اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4816 أكتوبر 2020 - 8 بابه 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 39-40

اخر عدد

أنزل وأرى

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

16 أكتوبر 2020 - 8 بابه 1737 ش

لم تكن خطية سدوم وعمورة فقط الشذوذ ولكن أيضًا الاغتصاب الجنسي. الدليل على ذلك ما حدث مع لوط عند قدوم الملاكين إليه حيث قال الكتاب: «وقبلما اضطجعا أحاط بالبيت رجال المدينة رجال سدوم من الحدث إلى الشيخ. كل الشعب من أقصاها. فنادوا لوطًا وقالوا له: أين الرجلان اللذان دخلا إليك الليلة؟ أخرجهما إلينا لنعرفهما... فقالوا: ابعد إلى هناك. ثم قالوا: جاء هذا الإنسان ليتغرّب وهو يحكم حُكمًا. الآن نفعل بك شرًا أكثر منهما. فألحّوا على الرجل لوط جدًا وتقدموا ليكسروا الباب» (تك19: 4-9). من ثَمّ كثر صراخ سدوم وعمورة وعظمت خطيتهم جدًا (تك18: 20). أي صراخ إذًا يمكن أن يكون هذا الصراخ سوى صراخ المـُغتَصَبين، والمقهورين، والمـُذَلين!! فلما أراد الرب أن يصدر أمرًا بهلاك سدوم وعمورة بسبب تعاظم خطايا شعبهما والصراخ الصاعد إليه قال: «أنزل وأرى هل فعلوا بالتمام حسب صراخها الآتي إليّ. وإلّا فأعلم» (تك18: 21).

والعجب كل العجب في فعل الرب هذا!! هل الإله فاحص القلوب والكلى، الذي عيناه تخترقان أستار الظلام، الذي لا يخفى عنه أمر ما، يحتاج لأن ينزل بنفسه ليرى ويتحقق من الأمر؟!! ألم تكن بنفسك شاهدًا على حوادث اغتصاب أطفال المدينة؟! ألم ترى كيف صار أولئك الأطفال هم أنفسهم مُغتَصِبين لآخرين عندما صاروا أحداثًا حتى قيل إنه «من الحدث إلى الكبير، كل الشعب من أقصاها» اجتمعوا ليضطجعوا مع الرجلين اللذين دخلا إلى لوط؟! والأكثر عجبًا أن عبارة «وإلّا فأعلم» تعني أنه قبل أن ينزل كان واضعًا احتمالًا أنه بعد أن يفحص الأمر بنفسه أن يجد شيئًا مغايرًا لما صعد إليه وفي تلك الحالة فإنه "يعلم"!!

توجد في الكتاب المقدس ثلاث حوادث مشابة لتلك الحادثة. الأولى عندما ثقلت عبودية فرعون ملك مصر على شعب بني إسرائيل فصعد صراخهم إلى الرب فلم يكتفي بأن يسمع أنينهم بل «نظر الله بني إسرائيل وعلم الله» (خر2: 25).

الحادثة الثانية عندما رجم الشعب زكريا ابن يهوياداع الكاهن بأمر يوآش الملك في دار بيت الرب حيث قيل إنه «عند موته قال: الرب ينظر ويطالب» (2أخ24: 22). ما هذا القول يا زكريا الكاهن؟! هل يحتاج الرب أن ينظر قبل أن يقضي ويُطالب؟ ماذا أبشع من أن تُقتَل غدرًا في بيته؟! ألم يرَ الرب بعينيه ويشهد على كل تفاصيل قتلك؟!

الحادثة الثالثة نجدها في رسالة يهوذا حيث قيل: «وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجًا عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال: لينتهرك الرب» (يه9). ومن هو ميخائيل؟ إنه رئيس جند ملك الملوك!! لماذا لم يجسر أن يحكم على إبليس بينما حدثت واقعة المحاجاة عن جسد موسى معه شخصيًا؟! ماذا يحتاج أيضًا من أدلة لكي يحكم؟! وماذا يمنعه عن أن يقضي؟ الإجابة ببساطة كما وضحها يهوذا الرسول أنه «لم يجسر أن يورد حكم افتراء»!! إن كان الله نفسه العليم لم يجسر أن يورد حكم افتراء على سدوم وعمورة بل نزل بنفسه ليرى، ألا يكون من الطبيعي أن يتشبه به رئيس جنده فاعلًا نفس الأمر؟!!

ولكن ماذا عنا ونحن أبناؤه المُطالَبون بأن نكون مشابهين لصورة ابنه؟!! إننا مع الأسف نتسرع في إصدار الأحكام على الآخرين معتبرين أنفسنا قضاة العدل المنصفين المظلومين!! وبينما نندفع بكل صلف وغرور في ذلك لا ننتبه لأحكام الافتراء التي تصدر منا متصورين أننا وحدنا نملك الحق كل الحق، ونعرف كل المعرفة!! أين نحن من بر الله الذي ينزل ويرى؟! أين نحن من اتضاع رئيس جند رب الصباؤوت وتعففه عن الافتراء؟! مع الأسف أخشى أن ينطبق علينا قول الرسول: «ولكن هؤلاء يفترون على ما لا يعلمون» (يه10)!! ليرحمنا الرب ويتوّبنا جميعًا فنتوب!!




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx