حياة الإنسان مُرتبطة بمخاوف كثيرة –المخاوف العديدة التي يواجها الإنسان عبر حياته. وهذه المخاوف تجعله في حالة من حالات الخوف: يخاف من الفشل، من المرض، من الموت، من فُقدان الأحباء، من الشيخوخة، من العجز، أو من تغيُّر الأحوال. هذه المخاوف الكثيرة تجعل الإنسان يعيش دائمًا في حالة من حالات الخوف. ربما ونحن في ظروف هذا العام وانتشار فيروس الكورونا بهذه الصورة في العالم بصورة فجائية، جعل المخاوف تزداد، وجعل حياة الإنسان في حالة قلق. ولكن القيامة هي الوسيلة التي تنقل الإنسان من حالة الخوف إلى حالة الحب، وسأشرح لحضراتكم كيف يكون هذا.

أولًا أود أن أذكر أن القديس داود النبي أيضًا تعرّض لمخاوف كثيرة حتى أنه صرخ في أحد مزاميره وقال: «الرَّبُّ نُورِي وخَلاصِي، مِمَّنْ أخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْن حَياتِي، مِمَّن أرْتَعِبْ؟» (مزمور 26). يقف الإنسان متحيِّرًا أمام هذه المخاوف الكثيرة التي تواجهه في مسيرة حياته في يوم الحياة الطويل. أحيانًا يقف أمام ربنا ويقول له: "أين أنت يا الله من هذه المخاوف؟"، وأحيانًا يأتي له خاطر ويخاطب الله ويقول له: "هل نسيت يا رب خليقتك؟ هل نسيت الإنسان الذي خلقته بيديك؟"، وأحيانًا يأتي له فكر آخر ويقول: "هل تصل صلواتنا إليك يا رب؟"، وأحيانًا يشعر أنه يمضي في نفق. وكثير من الأدباء والفلاسفة يتكلمون عن الحياة إنها بمثابة نفق، طويل هو أم قصير، ولكن يمشي فيه الإنسان ولا يقدر أن يبصر نورًا، بل يبصر النور قرب النهاية ويشعر بالأمان والسلام.

نذكر أيضًا بولس الرسول الذي عاش النصف الأول من حياته بعيدًا عن المسيح، وفي النصف الأخر صار مرتبطًا وكارزًا بالمسيح. قُرب نهاية حياته ركب السفينة مع آخرين متجهًا إلى روما من أجل المحاكمة، وقد هاج البحر وتكسرت السفينة. ولكن وسط هذه المخاوف الشديدة قدَّم لنا اختبارًا وقال: «سَلَّمْنَا فَصِرْنَا نُحْمَلُ» (أعمال 27: 15). هذا هو اختبار الإيمان القوي الذي يحتاجه الإنسان فينا.

في العهد القديم أيضًا، داود النبي وقع في خطية، وكانت خطيته أنه قام بتعداد الشعب. ما هي الخطية في ذلك؟! كان تعداد الشعب يدلّ على قوته واعتماده على إمكانياته وليس على معونة الله. وكانت هذه خطية، والخطية تحتاج تأديب، فخُيِّر بين ثلاثة أنواع من التأديب: (1) جوع لمدة سبعة سنوات، (2) أو يظل مُطَارَدًا من أعدائه لمدة ثلاثة شهور، (3) أو حالة من الوباء تستمر ثلاثة أيام. قد اختار داود التأديب الثالث وقال: «أسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أَسْقُطْ فِي يَدِ إِنْسَانٍ» (2صموئيل 24: 14).

ما أريد أن أقوله إن القيامة هي ما جعلت الإنسان يستطيع أن يعبر من حالة الخوف إلى حالة الحب التي هي أسمى المشاعر الإنسانية، والتي يعشها الإنسان في مُنتهى الراحة والسعادة والشبع الداخلي، وهي أيضًا فِعْل القيامة الذي يحوّل الإنسان إلى إنسان يعيش إنسانيته الحقيقية وهو فرحان. القيامة نقلت وحوّلت كثيرين من حالة الخوف إلى حالة الحب الكامل. سوف أشرح لكم ثلاث خطوات نجدها في مشاهد القيامة الجميلة..

1) الخطوة الأولى: النقاء

الإنسان لا يستطيع أن يتمتع بالقيامة وينتقل من حالة الخوف إلى حالة الحب الكامل أو السامي إلّا من خلال خطوة نقاء القلب. ولكي يعيش الإنسان حياته السليمة أمام الله كالإنسان الذي خلقه، ينبغي أن يأخذ خطوة النقاء هذه. مكتوب «طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللَّهَ» (متَّى 5: 8). أوضح مثال على ذلك نجده قبل قيامة المسيح بأيام قليلة حيث يأتي بطرس الرسول وينكر المسيح، واقعًا في خطية. ونحن نتعجب عند قراءة ذلك ونفكر: "كيف تقع في هذه الخطية وتنكر سيدك أمام جارية وأنت تلميذ؟!" بطرس الرسول نفسه شعر أنه مرفوض وعاش حالة من الخوف بعيدًا عن السيد المسيح بعد قيامته. رجع إلى مهنته السابقة، وعاش يصيد السمك ونسي إنه تلميذ للمسيح وأنه عاصر معجزات وسمع تعاليم – قد نسي كل شيء. وفي معجزة صيد 153 سمكة كان بطرس الرسول موجودًا (لأنه صياد) مع تلاميذ آخرين، ويجد السيد المسيح حاضرًا على الشاطئ عندما خرجوا لأكل السمك (يوحنا 21). في وسط هذه الجلسة ينادي السيد المسيح على بطرس الذي أنكره ويقول: «أَتُحِبُّنِي؟» وهو سؤال من كلمة واحدة. رد بطرس على السؤال: «نَعَمْ يَا رَبُّ أَنِّي أُحِبُّكَ.» ويكررها المسيح ثلاث مرات حتى يقول بطرس له: «أَنْتَ تَعْلَمُ يَا رَبُّ أَنِّي أُحِبُّكَ»، وهذه هي اللحظة التي تحول فيها بطرس الرسول من حالة الخوف إلى حالة الحب الكامل لأنه نقّى قلبه وصار قلبه ممتلئًا بمحبة السيد. وصار من هذه اللحظة كارزًا مبشرًا في أماكن كثيرة وبلاد كثيرة، وتنتهي حياته بالاستشهاد. خطوة النقاء هي أول خطوة تجعل الإنسان يتحول من حالة الخوف إلى حالة الحب الكامل، والقيامة هي التي تستطيع أن تصنع هذا الفعل في حياة الإنسان. مَنْ يعيش في هذا الحب لن يخاف أبدًا.

2) الخطوة الثانية: الرجاء

الرجاء مُرتبط دائمًا بالإيمان. الإنسان الذي يعيش في الخوف دائمًا لديه أفكار سلبية ومُحبِطة تجعله يصل إلى مراحل صعبة كمثل اليأس أو الانتحار إذا فقد الرجاء. خطوة الرجاء خطوة لازمة لينتقل الإنسان من حالة الخوف إلى حالة الحب. أوضح مثال على ذلك هو ما استمعنا إليه في الإنجيل المقدس عن القديسة مريم المجدلية. هي إنسانة صنع معها المسيح عملًا عظيمًا وأخرج منها شياطين، وصارت تتبعه وصارت في حياة القداسة. ذهبت إلى القبر وهي مُترجيَّة رغم الخوف والدموع والأسئلة التي في ذهنها. ولكن هذا الرجاء القوي الذي دفعها لتذهب إلى القبر وتبحث عن مُعلِّمها تغلبت به على مخاوفها ومتاعبها الداخلية ودموعها لكي ترى المسيح في القبر. خطوة الرجاء هي خطوة لازمة للإنسان الذي يريد أن ينطلق من حالة الخوف إلى حالة الحب. لذلك عندما نادى عليها السيد المسيح باسمها فقط قائلًا: «يا مريم»، كانت النتيجة أن نغم اسمها وقع في أذنيها فعرفت أن هذا هو المسيح – «رَبُوني» (يا معلم). ومن دهشتها أرادت أن تمسكه، ولكن المسيح قد أحب أن يذكّرها إنه لا يزال لها دور ورسالة بأن تذهب وتنقل خبر القيامة إلى التلاميذ. أيها الحبيب الذي تعيش في مخاوف كثيرة، يجب أن تحفظ رجاءك في داخلك، وطالما لديك هذا الإيمان القوي وتتمتع بالقيامة المجيدة، القيامة تساعدك لتنقلك إلى حالة من حالات الحب الكامل وتصير بهذا الحب إنسانًا سعيدًا في هذه الحياة. لذلك نقول في الصلاة "يا رجاء مَنْ ليس له رجاء، ويا مُعين مَنْ ليس له مُعين". أنت يا الله رجاؤنا، ومن خلال القيامة حوّلتَ الخوف واليأس إلى فرح وأمل.

الخطوة الأولى هي النقاء، والثانية هي الرجاء، والعقول المترجية التي تملك أفكار إيجابية. ممكن تقابل شخصًا تجد كلامه مُحبِط ويصيب الإنسان بحالة من اليأس. ويوجد آخر تحس أن عنده رجاءً للمستقبل، ويرى كل شيء حسنًا، ويرى الغد أفضل من اليوم.

3) الخطوة الثالثة: البناء (العمل)

مَنْ يبني يبدأ من الأرض إلى أعلى، فهذه هي خطوة الصعود والارتفاع. إذا توفّر للإنسان نقاء القلب ورجاء العقل، تصير يده يدًا عاملة تبني وترتفع. نسمع عن بطرس الرسول، ومريم المجدلية، وأيضًا عن توما الذي شكّ في قيامة المسيح، وبعد القيامة بأسبوع ظهر المسيح لتلاميذه وبينهم توما، وقال له "انظر مكان المسامير والحربة"، فصرخ توما بقوة معترفًا «رَبِّي وَإِلَهِي» (يوحنا 20: 28). وينتقل توما بعد ذلك من أورشليم ويذهب إلى الهند ليبشر باسم المسيح – هذه هي خطوة العمل. إذا امتلك الإنسان نقاء القلب والرجاء في العقل يستطيع أن يبني ويعمل، وأن يحتضن الآخرين ويخدمهم، وأن ينتقل من حالة الخوف إلى حالة الحب. وهذا أمر يفرح الإنسان في حياته، وهو أيضًا ما جعل داود النبي يقول في مزمور 18 «أُحِبُّكَ يَا رَبُّ يَا قُوَّتِي».

القيامة ليست مجرد احتفال، وليست حدثًا تاريخيًا، ولكن القيامة هي حياة تُعاش. وإذا كنَّا ونحن في بيوتنا الآن ونتمتع ونحتفل بعيد القيامة المجيد ، كلٍ وسط أسرته ، ونُفرّح بعضنا البعض ونعيش هذه الفرحة، نحن نستطيع أن نفرح بالقيامة. أدعوكم أن تقرأوا إنجيل معلمنا يوحنا الحبيب، التلميذ الذي كان يسوع يحبه، ورسائله الثلاث ومعهم سفر الرؤيا. هذه الأسفار الخمسة مجموع أصحاحاتها 50 أصحاحًا وتتناسب مع فترة الخمسين المقدسة، نعيشها ونفرح فيها بالقيامة المجيدة.

نحن نفرح بالقيامة المجيدة في هذا العام وفي هذا الاحتفال. وإذا كان هذا الاحتفال الكنسي محدودًا ولكن فرحة القيامة لا تحدّها إيّة أحداث، فالقيامة في حياة الإنسان وقلبه. وبرغم تعرّض بلادنا وبلاد العالم لوباء غير مسبوق، وهناك تزايد في عدد المصابين وعدد الضحايا في بلاد كثيرة، ولكن نشكر الله أن بلادنا تنبّهت مبكرًا وبدأت في الإجراءات الاحترازية التي تساعد في تقليل وحصر هذه العدوى التي يمكن أن تصل إلى أي إنسان. ولنا وعد من الله على لسان حبقوق النبي، أحد أنبياء العهد القديم، الذي يقول «قُدَّامَهُ ذَهَبَ الْوَبَأُ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْحُمَّى» (حبقوق 3: 5). نحن لنا ثقة ولنا يقين أمام الله أنه يستطيع أن يرفع هذه المخاوف والمتاعب الكثيرة.

أوجّه كل المحبة والتحية إلى الآباء المطارنة والآباء الأساقفة في كل الإيبارشيات في مصر وخارج مصر، والآباء الكهنة والشمامسة والأراخنة ومجالس الكنائس، وأهنئ كل بيت مسيحي وكل أسرة، الآباء والأمهات، الأزواج والزوجات، الشباب والشابات والصغار وكل قطاعات الخدمة. نهنئ كل أحبائنا في العالم، نهنئ إيبارشيتنا في الكرسي الأورشليمي، والإيبارشيات والكنائس والأديرة القبطية في كل من الولايات المتحدة الامريكية وكندا وفي أوربا وفي أستراليا وفي أفريقيا وآ’سيا. أهنئ الجميع ليكون عيدًا سعيدًا لنا جميعًا، نفرح فيه ليكون سبب سعادة لكل أحد، لأنه في هذه السنة فرح عائلي لكل بيت وكل أسرة.

وأيضًا أودّ أن أوجّه شكري إلى كل إخوتنا المسلمين الذين أرسلوا لنا التهنئة بمناسبة عيد القيامة المجيد من خلال الرسائل أو المكالمات التليفونية أو وسائل التواصل الاجتماعي. وأود أن أهنئهم جميعًا بقرب حلول شهر رمضان، شهر الصوم، ليكن شهرًا مقبولًا ترتفع فيه الصلوات والأدعية.

نهنئ الجميع بهذا العيد، ليكن عيدًا سعيدًا لنا جميعًا، نفرح فيه وليكن سبب سعادة لكل أحد.

اخريستوس آنيستي، آليثوس انيستي

المسيح قام ، بالحقيقة قام.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx