اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4826 يونيو 2020 - 19 بؤونه 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 23-24

اخر عدد

روحانية الممارسات

نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفية

26 يونيو 2020 - 19 بؤونه 1736 ش

تتسم العبادة دائمًا بالعمل الروحي لأن العبادة تخص الروح ونموها في النعمة لقيادة الجسد، فطاقات الإنسان خمس وهي: الروح، والعقل، والعاطفة، والحواس، والجسد. والحياة مع الله تفيد كل طاقات الإنسان إذ تشترك كلها في العمل الروحي وتستفيد منه. ورغم تباين واختلاف هذه الطاقات عن بعضها البعض إلّا أنها تتكامل معًا لتعطي تناغُمًا في العمل والتأثير على الإنسان ككل، وتأخذ أعمال الإنسان أهميتها حسب منفعتها للإنسان ككل وليس كأجزاء.. فالروح هي سبب حياة الجسد، وحين تنفصل الروح عن الجسد يموت الجسد. ونحن نعرف أن الجسد من تراب، ونفخ الله فيه نسمة حياة فصار نفسًا حية. والنفس هي (العقل والعاطفة والحواس) ومنها يستمد الجسد إحساسه، ولكن تبقى الروح هي مصدر الحياة للجسد والنفس بكل مكوناتها، وهنا نرى أهمية العمل الروحي. من هذه المقدمة نرى أهمية الحياة الروحية مع الله في العبادة المتكاملة التي يشترك فيها الروح والنفس والجسد، لذلك نجد في الكنيسة أمورًا مُساعِدة للعبادة الروحية في الطقوس:

مثل البخور الذي يتصاعد من الشورية أثناء مرور الكاهن وسط الشعب في الكنيسة، وبارتفاع البخور إلى أعلى يفكّر العابد في ارتفاع الصلاة إلى أعلى، ويشمّ الأنف رائحة عطرة لأنه بخور عطر كما أوصى الله منذ القديم موسى النبي في (خر30: 34-35) «خذ لك أعطارًا.. تكون أجزاء متساوية فتصنعها بخورًا عطرًا صنعة العطار نقيًا مقدسًا».

وهذا البخور لا يُقدَّم إلّا للعبادة «والبخور الذي تصنعه.. يكون عندك مُقدسًا للرب، كل مَنْ يصنع مثله يُقطَع من شعبه» (خر30: 37-38). والعين تنظر البخور، والأنف يشتمّ رائحته العطرة، وتُرفع الصلاة إلى الله ومعها يرتفع القلب والفكر في تضرُّع وعباده مقبولة يشتمّها الله من النفس المؤمنة التائبة كرائحة عطرة.. وهنا نجد روحانية العبادة، فقد يرى البعض أن الصلاة كلمات، والألحان موسيقى، وطلب الرحمة في سجدات الجسد، وكلمات الفم من الفكر، ولكنها كلها تصبّ في صالح الروح للبنيان الروحي لخلاص النفس وأبدية الحياة. لذلك يهتم الإنسان بروحياته لأن الجسد سينتهي، ولكن الروح تبقى لا تموت، وستكون في مكان انتظار تمهيدًا للمكان الأبدي. من هنا يأتي اهتمام الإنسان بروحانية كل ممارساته حتى الجسدية، لذلك نبارك طعامنا قبل أن نأكله بالجسد ليحيا لكي تكون قيمة حياة الجسد في الاستفادة الروحية، لتستمد حياتنا الوقتية قيمتها بأن تكون لحساب الأبدية السعيدة في الملكوت السماوي، بمعنى أن الأعمال الزمنية تصير لحساب ما فوق الزمن أي الأبدية. وهنا تأتي وصية «عيشوا كما يحقّ لإنجيل المسيح» (في1: 27). والمعنى المقصود أن نعيش كما أراد الله لنا من وصيته المقدسة للوصول إلى حياة دائمة في ملكوته السماوي.

والخلاصة: إن الحياة في جوهرها مُستمدّة من الله وليست هي حياة الجسد المؤقتة على الأرض، ولكنها الحياة الدائمة بالروح والجسد هنا، ثم حياة الروح في الفردوس كانتظار للحياة الأبدية في الملكوت السماوي. وهنا نجد أن كل الممارسات إن لم تحقّق ذلك فهي لا تصيب الهدف.. لتكن نظرتنا لكل المناصب والأعمال والممارسات والعلاقات بنظرة روحية بأسرار سماوية لأهداف روحية لها البعد الأبدي السماوي، وإن كانت بالجسد أو النفس أو الروح.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx