اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4813 نوفمبر 2020 - 4 هاتور 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 43-44

اخر عدد

البابا تواضروس الثاني مدرسة للوطنية

دكتور رسمي عبد الملك

13 نوفمبر 2020 - 4 هاتور 1737 ش

عبارة خالدة سمعها العالم كله ليلة عيد الميلاد، ذكرها عند حضوره -كما عودنا منذ توليه رئاسة مصر بعد أن أنقذها من الدمار- الرئيس عبد الفتاح السيسي. قال في كلمته لنا موجِّهًا كلامه لقداسة: "لن ينسى التاريخ مقولتكم الوطنية الرائعة ياقداسة البابا: وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن".

وهذه شهادة حق، فجميع المصريين يشهدون بمواقف قداسته الإيجابية لتعزيز الانتماء الوطني، وإعلاء شأنه داخل مصر وخارجها عند زياراته الرعوية في جميع أنحاء العالم، يحمل مصر في قلبه وعقله ووجدان. فيقول على سبيل المثال: "مصر وطن ليس له مثيل في العالم، وبالتالي لا يضارعه أي وطن في العالم، وإن كانت مصر تتعرّض في بعض الأوقات لبعض الضعف، فأوقات كثيرة في تاريخها أوقات قوة وأوقات سلام وأوقات محبة.. إننا نعتزّ بأرض مصر وترابها، فلقد عاش وسار على أرضها المقدسة السيد المسيح، كما يعيش كل المصريين معًا كأسرة واحدة حول نهر النيل، تجمعهم المحبة في نسيج نادر بل لا يوجد مثيله في جميع أنحاء العالم.. أنا مصري قبل كل شيء، وأدافع عن مصر بلدنا، هذا هو المبدأ العام".

ومن هذه النزعة الفطرية لدى قداسته، نلمس كيف أصبح مدرسة للوطنية الحقة بلا رياء:

حدّد رؤيته عن الأديان والأوطان:

"الدين اعتبار شخصي للإنسان، سيحمله معه بعد حياته، ويقف به أمام الله فقط، لكن وجودنا في مجتمع، وجودنا في بلد، اسمه وطن، نحمله جميعًا، لذلك يجب أن يكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات، فقبل أن أكون مسلمًا أو مسيحيًا أو يهوديًا أو أي دين آخر، أنا إنسان، وُلِدت على أرض مصر، فأنا مصري، وهذا هو العامل المشترك الذي يجمعنا كلنا" (جريدة الأهرام ٤/٧/٢٠١٧).

يشهد له الجميع، بأنه يسعى بكل قدرته على:

+ الحفاظ على الوحدة الوطنية، وأطلق عليها المحبة الوطنية.

+ الحراسة الأمينة الصادقة على هذه الوحدة، رغم كل التحديات.

+ الدعوة الصادقة للانتماء للوطن الأم الذي يعشقه.

+ إعلاء مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وتقديم المحبة دائمًا من أجل سلامة مصر وشعبها.

+ زرع بذور الخير والأمل والرجاء والحب، يؤدي رسالته الروحية والاجتماعية والوطنية كأروع ما يكون الأداء في حكمة، وكأنه استحضر تاريخ الحضارة المصرية العريقة، وكأننا نقول عنه كما قيل عن موسى أنه: «تهذّب بكل حكمة المصريين»، حقا تشعر بأنك أمام شخصية في غاية الذكاء، صاحب قلب كبير، هادئ، متزن، بسيط، عالم، معلم، حارس على عقيدته الأرثوذكسية عن إيمان، لا حدّ لغيرته المقدسة على الكنيسة التي دعاه الله لرئاستها.

إنه البابا العاشق لوطنه، والباحث الإيحابي عن خلاص كل إنسان، عرف الجميع عنه أنه رجل مواقف حكيم، وظهر ذلك بكفاءة عالية ووطنية صادقة مع كل الأحداث الداخلية، وكيف أثبت للعالم كله أسلوب مواجهة هذه الأحداث الداخلية لمنع أي شيء يسبّب الاحتقان الطائفي بين المصريين.

ترى في قداسته روح الجدية، والقدرة على تحمل المسئولية، والتأني في العمل، وكفاءة عالية في فن الإدارة بالحب، وهندسة الأداء، وقدرته على التشخيص المبكر للمخاطر، ووضع برامج للتحديث والتطوير.

مشاهده التاريخية التي برزت عقب جلوسه بطريركًا للكنيسة، في صورة لن ينساها العالم، وبجواره فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وكلاهما خلف المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع وقتئذ، لإنقاذ مصر في ٣٠/٦/٢٠١٣.

وبنفس الحكمة عندما أحرقت يد الغدر أكثر من ٧٠ كنيسة في يوم واحد، كمخطط يهدف الى إشعال الصراع الطائفي، لا ننسى قول قداسته: "إن حرقوا الكنائس كلها، فسوف نصلي إلى جانب إخوتنا المسلمين في الجوامع، وإذا هُدِمت كل المساجد سنصلي نحن وإخوتنا المسلمين في الشوارع، من أجل مصر ومستقبلها".

ويتوّج هذا إصراره الجاد مع فضيلة الأمام الاكبر على دعم بيت العائلة المصرية للحفاظ على النسيج الوطني، والعمل معًا في المساحة المشتركة بين الأديان، وبثّ القيم الروحية المشتركة بين أبناء مصر من خلال فرق أصدقاء بيت العائلة المصرية، بعد أن وافقت وزارة التربية والتعليم على تكوينها في جميع مدارس مصر بمرحلة التعليم قبل الجامعي (من الحضانة إلى الثانوية العامة)، وعضويتها بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

حقًا.. قداسته مدرسة تربوية روحية وطنية، وهذا ليس بغريب على تاريخ كنيستننا القبطية الأرثوذكسية. ومشاعر الإكبار والحب والإعجاب والفخر لكل كلمات قداسته، وسحر لغته وإيقاعها المميز بالدبلوماسية الفائقة في انتقاء مفردات الألفاظ بالدقة والتناغم والحكمة، مما يجعلك مشدودًا ومتأثرًا لما يقول، وعلى سبيل المثال فما زلت متأثرًا بقوله: "انا معتمد على نعمة الله، ومحبة كل الآباء والأراخنة، وكل الشعب القبطي، وعلى قدر ما يعطيني الله من جهد، سأبذل ما في وسعي لخدمة كل فرد، صلوا من أجلي، ومن أجل هذه المكانة التي سمح بها الرب عن غير استحقاق لهذه المسئولية الثقيلة، لن ينجح فيها أحد إلّا من خلال روح الصلاة".

أمّا نحن -أبناءكم في أنحاء الكرازة- نرجو من الله أن يهبكم كل سند وحكمة، «فلا أحد يأخذ هذه الكرامة بنفسه، بل المدعو من الله، كما هارون أيضًا» (عب٥: ٤)، ورعايتكم تشملنا سيدنا الحبيب رمز الأبوة الصادقة، وإلى منتهى الأعوام...




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx