اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4915 يناير 2021 - 7 طوبه 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 1-2

اخر عدد

قراءة التاريخ ودراسته (1)

القس باسيليوس صبحى

15 يناير 2021 - 7 طوبه 1737 ش

المقدمة:

قد يتصور البعض أن من يقرأ التاريخ بطريقة سطحية، قد حوى التاريخ في صدره. وأن الكتابة التاريخية ما هي إلّا تجميع كل ما نعرفه عن موضوع مُعين في صورة سردية، سواء كرونولوجية أو بطولية ملحمية. وهو بذلك لم ينتبه للحقيقة الواقعة، أن كل عمل تاريخي ما هو إلّا رواية شخص (مؤرخ) لحدثٍ ما، تبنّى فيها وجهة نظر معينة يقدمها كطرح يعالج به ذلك المبحث، فيتأثر بها القارئ سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولا يعني هذا بالضرورة دقة هذا الطرح وخلوه من التأثير الشخصي للمؤرخ خصوصًا إذا ما واجهنا التحدي التقليدي، أي قلة المصادر.

ولكن العلوم بصفه عامة، والنظرية منها بالذات، عرفت طريقها للحداثة والتطور خلال القرن الماضي بصورة مذهلة. وكان لعلم التاريخ نصيب لا يُستهان به في هذا المضمار.

فبعد هزيمة الإمبراطورية الفرنسية على يد الجيوش الألمانية سنة 1870م، ظهرت ثورة منهجية في كتابة التاريخ تميزت بظهور الواقعية المتأثرة بالمنهجيات الألمانية. رافق ذلك العديد من التحولات العميقة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والفكري، في أوروبا. فبدأ التفكير التاريخي يتلمّس أولى خطواته في سبيل تطوير الكتابة التاريخية، وذلك عبر البحث عن أمثلة جديدة لمفهوم التاريخ، تجعل منه أكثر شمولية واتساعًا، بعدما ظل لعقود طويلة حبيس رؤية سطحية ساذجة، تختزل تاريخ الأمم والشعوب في ذكر أخبار الأباطرة والملوك، وتمجيد البطولات الفردية، وتصبغ الحدث التاريخي بصبغة سحرية، قد تنفي العقل أحيانًا، وتفتح الباب لسرد مبسط غالبًا ما أخذ شكلًا كرونولوجيًا، تلفّه السذاجة والخرافة والأسطورية.

وعليه فقد بدأت مناهج البحث التاريخي، تتطور وتتقدم لتنتقل بالتاريخ إلى مستويات أشمل وأكثر علمية، مما جعل المعرفة التاريخية عمومًا موضوعًا ومنهجًا تنتقل من معرفة حدثية سردية إلى معرفة إشكالية مفاهيمية تجعل المؤرخ يفرز ويصنف، يحتفظ بأمور ويهمل أخرى، يبني ويميز عن طريق التحليل، ويعيد الجمع عن طريق التركيب.

وقد دُشنت هذه المرحلة العلمية بتأسيس "المجلة الألمانية" سنة 1876م، التي تُوِّجت بإصدار كتاب Langlois لانجلواس و Seingnobos سينيوبوس "المدخل للدراسات التاريخية".

ومن ثَمّ ظهرت مجموعة من المؤرخين أُطلِق عليهم "الحوليون الجدد"، وهم نوع من المؤرخين يختلف عن "الحوليين القدامى" الذين ينتمون إلى العصور الوسطى.

ومن بين أشهر من أطلق عليه النقاد لقب الحوليين الجُدد في مصر كان ميخائيل بك شاروبيم (1853-1918م)، الذي يُعد أحد أعمدة المؤرخين المصريين في القرن التاسع عشر وواضع كتاب "الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث" الذي قام على تأليفه في فترة خلافه مع رياض باشا رئيس الوزراء، والتى بسببها اعتزل العمل الحكومي، بين عامي 1888 و1890م، وهو الكتاب الذي صدر في أربعة أجزاء، بالإضافة إلى جزء خامس لم يُنشر حتى الآن.

هذا غير كتاب أخر مهم تركه في صورة مخطوط، بعنوان "الرقيب - أو حوادث مصر الأخيرة". نشره أ.د. يونان لبيب رزق سنة 1992م، وقدم له حفيد ميخائيل بك أي أ.د. بطرس بطرس غالي (الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة)، حيث أن ميخائيل بك شاروبيم هو والد السيدة صفية والدة أ.د. بطرس بطرس غالي. ويتناول هذا المخطوط الفترة بين خلع الخديوي إسماعيل (1879) وأوائل عام 1882 مع اشتعال الثورة العرابية، وهي فترة بالغة الأهمية في التاريخ المصري الحديث.

وعن قيمة كتاب "الرقيب..." التاريخية، قال: أ.د. يونان لبيب رزق في مقدمته: "إنه أول الأعمال التي تقدم رؤية مصرية عن تلك الفترة المفصلية في التاريخ المصري الحديث، بين سقوط الخديوى إسماعيل والاحتلال البريطاني للبلاد. ويمكن من خلال دراسة متعمّقة للمخطوط أن نلاحظ أن هذه الرؤية قد تأثرت باعتبارات الميول الوطنية، جنبًا إلى جنب مع التشكيل الثقافي للرجل ووضعيته الاجتماعية والوظيفية ورؤياه التاريخية، ثم أخيرًا ميوله الشخصية".

ثم ظهر علم التاريخ الاجتماعي للشعوب كأحدث ميادين البحث في التاريخ عمرًا، إذ بدأ الاهتمام به في الغرب منذ العشرينات من القرن الماضي، واستقرت مناهجه مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وتشعبت مناحي الدراسة فيه باختلاف المدارس الفكرية ذات الاهتمام بالتاريخ الاجتماعي، مثل: "علم السكان التاريخي"، "تاريخ العمل"، "التاريخ الحضري" و"التاريخ الريفي" وهلم جرا...

وتأخر اهتمام المؤرخين المصريين بالتاريخ الاجتماعي حتى بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، وما لبثوا أن اهتموا به في الستينات اهتمامًا خاصًا، تمثل في عدد من الأطروحات الجامعية والكتب التى وضعت التاريخ الاجتماعي على خريطة البحث التاريخي في مصر والعالم العربي.

وكان من الرواد الأوائل في هذا المضمار الراحل أ.د. رءوف عباس حامد أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة، الذي وجه الكثير من تلاميذه إلى ارتياد هذا الحقل من الدراسات التاريخية. كذلك قدمت أ.د. نللي بولس حنا الأستاذة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، العديد من الدراسات الجادة في هذا المجال سواء بالإنجليزية أو بالعربية. وعلى دربهما سار أ.د. مجدي إبراهيم جرجس، الأستاذ بالجامعة الأمريكية أيضًا وكلية الآداب جامعة كفر الشيخ، والمتخصص في تاريخ العصر العثماني.

وكمحاولة متواضعة مني، أضع هذه الدراسة المبسطة بين يديك أيها القارئ العزيز راجيًا أن تجد فيها شيئًا مُفيدًا. خصوصًا وقد خلط البعض بين علم التاريخ History وبين علم سير القديسين Haigraphy. فاعتبر البعض أن مجرد سرد سير القديسين هذا هو التاريخ، أو حفظ أكبر عدد ممكن من المعلومات التاريخية هذا هو التاريخ. ولكن الواقع أن هذه الفكرة أو تلك لا تمت لعلم التاريخ بصلة.

فعلم التاريخ هو وصف وتسجيل وتحليل الحدث الذي وقع في الماضي بالاعتماد على أسس علمية من أجل الوصول إلى قواعد وحقائق تساهم في فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل. فهو عمل ودراسة تستند على حقيقة من الماضي ودارسة ظروفها التاريخية وتفسيرها. أما التأريخ فهو يُعرَف بأنه عبارة عن أسلوب وطريقة لكتابة التاريخ.

يتبع




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx