اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4829 مايو 2020 - 21 بشنس 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 19-20

اخر عدد

نيافة الأنبا رويس.. ملاك دير السريان

نيافة الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر

29 مايو 2020 - 21 بشنس 1736 ش

انطلقت في هدوء الملائكة الروح الطاهرة النقية لنيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات الأنبا رويس الأسقف العام، وذلك يوم الخميس 14 مايو 2020.

ترهّب في دير السيدة العذراء السريان في 30/10/1963 وسنّه لا تتجاوز 24 سنة فقط، وبعد أن حصل على بكالوريوس التجارة بسنة واحدة، لأنه كان له اشتياق للرهبنة منذ نعومة أظافره.

قام برهبنته أبوه الروحي نيافة الأنبا شنوده أسقف التعليم آنذاك، وكان يحبه كثيرًا جدًا، ورهبنه باسم متياس السرياني، وهو اسم صديقه القديم متياس السرياني الذي قد سيم أسقفًا للجيزة باسم الأنبا دوماديوس.

أستطيع أن أقول إن رهبنة الراهب متياس السرياني كانت سببًا في رهبنتي أنا شخصيًا، لما سمعت من أحد رهبان دير السريان أن شابًا جامعيًا مثقفًا غنيًا قد ترهب وترك كل شيء في العالم، أخذتني غيرة روحية لتنفيذ مشروع الرهبنة الذي كان في ذهني، فجئت إلى الدير سنة 1964 وترهبت في أوائل 1965.

لما جئت إلى الدير ورأيت الراهب متياس السرياني -الذي كنت قد سمعت عنه- رأيت فيه أكثر مما سمعت، وتذكرت كلام ملكة سبأ لما زارت سليمان الحكيم ورأت الحكمة قالت له: «صَحِيحًا كَانَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُهُ فِي أَرْضِي عَنْ أُمُورِكَ وَعَنْ حِكْمَتِكَ. ‏وَلَمْ أُصَدِّقِ الأَخْبَارَ حَتَّى جِئْتُ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ، فَهُوَذَا النِّصْفُ لَمْ أُخْبَرْ بِهِ. زِدْتَ حِكْمَةً وَصَلاَحًا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي سَمِعْتُهُ» (1مل10: 6، 7).

كنت أراه ملاكًا يمشي على الأرض. كنت أراقب حركاته وسكتاته لعلّي أتعلم شيئًا. رأيت فيه التواضع العميق. رأيت فيه الهدوء والخشوع سواء في الكنيسة أو خارج الكنيسة. رأيت فيه الصمت وقلّة الكلام. رأيت فيه الحب العميق والخدمة الباذلة للرهبان والعمال.

الراهب متياس السرياني وصديقه الحميم أبونا أنطونيوس السرياني (هو الآن نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة أطال الله حياته)، عملا لنفسهما تقليدًا جميلًا طيلة وجودهما بالدير. كانا كل يوم أحد يجهزان لعمال الدير (وكان عددهم حوالي عشرة عمال، ناس كبار في السن وفقراء وغلابة). كان الأبوان المباركان يجهزان لهم كل يوم أحد وجبة دسمة ساخنة من اللحوم الخضار والفاكهة، وبعد صلاة غروب يوم الأحد يحمل الأبوان بمساعدة بعض العمال أواني الطعام والخبز والفاكهة ويذهبان إلى الدوَّار مكان سكن العمال. يقوم أبونا أنطونيوس بتحفيظ العمال ترنيمة بسيطة ويعلمهم درسًا بسيطًا مثل درس مدارس الأحد، بينما أبونا متياس يجهز المائدة، وبعد انتهاء الدرس يجلس العمال على المائدة لتناول طعام العشاء، ويقوم الأبوان المباركان بخدمتهم حتى ينتهوا من العشاء، ويغسلون الحلل والأطباق، ويرجعان إلى قلّاياتيهما فرحيْن بهذه الخدمة البسيطة العميقة المملوءة حبًا وعطاءً، وقد استمر هذا الحال عدة سنوات.

قام نيافة الحبر الجليل الأنبا ثاؤفيلوس أسقف دير السريان بسيامة ثلاثة رهبان أفاضل في درجة القسيسية هم: القس أوغريس السرياني نيح الله نفسه، والقس أنطونيوس السرياني (نيافة الأنبا باخوميوس أطال الله حياته)، والقس متياس السرياني (نيافة الأنبا رويس نيح الله نفسه)، يوم 2 يناير 1966، ثم نال أبونا متياس درجة القمصية في 25 يونية 1967. ثم طلبه البابا كيرلس السادس للخدمة فنزل سكرتيرًا له، ثم مشرفًا على طلبة الكلية الإكليريكية.

بعد نياحة الأنبا تيموثاوس مطران الدقهلية ودمياط، أراد البابا كيرلس سيامة الراهب القمص متياس السرياني أسقفًا على دمياط فرفض لأنه كان عازفًا عن مسئولية الأسقفية تمامًا، ويقول: "أسقف الإيبارشية مسئول عن كل أحد في الإيبارشية ليخلصه، وأنا غير قادر على خلاص نفسي فكيف أتحمل مسئولية خلاص الأخرين؟"، ولما ضغطوا عليه هرب إلى دير السريان وكان ذلك سنة 1969، وظل حبيسًا في قلاية منفردة بعيدة في حديقة الدير لا يعرف أحد عنه شيئًا عدة شهور حتى تمت سيامة أسقف لدمياط ثم رجع للخدمة مرة أخرى، وفي هذه المرة أرسله البابا كيرلس لخدمة الأقباط في إنجلترا.

لما جلس أبوه الروحي البابا شنوده الثالث في 14 نوفمبر 1971 على كرسي البطريركيةن استدعاه ليكون سكرتيرًا له، وحاول عدة مرات سيامته أسقفًا لإحدى الإيبارشيات وكان يرفض، وأخيرًا اقتنع برتبة أسقف عام، فرسمه البابا شنوده أسقفًا عامًا في عيد العنصرة 9 مايو 1977 باسم الأنبا رويس، وأسند له خدمة كنيسة السيدة العذراء قصرية الريحان بمجمع الكنائس بمصر القديمة، إلى جانب سكرتارية البابا، إلى جانب بعض الخدمات في الكنائس الناشئة بكندا، فخدم كنيسة قصرية الريحان بنشاط وأمانة وأحيا الخدمة فيها جدًا، وجذب الكثيرين إليها حتى أصبحت أشهر كنيسة في مصر القديمة بفضل خدمته ورعايته. ومن محبته لهذه الكنيسة بنى في ركن فيها منامة له ليتم دفنه فيها عند نياحته.

أخيرًا وبعد خدمة طويلة تنيح الملاك الطاهر الأنبا رويس صباح الخميس 14 مايو 2020، صلى عليه قداسة البابا تواضروس الثاني مع عدد قليل من الأساقفة والشعب بسبب وباء الكورونا وذلك في الكنيسة البطرسية بدير الأنبا رويس، ودُفن في المنامة التي أنشأها في كنيسة قصرية الريحان بمصر القديمة حسب وصيته.

نستطيع أن نقول إن نيافة الأنبا رويس عاش غريبًا ورحل غريبًا، والغربة فضيلة عظمى في الرهبنة أتقنها الأنبا رويس. قال عنه قداسة البابا في كلمة التأبين: "عاش هادئًا، لم يكن في يوم سببًا في مشكلة، بل كان ملاك سلام. عاش في وسطنا كملاك، وها هو يغادرنا إلى السماء كملاك، لكي ما يصلي عنا لكي يعيننا الرب جميعًا للنهاية الصالحة".

باسم مجمع رهبان دير السريان، إخوة الأنبا رويس في الرهبنة، نقدم خالص العزاء لأسرة الأنبا رويس ولأبناء الأنبا رويس الروحيين في مصر القديمة وكندا وكل الأماكن التي خدم فيها، ونطلب إليه أن يذكرنا أمام عرش النعمة، ليعيننا الله كما أعانه، ويكمل أيام غربتنا بسلام، ويكون لنا معه نصيب في الأمجاد السماوية. آمين.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx