اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون10 مارس 2017 - 01 برمهات 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 9-10

اخر عدد

لو لم تكن قد أُعطيتَ من فوق

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

10 مارس 2017 - 01 برمهات 1733 ش

ونحن نحتفل بعيد الصليب نتذكر صمت السيد المسيح أمام بيلاطس مما جعله يحذره قائلًا: «أما تُكلِّمُني؟ ألَستَ تعلَمُ أنَّ لي سُلطانًا أنْ أصلِبَكَ وسُلطانًا أنْ أُطلِقَكَ؟. أجابَ يَسوعُ: لَمْ يَكُنْ لكَ علَيَّ سُلطانٌ البَتَّةَ، لو لَمْ تكُنْ قد أُعطيتَ مِنْ فوقُ. لذلكَ الّذي أسلَمَني إلَيكَ لهُ خَطيَّةٌ أعظَمُ» (يو19: 10-11).

في أحيان كثيرة يظن المرء الواقع تحت الآلام أن الآخرين هم الذين وضعوا الصليب على كتفيه، وبالتالي يشعر بالضيق والضجر من نحوهم متصوِّرًا أنهم المتسببون في معاناته. ولكن السيد المسيح الذي نقتفي آثاره علَّمنا في وقت صلبه أن صاحب القرار الوحيد في تسليمنا للصلب هو الله ذاته، وأن البشر المُعتدين، الظالمين، القاتلين، ليسوا إلا أداة لتنفيذ مشيئة الله في حياتنا. هذا بعينه ما أكده عاموس النبي حين قال: «هل تحدُثُ بَليَّةٌ في مدينةٍ والرَّبُّ لَمْ يَصنَعها؟» (عا3: 6)، وإرميا النبي في مراثيه بقوله: «مَنْ ذا الّذي يقولُ فيكونَ والرَّبُّ لَمْ يأمُر؟» (مراثي3: 37).

وبينما يتعرض الأقباط اليوم للقتل، والتنكيل، والتهجير القسري، يقف البعض مشمئزّين من قساوة المعتدين وتجبُّرهم، ورخاوة المسئولين وتقاعُسهم، مهاجمين إيّاهم بكل أسلحة الكلام سواء في حوارات فعلية، أو في دردشة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو في مقالات مكتوبة. وهم بينما يفعلون ذلك لا يدرون أن الغضب والبغضة من نحو صالبيهم يتسلّلان خفية إلى قلوبهم وإن كانوا يتشدّقون بشعارات الحب والتسامح. أمّا المنقاد بالروح الذي يعي سر الصليب، فبمجرد أن يقع تحت ظلّه فإن سرعان ما: «يَجلِسُ وحدَهُ ويَسكُتُ، لأنَّهُ قد وضَعَهُ علَيهِ» (مراثي3: 28)، فهو يدرك تمامًا أن: «الرَّبَّ قالَ لهُ: سُبَّ داوُدَ» (2صم16: 10).

ربما يكون السبب الحقيقي في تكرار تلك الحوادث الأليمة هو فشلنا في تعلُّم الدرس الروحي المطلوب منّا تعلُّمه، ورسوبنا في امتحان السماء لنا. بالتالي، إن أردنا وقف تلك الأحداث ينبغي علينا أن نكف عن استنزاف طاقتنا في ساحة معركة خاطئة، إذ أننا نحارب على الجانب الخاطىء من الجبهة!! هذا بعينه ما قصده دانيال حين قال: «قد جاءَ علَينا كُلُّ هذا الشَّرِّ، ولَمْ نَتَضَرَّعْ إلَى وجهِ الرَّبِّ إلهِنا لنَرجِعَ مِنْ آثامِنا ونَفطِنَ بحَقِّكَ» (دانيال9: 13).

بالطبع لا أقصد بذلك أن نكون سلبيين متخاذلين عن استعمال القنوات الشرعية المتاحة لنا للدفاع عن أنفسنا، فبولس الرسول نفسه رفع دعواه إلى قيصر. لكن ما أقصده هو أنه لابد أن يسير ذلك بالتوازي مع مصارعة حقيقية مع الله طالما أنه هو وحده الذي أَمَرَ فكان. إنها مصارعة ليست كمصارعة أيوب التي تحمل تذمُّرًا عليه واتهامًا له بالظلم، لكنها بالحري مصارعة التائب الكسير القلب الصارخ إليه كدانيال: «أمِلْ أُذُنَكَ يا إلهي واسمَعْ. اِفتَحْ عَينَيكَ وانظُرْ خِرَبَنا والمدينةَ الّتي دُعيَ اسمُكَ علَيها، لأنَّهُ لا لأجلِ برِّنا نَطرَحُ تضَرُّعاتِنا أمامَ وجهِكَ، بل لأجلِ مَراحِمِكَ العظيمَةِ. يا سيِّدُ اسمَعْ. يا سيِّدُ اغفِرْ. يا سيِّدُ أصغِ واصنَعْ» (دانيال9: 18-19).


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx