اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4812 يونيو 2020 - 5 بؤونه 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 21-22

اخر عدد

وحل عُقد

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

12 يونيو 2020 - 5 بؤونه 1736 ش

لما صنع بيلشاصر الملك وليمة لعظمائه، وبينما كان يشرب الخمر في آنية بيت الرب، ظهرت أصابع يد إنسان وكتبت على حائط قصر الملك كتابة لم يستطع الملك تفسيرها، لا هو ولا سحرة ومنجمين وحكماء بابل. فاقترحت الملكة عليه أن يستعين بدانيال الذي استطاع بالفعل أن يفسر للملك تلك الكتابة منذرًا إياه بانتهاء ملكه. لكن العجيب في الأمر أنه لما أرادت الملكة أن تصف دانيال قالت عنه: «يوجَدُ في مَملكَتِكَ رَجُلٌ فيهِ روحُ الآلِهَةِ القُدّوسينَ، وفي أيّامِ أبيكَ وُجِدَتْ فيهِ نَيِّرَةٌ وفِطنَةٌ وحِكمَةٌ كحِكمَةِ الآلِهَةِ... مِنْ حَيثُ إنَّ روحًا فاضِلَةً ومَعرِفَةً وفِطنَةً وتَعبيرَ الأحلامِ وتَبيينَ ألغازٍ وحَلَّ عُقَدٍ وُجِدَتْ في دانيآلَ هذا، الّذي سمّاهُ المَلِكُ بلطَشاصَّرَ» (دا5: 11-12).

في الحقيقة يُعتبر دانيال من رجال العهد القديم القلائل الذين ظهر فيهم بقوة عمل الروح القدس، حتى أن الملكة أخذت في وصفه بتعبيراتها الخاصة مُسمِّية إيّاه تارة: روح الآلهة القدوسين (في الترجمة السبعينية: روح الله القدوس)، وتارة أخرى: روحًا فاضلة (في الترجمة السبعينية: روحًا إضافية).

ومما يلفت الانتباه من بين الأوصاف العديدة للروح القدس في الكتاب المقدس بعهديه، وصفه هنا بأنه "روح حلّ العُقَد". ولم يرد هذا الوصف في الكتاب المقدس كله سوى في هذا الإصحاح. وكلمة العُقد المستخدمة في كل من اللغة العبرية واليونانية تعني حرفيًا العقدة المحكمة التي لا يمكن فكها، سواء كانت عقدة في حبل، أو العقدة التي تربط شيئين معًا بقوة.

لم يحل الروح القدس من خلال دانيال النبي العقدة التي واجهت بيلشاصر الملك فقط، ولكن أيضًا العقدة التي واجهت سوسنة العفيفة لكي تثبت براءتها من التهمة الشريرة التي اُتُهِمت بها. لقد وصف الكتاب ذلك قائلًا: «وإذ كانت تُساق إلى الموت، نبّه الله روحًا مقدسًا (في الترجمة السبعينية: حرّك الله الروح القدس) لشاب حدث اسمه دانيال» (دا13: 45).

ولعل أكبر عُقدة واجهها شعب في التاريخ هي عقدة شعب بني إسرائيل عندما انحصر بين البحر الأحمر من أمامه وفرعون وجيشه من خلفه. كلنا نعرف عن ظهر قلب كيف انحلّت تلك العقدة بأن شقّ الرب البحر الأحمر فعبر فيه الشعب بينما غرق فرعون ومركباته. ولكن قليلون ينتبهون إلى أن شق البحر الأحمر تم بواسطة أقنوم الروح القدس: «وبريح أنفك تراكمت المياه. انتصبت المياه الجارية كرابية. تجمدت اللجج في قلب البحر... نفخت بريحك فغطاهم البحر» (خر15: 10،8)، «ومد موسى يده على البحر فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل وجعل البحر يابسة وانشق الماء» (خر14: 21). بالمثل أيضًا لما واجهت موسى النبي عقدة توفير لحم لشعب بني إسرائيل في البرية وإلّا يرجمونه، تدخل الروح القدس الذي يحل العقد: «فخرجت ريح من قِبَل الرب، وساقت سلوى من البحر، وألقتها على المحلّة نحو مسيرة يوم من هنا ومسيرة يوم من هناك حوالي المحلة، ونحو ذراعين فوق وجه ألرض» (عد11: 31). إننا نعلم جيدًا أن ريح أنف الرب ما هي إلّا روحه القدوس، وأن السيد المسيح وصف الروح القدس بالريح التي تهبّ حيثما تشاء، وعندما حلّ الروح القدس على الرسل في يوم الخمسين صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة ملأ كل البيت.

ما أجمل أن يكون موضوع تأملنا هو عمل الروح القدس الذي يحلّ العُقد. ليتنا نتأمل في هذا العمل، ليس فقط في الكتاب المقدس، ولكن في تاريخ الكنيسة، بل وتاريخ البشرية جمعاء. فما أكثر العُقد التي تواجهنا في الحياة. والعقدة هي شيء أصعب بكثير من المشكلة، إنها مشكلة تتشابك أطرافها بشكل معقد لا يمكن حلّه. توجد عُقد تواجه الأفراد في حياتهم الشخصية والعملية، وتوجد عُقد تواجه البلدان ورؤساءها، وتوجد عُقد تواجه الكنيسة وقادتها. فلنفرح ولنتهلل إذًا لأن لنا مسحة من القدوس تذوب أمامها كل عقدة يأسنا كل اليأس من حلها!!




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx