اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون10 مارس 2017 - 01 برمهات 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 9-10

اخر عدد

سيناء والأمل

قداسة البابا تواضروس الثانى

10 مارس 2017 - 01 برمهات 1733 ش

سيناء أرض الفيروز جزء غالٍ من الوطن مصر، ولها خصائص طبيعية وجغرافية، بالإضافة إلى التاريخ الحافل على أرضها.

ونحن خلال هذا العام نتذكر مرور خمسين عامًا على حرب يونيو 1967 (حرب النكسة) والتي فيه اُحتُلَّت سيناء وكل مدنها ومناطقها، إلى أن استطاع الجندي المصري الباسل أن يحرّرها في حرب 1973، واُستُكمِل تحريرها بالجهود الدبلوماسية والتي انتهت بعودتها كاملة إلى أحضان الوطن بعد ذلك بعدة سنوات.

وعاشت سيناء بعد عودتها في شبه عزلة عن الوطن، ولم تكن جهود التنمية بالقدر الكافي بتاريخها وأهميتها، وبدأ يتوافد عليها بعض المصريين بالإضافة إلى القبائل المصرية الموجودة على أرضها، ونشأت محافظتان شمالًا وجنوبًا. وعندما احتاج الأقباط فيها إلى الرعاية الكنسية، أقام المتنيح البابا شنوده الثالث أسقفًا جليلًا هو المتنيح الأنبا مكاري لرعاية أقباط سيناء وذلك عام 1996م، وقد بذل مجهودًا كبيرًا وخدم خدمة طيبة، ولكن عام 2000م لقي حتفه في حادث سيارة، وتمت الصلاة عليه في مدينة العريش، وقام بها المتنيح البابا شنوده الثالث، وكنت أحد الأساقفة الذين شاركوا في الجناز.

ولكن نظرًا لاتساع سيناء، وتزايد عدد الأقباط الذين يساهمون مع إخوتهم المصريين في جهود التعمير والتنمية، صار فيها إيبارشيتان: نيافة الأنبا أبوللو لجنوب سيناء، ونيافة الأنبا قزمان لشمال سيناء.

واستقر الحال هناك مع التنمية والسياحة والتعمير، إلى أن دخلت مصر ثورتي 2011 ثم 2013، حيث تعرّض الوطن لعدم استقرار على كافة الأصعدة، وأُهمِلت سيناء وتعرّضت لأهل الشر والعنف، وصارت محلًّا لعشرات أو مئات من الجماعات الإرهابية، وتمادى العنف الشديد الذي طال جنودنا البواسل في القوات المسلحة المصرية وفي الشرطة الوطنية وبعض رموز المجتمع. كما سقط اثنان من الآباء الكهنة ضحايا لهذا العنف غير المبرَّر، مع عدد ليس بقليل من المصريين مسلمين ومسيحيين بسبب الهجمات الإرهابية الخسيسة، وأُصيب العشرات من جرّاء هذا الشر.

ورغم كل هذا كان صمود الأبطال في الجيش والشرطة وأبناء القبائل والمواطنين نموذجًا رفيعًا في كيفية الحفاظ على الوطن وتأمين المصريين. ومازالت هذه الحرب مستمرة...

أمّا العريش -عاصمة سيناء الشمالية- فهي أقدم المدن، وعندما جاءت العائلة المقدسة إلى مصر في أوائل القرن الأول الميلادي مرّت عليها، حيث سارت من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرائيق (الفلوسيات) غرب العريش بـ27 كم، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهة الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد.

ومؤخرًا بدأ ضغط جماعات العنف كأحد صور الإجرام ضد وجود الأقباط، ليس لكونهم مصريين فقط، ولكن لكونهم مسيحيين أيضًا. وصار الوضع متأزِّمًا بشكل خطير، جعلهم تحت الخطر والاعتداء على حياة البعض، مما جعلهم يتركون أماكنهم ومنازلهم وأعمالهم هربًا من العنف الذي لم تعتده بلادنا، وغادر المدينة وضواحيها العشرات من الأسر ومعظمهم من الأقباط، ووصلوا إلى المحافظات المجاورة في الإسماعيلية وبورسعيد، وبعض محافظات مصر الأخرى، ومكتوب في الإنجيل «طوبَى للمَطرودينَ مِنْ أجلِ البِرِّ (الإيمان)، لأنَّ لهُمْ ملكوتَ السماواتِ. طوبَى لكُمْ إذا عَيَّروكُمْ وطَرَدوكُمْ وقالوا علَيكُمْ كُلَّ كلِمَةٍ شِرّيرَةٍ، مِنْ أجلي، كاذِبينَ. اِفرَحوا وتَهَلَّلوا، لأنَّ أجرَكُمْ عظيمٌ في السماواتِ» (متي5: 10-12).

لقد قامت الدولة بتوجيهات السيد الرئيس والحكومة والوزراء المعنيين، بمتابعة الأزمة وتوفير ما يلزم لتخفيف آثارها وآلامها، من إعداد مساكن وأماكن إقامة، ومدارس وكليات، وأعمال، وغيرها.

وكذلك شاركت الكنيسة وجهات عديدة  في احتواء هذه الأزمة الطارئة، والتي نرجو أن تنتهي سريعًا بفضل ما نقرأه في الأخبار الواردة عن اقتحام أوكار الإرهابيين في الجبال والمغائر والمناطق الوعرة، لتجنيب الوطن شرورهم وما يسبِّبونه من رعب وهلع لدى الآمنين في أي مكان...

وجدير بالذكر أنه في عام 1967 وعندما وقعت الحرب، تم تهجير الآلاف من الأسر من سيناء ومحافظات القناة إلى داخل مصر، تقريبًا في كل المحافظات... وبعد حرب أكتوبر 1973، بدأت عودتهم إلى مدنهم وقراهم رويدًا رويدًا، وتعمّرت بهم كل هذه المناطق.

أمّا ما نحن بصدده حاليًا فهو "أزمة خطيرة"، تقف الدولة ممثّلة بكل أجهزتها في التصدي لها والتخفيف من آثارها، إلى أن يتم تطهير البلاد من هذا الإرهاب الذي طال الجميع، وهو ضد المصريين بقصد كسر وحدتهم ومحبتهم وعملهم من أجل المستقبل.

وإذ نعزي في أبناء الوطن، فإننا نصلي من أجل المُضارين والذين تعرّضوا لهذه المتاعب والضيقات، ونثق في المسيح الذي يحرس بلادنا، وقد جاءها لاجئًا في بداية القرن الأول الميلادي ووجد فيه ملاذًا آمنًا.. ونثق في قدرة المصريين على تحدي الصعاب وتحقيق الأهداف التي نصبو إليها، ونسعى جميعًا إلى بناء مصرنا العزيزة، وسعادة وأمان كل المصريين والشعوب المحبة للسلام.

«في العالَمِ سيكونُ لكُمْ ضيقٌ، ولكن ثِقوا: أنا قد غَلَبتُ العالَمَ» (يوحنا16: 33).


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx