اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4816 أكتوبر 2020 - 8 بابه 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 39-40

اخر عدد

الوصية التاسعة

قداسة البابا تواضروس الثانى

16 أكتوبر 2020 - 8 بابه 1737 ش

من أكثر الاجزاء الكتابية المشهورة في العهد القديم نص الوصايا العشر الموجودة في سفر الخروج الأصحاح العشرين، ومكرّرة في سفر التثنية الأصحاح الخامس، ومختصرة في إنجيل القديس متى البشير الأصحاح 22. وتنقسم هذه الوصايا إلى قسمين: الأول ما يخص علاقة الإنسان بالله (وهي 4 وصايا)، والثاني ما يخص علاقة الإنسان بالإنسان (وهي 6 وصايا). وتضع الوصايا إطار السلوك السليم للإنسان في حياته على الأرض، آخذين في الاعتبار أن الحرف يقتل ولكن الروح يُحيي (2كو3: 6)، وما قاله السيد المسيح له المجد: «ما جئت لأنقض بل لأكمل» (مت5: 7). ويوصي القديس مرقس الناسك تلاميذه باتباع الوصايا قائلًا: "يختفي الرب في وصاياه، ومن يطلبه يجده فيها".

وأشعر ونحن في هذا الزمان حيث التواصل التكنولوجي في أوسع درجاته، أننا بحاجة أن نفهم الوصية التاسعة جيدًا وهي التي تقول: «لا تشهد على قريبك شهادة زور» (خروج20: 16). القريب هو أيّ إنسان آخر –تعرفه أو لا تعرفه، ثم أن هذه الشهادة لا تخصّ القاضي أو المحكمة أو أي وسط آخر، إنما الشهادة هي ما تقوله في حق الآخر سرًا أو جهرًا، سواء بفمك أوكتاباتك أو خلال الوسائط الحديثة أو ما نسميه صفحات الـSocial Media. ويمكن اختصار هذه الوصية في عبارة "محبة الحقيقة".. والواقع أنه منذ دخول الخطية إلى العالم، صار العالم لا يحب الحقيقة، ولا يؤمن أن الحقيقة صالحة له. آدم وحواء صدّقوا أكذوبة الشيطان «لن تموتا، بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ» (تك3: 5). لقد شهد الشيطان زورًا على الله، على الحق نفسه، وصدق أبوانا الأوّلان تلك الاكذوبة!

ومنذ ذلك الحين صار الناس نوعين: النوع الأول يحب الحقيقة، ولا يكذب أو يشهد زورًا أبدًا. والنوع الثاني يميل إلى الابتعاد عن الحقيقة بصور عديدة، مثل عدم قول الصدق، أو المحاباة، أو المديح الزائد، أو قول أنصاف الحقائق، أو ترويج الإشاعات، أو الظن السيئ، أو التأويل الخاطئ، أو المبالغة، أو الرياء، أو اختراع الأكاذيب... الخ.

والشيطان الذي يعمل في هؤلاء الذين لا يحبون الحقيقة ولا يقولون الصدق إنما هو الكذاب أبو الكذاب (يوحنا8: 48)، إنه ينجب الكذب، وأطفاله هم الأكاذيب والإشاعات التي يلدها كل يوم.

والمدهش أن سفر الخروج يقدم لنا كيفية تطبيق هذه الوصية في الأصحاح (23: 1-9)، من خلال عدة خطوات:

1- لاَ تَقْبَلْ خَبَرًا كَاذِبًا.

2- لاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ الْمُنَافِقِ لِتَكُونَ شَاهِدَ ظُلْمٍ.

3- لاَ تَتْبَعِ الْكَثِيرِينَ إِلَى فِعْلِ الشَّرِّ.

4- لاَ تُجِبْ فِي دَعْوَى مَائِلًا وَرَاءَ الْكَثِيرِينَ لِلتَّحْرِيفِ.

5- لاَ تُحَابِ مَعَ الْمِسْكِينِ فِي دَعْوَاهُ.

6- لاَ تُحَرِّفْ حَقَّ فَقِيرِكَ فِي دَعْوَاهُ.

7- اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ الْكَذِبِ، وَلاَ تَقْتُلِ الْبَرِيءَ وَالْبَارَّ.

8- لاَ تَأْخُذْ رَشْوَةً، لأَنَّ الرَّشْوَةَ تُعْمِي الْمُبْصِرِينَ.

9-لاَ تُضَايِقِ الْغَرِيبَ...

إن محبة الحقيقة هي التي يجب أن تشكّل حياتنا، لأن المجتمع المسيحي يجب أن يكون مركزه الإيمان بأن الحقيقة هي الصالحة لنا، كما يعبّر بولس الرسول بقوله «صادقين في المحبة» (أف4: 15)، وكذلك بطرس الرسول يوصي المسيحيين أنهم يجب أن يطرحوا كل خبث وكل مكر والرياء والحسد والمذمه... (1بطرس2: 1–3).

معنى ذلك أننا يجب أن نطعّم كلامنا بالنعمة، ونمارس ما يسميه العالم "مجاملة"، حيث بكل حكمة نفترض أفضل ما لدى الآخرين، ونصدق كل شيء، ونرجو كل شيء (1كو13). فالإطراء حلو، والحلوى هدية لطيفة، ولكن يجب ألّا يعيش أحد على الحلويات فقط، فهذا فيه تدمير للصحة العامة؛ بمعنى أن نمارس المديح بمقدار لأن التوبيخ الظاهر خير من الحب المستتر (أمثال27: 5).

إن قاعدة السلوك في العهد الجديد هي «ليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا» (مت5: 37)، وكلام السيد المسيح كان يبدأ بعبارة «الحق اقول لكم...». وربما حادثة حنانيا وسفيرة في بدايات الكنيسة الأولى (أعمال الرسل5) تقدم لنا صورة واضحة على أن الكذب هو عودة إلى الطبيعة المُشوَّهة، بل أن الكذب ينطوي على كل الرذائل (رؤيا21: 8).. كما أن مشاهد "الشهود الزور" عديدة في الكتاب المقدس، مثلما حدث مع اسطفانوس الشماس الأول، وإيزابل الملكة الشريرة على الفقير نابوت اليزرعيلي، والشيخين ضد سوسنة العفيفةن .وما حدث في سيرة البابا أثناسيوس الرسولي وسيرة القديس مكاريوس الكبير، وغيرهم من القديسين... «لِذلِكَ اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ، وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ» (أف4: 25).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx