اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4829 مايو 2020 - 21 بشنس 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 19-20

اخر عدد

مشاهد في حياة البابا أثناسيوس الرسولي

قداسة البابا تواضروس الثانى

29 مايو 2020 - 21 بشنس 1736 ش

عظة عشية عيد القديس أثناسيوس الرسولي، يوم الخميس ١٤ مايو ٢٠٢٠م.

نحن في هذه العشية نحتفل بتذكار القديس العظيم البابا أثناسيوس الرسولي، البابا الـ20 في القرن الرابع الميلادي. ونحن في مزار القديس أثناسيوس الرسولي؛ عندما استلم البابا شنوده الثالث في شهر مايو 1973 جزءًا من رفات القديس البابا أثناسيوس من روما، وكانت هذه أول زيارة يقوم بها بابا قبطي إلى الفاتيكان، وكانت الزيارة يوم 10مايو 1973، وتقابل فيها مع البابا بولس السادس. ومن هذا اليوم بدأت علاقات طيبة بين الكنيستين، خاصتةً أن البابا شنوده وقّع اتفاق ما بين الكنيستين وكانت البداية. وكان هناك قطيعة بين العالم الأرثوذكسي والعالم الكاثوليكي لمدة 15 قرنًا. العالم الأرثوذكسي يتكون من جزئين: الكنائس الأرثوذكسية اللا خلقدونية ومنهم كنيستنا، والكنائس الأرثوذكسية الخلقدونية مثل القسطنطينية واليونان وروسيا. سنة 1965 قام البطريرك المسكوني من الكنائس الخلقدونية بأول زيارة أرثوذكسية للفاتيكان، ثم كنائسنا اللاخلقدونية نحن والسريان والأرمن والأحباش والأرتريين والهنود، قام البابا شنوده بزيارة سنة ،1973 وهذا كان استكمالًا للعائلة الأرثوذكسية في زيارتها للفاتيكان، وكانت هذه بدايات طيبة من أجل الحياة التي تمجد المسيح. وفي ذلك الوقت استلم البابا شنوده جزءًا من رفات القديس البابا أثناسيوس في وعاء على شكل كأس كبير، والوعاء محفوظ في هذا المذبح، ونحن نستخدمه كمذبح، ولكنه مقر لرفات القديس البابا أثناسيوس، ونستخدم اللوح المقدس.

لمصر الحق أن تفتخر أنه ظهر على أرضها القديس أثناسيوس الرسولي، هو القامة الأولى في الشرق المسيحي، وكانوا يطلقوا علية بطريرك الشرق من عظمته. ولنعش في زمنه ونذكر مجموعة من التواريخ مسلسلة:

284م: قبل ميلاد القديس (ومعنى اسم أثناسيوس "الخالد") كانت بداية حكم دقلديانوس وبداية التقويم القبطي وبداية سنة الشهداء. ودقلديانوس أكثر شخص في التاريخ اضطهد المسيحية، آباؤنا اختاروا تاريخ بداية حكمه ليكون بداية للتقويم القبطي.

297م: وُلِد القديس أثناسيوس في الصعيد، وبعض المصادر تقول إن أباه كان كاهنًا، وانتقلت أسرته من الصعيد إلى الإسكندرية ربما للتعليم أو للرزق، وفي الإسكندرية أخذ قدرًا كافي من التربية الأسرية.

303م: رُسِم البابا بطرس الأول البابا الـ17 خاتم الشهداء، وبعده البابا أرشيلاوس (ظل شهورًا قليلة)، ثم جاء البابا ألكسندروس وكان شيخًا كبيرًا، وكان في عصره أثناسيوس طفلًا.

311م: استشهد البابا بطرس خاتم الشهداء في الإسكندرية.

312م: رُسِم القديس أثناسيوس شماسًا، وكان لديه 15 عامًا تقريبًا، وكان صاحب نبوغ مبكر.

313م: صدر مرسوم ميلان الذي سمح للمسيحية أن تكون ديانة مُعترَف بها في الغمبراطورية الرومانية، وكان منشورًا عالميًا، وكان له تأثير، وصارت المسيحية لا تُضطهد. وأصبح أثناسيوس في سن الـ17 تقريبًا، وزار البرّية. وفي نفس الوقت ظهر كاهن في مدينة الإسكندرية وكان عمره 60 عامًا، وكان معجبًا بنفسه ولديه كثير من المواهب، وبدأ يعلّم تعليمًا أول مرة يُسمع في المسيحية أن المسيح ليس إلهًا! واستخدم موهبة الشعر والفصاحة والخطابة والوعظ لنشر هذا الكلام. ويظهر البابا الكسندروس ويرى أثناسيوس ويأخذه ويصير تلميذًا للبابا، وذهب أثناسيوس للبرية وشاهد القديس الأنبا أنطونيوس الذي كتب سيرته وتعلم نسكيات البرية وشبع من البرية.

325م: كانت الأمور ملتهبه في الحقول الكنسية وفي المسيحية بسبب آريوس وما سبّبه من انشقاقـ والتاريخ يقول إن السيد المسيح ظهر بثوب مُمزّق للبابا بطرس خاتم الشهداء، وقال إن آريوس من مزق ثوبه.. وأقيم مجمع نيقية، وكان أول مجمع مسكوني في العالم كله، جمع أساقفة وبطاركة وكهنة وشمامسة. وكان الأمبراطور قسطنطين يريد حفظ سلام الإمبراطورية، فجمع المجمع ليتفقوا هل آريوس مخطئ أو لا؟

328م: تنيح البابا ألكسندروس وكان شيخًا وقورًا، وتنيح بعد المجمع بسنوات قليلة. وأثناسيوس الذي ظهر نبوغه في المجمع ورُسِم كاهنًا، وفي عمر 30 عامًا اختير البابا البطريرك رقم 20 في تاريخ باباوات الإسكندرية، والله اعطاه العمر الطويل، وصار بطريركًا 47 سنة، وكان بها متاعب كثيرة ولكن كان بها إنجازات عظيمة.

330م: أقام البابا أثناسيوس أسقفًا لإثيوبيا أنبا سلامة "فرومنتيوس"، وصار أنبا سلامة أول أسقف في إثيوبيا وصارت من هذا التاريخ إثيوبيا تابعة للكنيسة القبطية.

377م: كانت نياحة البابا أثناسيوس في الإسكندرية، ومن 47 سنة التي قضاها على الكرسي، كان منهم 17 سنة في النفي.

سوف نتكلم عن خمسة مشاهد في حياة البابا أثناسيوس الرسولي، وهو الوحيد الذي أخذ هذا اللقب، لأن جهاده كان جهادًا كبيرًا وعاش طويلًا وحفظ الإيمان المستقيم. الخمسة مشاهد كان لهم تأثير في حياة البابا أثناسيوس الرسولي:

1- البيت:

أخذ القديس أثناسيوس حصيلة من أسرته، وظهرت هذه الحصيلة عندما اكتشفه البابا ألكسندروس وهو يلعب مع أصدقائه على شاطئ الإسكندرية. والبابا ألكسندروس كانت إقامته في الكنيسة المرقسية "بوكاليا"، وكان شاطئ البحر قريبًا من الكنيسة، وشاهد أطفالًا يلعبون، وكان أحد الأطفال يلعب "دور أبونا" ويلعبون لعبة المعمودية. ولاحظه البابا ألكسندروس وكانت عينه ثاقبة، ومن هذه اللحظة أخذه ورعاه.. وهذه رسالة كيف نرعى أطفالنا وكيف نكتشفهم مبكرًا. وعندما أصبح أثناسيوس في حضرة البابا وكان تلميذًا صغيرًا تعلم منه، ودفعه البابا للبرية، وصار مساعدًا للبابا، ثم صار البابا رقم 20.

2- الكنيسة:

تلقى تعليمًا كنسيًا وعاش في روح الكنيسة ومجدها وعقيدتها وتراثها وأصالتها، وكان لديه تعبير مهم جدًا "لا للفردية نعم للجماعية"، "الجماعية لا تصلح إلّا بأعضاء أشداء محبين"، "المؤمن نغمة في نوته موسيقية تشكّل أجمل ألحان الأبدية". وقبل أن يصير القديس أثناسيوس بطريركًا، وضع لنا كتابين من أكبر الكتب، كتاب "تجسد الكلمة" والكتاب الثاني "رد على الوثنيين". وعندما صار بطريركًا اهتم بتنظيم الحياة الرعوية، وبدأ ما يُسمّى بالافتقاد، وكانت بدايته قوية ومرتبطة بحياة الكنيسة، وكان يؤمن بعمل الكنيسة الجماعي، وعاش بهذه الفكرة. وهو أول من رسم الأساقفة من بين الرهبان وهذا من أجل تنظيم الرعاية، وهو أول من أعدّ الميرون المقدس، واهتم بتدشين الكنيسة في المدينة المرمرية في آثار دير مار مينا في احتفال عظيم، وكانت ملامح حياته ملامح كنسية واهتم بالعمل الرعوي.

3- البرية:

عاش بتولًا، وذهب للبرية وظل بها ثلاث سنوات تقريبًا، وتعرّف على القديس أنطونيوس أب جميع الرهبان، وكان يفتخر في عظاته "أنه صبّ الماء على يد أنطونيوس" وهي علامة فخر. عندما تم نفيه إلى ترير على الحدود الألمانية، أستغل وقت النفي وكتب سيرة القديس أنطونيوس، وكان هذا الكتاب بداية نشأة الحياة الرهبانية في أوروبا، وانتشرت في العالم كله. هذا الكتاب كان سبب توبة القديس أغسطينوس وصار قديسًا. البرية تعيش داخل الإنسان بنسكها ورؤية أباطيل العالم، وتظل داخل الإنسان في حياته وخدمته.

4- المجمع:

وهذا سبب شهرة أثناسيوس، وكان مع البابا ألكسندروس، ولكن كان إنسانًا يقظًا، وتكلم كثيرًا عن شموخ اللاهوت وكمال الناسوت. ومن أقواله: "لو لم يكن جسدًا ما قمّطته مريم العذراء، ولكونه إلهًا، فإن الرعاة والمجوس سجدوا له". وقد تعرض لمتاعب كثيرة، وكان يقول إن حجر الزاوية في إيماننا هو هذه الآية «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ». وبسبب دفاعه ضد آريوس واتباعه اطلقوا عليه: أسقف الأساقفة، ومنارة، فارس وحامي الإيمان القويم، وعين العالم المقدسة، وعمود الإيمان، والصوت العالي للحق، ورسول المسيح الجديد، وحكيم الكنائس، وصموئيل الكنيسة. وأعداؤه أسموه: الزعيم المشاغب، البغيض أثناسيوس، الساحر القوي، الثائر المتآمر، المفتون. لكن كانت قوته يسندها محبته للمسيح التي تأصّلت فيه منذ شبابه، وكان اسمه -وما زال- مرادفًا للقوة والعقيدة وللإيمان. ومن العبارات الرائعة: "ليست الكلمات هي التي تصنع الأتقياء، بل النفس المستقيمة والحياة المقدسة"، وقال أيضًا: "اليقظة ممدوحة، والتقشف مقدس، وإذا حافظ عليهما إنسان أنقذ سفينة حياته وقادها دون مشقة إلى ميناء مدينة القديسين". وبعد المجمع صار بطريركًا وبدأ خدمته الواسعة في الكنيسة.

5- المنفى:

نُفِي 5 مرات، واحدة خارج مصر والباقي داخل مصر، وفي كل هذا كان يعود بروح الانتصار، ويلتفّ حوله الشعب. وبرغم أن الشعب كان يتعرض لآلامات كثيرة، لكن القديس أثناسيوس وشعبه كانوا أمناء في حياتهم للمسيح. كان يقول: "التواضع هو الحارس والحافظ لجميع أثمارنا". وعاش دون أن يحمل إيّة بغضة للآخرين، وكان يتكلم بدقة شديدة. وكانت شخصيته في المسيح قوية، وعلاقته به علاقة قوية، وهذا ما كان يعطيه القوة الحقيقية التي عاش بها. اصالته وأبوته وإيمانياته. أثناسيوس كان راعيًا وكان أبًا، عندما دُعي لمشكلة آريوس تكلم فيها، ولكن البعد الأكبر من حياته كان راعيًا، 47 سنة كان راعيًا، وحفظ الأمانة بصورة قوية، وصار لنا تاريخ مجيد. وكما قلت: لمصر الحق أن تفتخر أن أثناسيوس الرسولي وُلِد على أرضها، وصار البطريرك رقم 20 في التاريخ، الحارس والحامي للإيمان. أحد كرادلة الغرب قال هذه العبارة الجميلة: "هذا الرجل العظيم طبع الكنيسة بطابع لا يمحوه الدهر". سيرته تُدرَس في كل مكان، وقيل عنه: "إن وجدت كتابًا لأثناسيوس وليس معك ورق، فانسخه واكتبه على قميصك"، وعبّر عنه القديس غريغوريوس النزينزي: "عندما أمدح أثناسيوس، فإنني أمدح الفضيلة"..

هذا هو أثناسيوس العظيم في خمس مشاهد. وهذه القامة الروحية الجميلة التي نحتفل بها اليوم ضمن احتفالنا في شهر مايو بالقديسين. يباركنا مسيحنا بكل بركة روحية، ويعطينا أن ننتفع بصلواته وبحياة هذا القديس العظيم. لإلهنا كل مجد وكرامة من الأن وإلى الأبد آمين.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx