اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4818 سبتمبر 2020 - 8 توت 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 35-36

اخر عدد

"حُراس النقاوة"

قداسة البابا تواضروس الثانى

18 سبتمبر 2020 - 8 توت 1737 ش

أعجبني هذا العنوان عندما طالعته على كتاب باللغة الإنجليزية، لمؤلفة تُدعى "جولي هيرامين"، وهي زوجه ناجحة وأم لخمس بنات، ومؤسسة فريق "أجيال الفضيلة" Generations of Virtue.

وتتكلم في كتابها عن التربية والتنشئة السليمة أمام طوفان الميديا، حيث تتعرض الأجيال الجديدة لحرب شرسة من عدو كل خير في كل بقعه على وجه الأرض، إذ تتسلّل بليونه وإصرار قيم الاباحيات بكل صورها المدمرة في العلاقات بين البشر.

إن التربية كما هي معروف تأتي من خمسة مصادر رئيسية هي: البيت (الأسرة) - المؤسسة التعليمية (المدرسة) – الكنيسة – الأصدقاء - الميديا. وهذا هو الترتيب الذي كان موجودًا فيما مضى، ولكن مع ضغوط الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والانتشار الواسع للميديا والتكنولوجيا الحديثة، انعكس ترتيب هذه المصادر، حيث تصدّرت الميديا المشهد، وتراجع دور الاسرة إلى المرتبة الخامسة!!

والإحصائيات تقول لنا الكثير عمّا يعانيه الصغار والفتيان والمراهقون والشباب ممّا يشاهدونه، سواء على التلفزيون والقنوات الفضائية، أو اجهزتهم الخاصة من الموبايل واللابتوب وغيرها.. وكيف أن الشيطان يحارب ويتربّص بهم في واقع أليم، خاصة مع غياب يقظة الأسرة أو المدرسة أو الكنيسة. ومن هنا وجب أن تهتم الأسرة بالمساحة التربوية واليقظة الروحية لأبنائها، قدر اهتمامها بالأمور العلمية أو الدراسية أو المواهب.. لأن سلوكيات النقاوة أهم.

تذهب الدراسات وتقول إن كل طفل في الفئه العمرية بين ٨-١٨ سنة، يقضي أكثر من خمسين ساعة لمشاهدة الميديا كل أسبوع، وهو ما يقابل تقريبًا الوقت الذي يقضيه البالغون فى أعمالهم اليومية كل أسبوع... إنهم -النشء- يقضون وقتهم أثناء تناول الطعام مع التلفزيون أو الموبايل، وحتى أثناء دراستهم أو زيارة الأقارب لهم... وهذا يعني أن هناك طوفانًا للميديا متواجد حول أبنائنا، فكيف نحميهم؟!. هذه هي مسئولية "حُرّاس النقاوة".

إن الشيطان -الكذّاب وأبو الكذاب- هو صاحب هذه الأكاذيب والسلبيات واسعة الانتشار على الميديا، والعقل الغير مؤسس على السيد المسيح وقوة روحه القدوس يتعرّض لهذا الاكتساح الشيطاني، وكأن الميديا تريد أن تزاحمنا في بيوتنا وبين أبنائنا، بل وتريد البقاء معنا والسيطرة علينا...

ومن هنا أريد أن أضع عدّة توجّهات لمواجهة الخطر:

١) أنت - لأب أو الأم- الحارس على أسرتك، ويجب أن تحدّد كمية الميديا التي تدخل بيتك. ولكن أولًا يجب أن نشبع أبناءنا من كلمة الله ومعرفة الحق، لأن الصغار بصفة عامة مثل الاسفنجة، يمتصون كل شيء في البيئة المحيطة. لذلك أكثر من فترات الاستماع والقراءة والقصص الكتابية للصغار، حتى تزرع فيهم مخافة الله.

٢) يجب تسليم أبنائنا مهارات التمييز والإفراز بين الجيد والرديء. فمثلًا في أفلام الكرتون للصغار، تأتي بعض المشاهد مثل معانقة الأمير الأميرة وهم غير متزوجين، وهذا لا يصحّ، فيكون من الأنسب أن يشرح الأب والأم خطأ ذلك التصرف، لأن كثيرًا من هذه القصص تبدو سعيدة ولكنها لا تعكس الحقيقة...

كذلك تكرار عرض نفس الحدث عدة مرات، حيث يظن الصغار أن الحدث يتكرر مرارًا إذ هم لا يدركون بعد التسلسل الزمني والمكاني، وهذا يصيبهم بمشاعر نفسيه هدامة.

نفس الأمر في الاعلانات التي تفيض كذبًا بسبب التلاعب في الصور وبالتالي تغيب الحقيقة... أو في الدعاية حيث يعرضون سيارة حديثة بجوارها امرأة جميلة، وبالطبع عندما تشتري السيارة، لن تأخذ أو تشتري المرأة معها، وهذا يعني استغلال الجنس (المرأة) في الدعاية للسلع الاستهلاكية؛ يجب أن نشرح ذلك لأبنائنا.

٣) لقد علّمنا السيد المسيح أن نبني الأساس على الصخر، والصخرة هي المسيح (مت7: 24-27؛ لو6: 48). كلمة الله هي الوصية التي يجب أن نقيم عليها تربية أبنائنا، وليس الثقافات الوهمية الزائفة. قرأت مرة أن فنانًا أقام عملًا فنيًا باستخدام الرمل وبعض المواد الأخرى، وقد استغرق منه ذلك أربعة أيام، ولكن بعد أن انتهى منه جاءت مجموعة من الفتيان وتسلقوا العمل الفني ثم هدموه في أقل من ٤ دقائق...! وهذا يعني أننا نقضي أوقاتًا طويلة في تنشئة أبنائنا وبناء شخصياتهم، ثم تأتي لحظات من معروضات الميديا وتهدم كل شيء؟!

إن الآباء والأمهات هم "الآلات" التي كرّسها الله لبناء جيل المستقبل. لذلك ابنِ على الصخر، وليس مثل الإنسان الغبي الذي بنى على الرمل (مت7: ٢٧-٤٢).

٤) إجادة التواصل الأسرى مع الأبناء، وهذا يحصّنهم من مخاطر السلوك المنحرف مثل تعاطي المخدرات والعلاقات الإباحية والسلوكيات الهدامة. لذلك استغل أي وقت تقوم فيه بقضاء الالتزامات المنزلية أو الكنيسة، واصطحب معك أحد أبنائك، واجعل الطريق (سيرًا على الأقدام أو بالسيارة) وسيلة حوار ونقاش معه بحكمة وصداقة. كذلك قضاء وقت يومي أو كل عدة أيام في صلاة وقراءة مشتركة للكتاب المقدس وسير القديسين والترانيم والألحان والمدائح، هو أيضًا وسيلة للتواصل الأسري، واعلم أن الله خلق الأسرة أولًا ثم الكنيسة، ولذا فالكنيسة تبدأ من البيت.

٥) ضع حدودًا سلوكية من الصغر وفي فترة المراهقة، لأنهم إن لم يسمعوا كلمة "لا" فلن يكون باستطاعتهم استخدام هذا اللفظ "لا" لعمل حواجز في المواقف التي يتعرضون لها.

إننا نحتاج إلى أن نبني مع أبنائنا طريق القداسة (إش35: ٨) مع التشجيع المستمر وبحكمة على طول الطريق، وحتى إن ظهرت حجارة أو عيوب الشخصية، نستمر بطول أناة وصبر ومحبة واحتمال.. فالطريق طويل وشاق ولكنه مفرح.

وثمة ملاحظة أخيرة يقرّرها الكتاب المقدس :

«سراج الجسد هو العين، إذا كانت عينك بسيطة (نقية وصافية)، فجسدك كله يكون نيرًا (مقدسًا). وإذا كانت عينك شريرة (مجروحة ومشوهة)، فجسدك كله يكون مظلمًا (فاسدًا). وإن كان النور الذي فيك (روح الحق المسيح) ظلامًا، فالظلام كم يكون» (مت6: ٢٢-٢٣).

فالميديا تعتمد على "العين" أولًا وأخيرًا، ونحن نعيش عصر الصور الملونة والمتحركة والمدهشة والمؤثرة.. ومن خلال العين والأذن يدخل ٨٨٪ من المعرفة بحلوها ومُرّها إلى عقل الإنسان وقلبه وكيانه. لذلك احرص على نقاوة عينيك ونقاوة أبنائك، فأنتم -الأب والأم، والخادم والخادمة- "حراس النقاوة" في حياة الصغار والفتيان والمراهقين من الجنسين.

كن حارسًا يقظًا للنقاوة التي بدونها لن يرى أحد الله (مت5: ٨).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx