اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4818 سبتمبر 2020 - 8 توت 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 35-36

اخر عدد

البُعد الخفي

نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفية

18 سبتمبر 2020 - 8 توت 1737 ش

المقصود بالبعد الخفي ماهو غير مرئي ويتوقف عليه كل ماهو مرئي، والأمثلة كثيرة في الحياة: فكل مبنى ضخم يضمّ كثير من الحجرات وينتفع بها عدد كبير من الناس، يعتمد على أساس غير مرئي. وكل شجرة ضخمة لها ساق كبير وأفرع كثيرة تحمل ثمارًا كبيرة وأوراقًا عددها كبير جدًا، تعتمد على جذور عميقة هي المنوط بها تغذية كل ما تحتوي عليه الشجرة الضخمة، والجذور غير مرئية. وأيضًا السفينة الضخمة التي تحمل على متنها عددًا كبيرًا من البشر وحجرات عديدة، تعتمد على قاع مغمور في الماء لا يراه أحد، ولكنه قوي جدًا ويحمل كل الوزن ويواجه الأمواج والصخور. كذلك الماكينة الضخمة التي تُصَنِّع موادًا وتُنتج منتجات نافعة، تعتمد على موتور مختفي عن الأعين. وكل المعادن الثمينة، سواء الذهب أو الفضة أو البلاتين أو... كلها مخفاة في أعماق الأرض. وكل اللمبات التي تضيء كل مكان، تعتمد على تيار كهربائي موجود في الأسلاك والكابلات ولا يراه أحد، بل مُخفى عن الأعين، وهو أساس كل طاقة كهربائية تضيء أو تمد بالطاقة للمواتير والسيارات وكثير من الماكينات الضخمة، ولكنها تحتاج إلى الطاقة غير المرئية.

هكذا في الحياة تعتمد على جهاد في المخدع غير مرئي، وأبحاث كتابية وإيمانية، والتي عبّر عنها بطرس الرسول في (1بط3: 4): «بل إنسان القلب الخفي في العديمة الفساد، زينة الروح الوديع الهادئ، الذي هو قدام الله كثير الثمن.« ونرى في كلمات السيد المسيح «الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يُخرج الصالحات، والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يُخرج الشرور» (مت12: 35)، وهنا نجد أن كنز القلب غير مرئي، ويعتمد عليه الصالحات أو الشرور حسب نوع القلب. ونرى في مثل العذراى الحكيمات والجاهلات أن الفرق بينهما هو الزيت المخفي في الأواني مع المصابيح التي توقَد بالزيت، وفي هذا إشارة إلى أهمية زيت النعمة المُختزَن في الأواني وليس المصباح المرئي. لذلك نصح السيد المسيح الكتبة والفريسيين وقال: «نقّوا أولًا داخل الكأس لكي يصير خارجها نقيًا»، وهذا معناه الحرص على تنقية القلب بالتوبة، وليس عمل أعمال صالحة مرئية من الناس بهدف المديح، وهذا معناه أن العمل الروحي الداخلي هو أساس كل عمل صالح خارجي، فالفضيلة هي عمل داخلي لأن «هوذا ملكوت الله داخلكم». والقديس بطرس يُوصي النساء قائلًا: «لا تكن زينتكن الزينة الخارجية من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب، بل إنسان القلب الخفي في العديمة الفساد، زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن» (1بط3:3).

وبهذا المفهوم نرى المحبة إنها ليست مجرد مظهر خارجي، ولكنها مشاعر قلبية نقية نقدمها في صورة أعمال باذلة ومُضحِّية، هدفها خلاص النفس والحياة الأبدية. وكذلك الاتضاع ليس مجرد مظهر أو عبارات جوفاء نرددها، ولكنه إحساس عميق بالضعف البشري وعدم الاستحقاق لأيّة كرامة أو فضيلة، ينشأ عنه الهروب من الكرامة الأرضية، رغبة في الكرامة والمجد الأبديين، وينتج عنه قبول للضيقات والآلام وأتعاب الجسد لأجل التنقية، وعدم التذمر في أي موقف ضاغط أو تجربة شديدة أو إهانة، كما احتمل الشهداء والقديسون هكذا ينبغي أن يسلك الإنسان الروحي ليكتسب مكانة روحية أمام الله والناس..




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx