اسم المستخدم

 

كلمة المرور

 

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4929 يناير 2021 - 21 طوبه 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 3-4

اخر عدد

أول زواج مسيحي

قداسة البابا تواضروس الثانى

29 يناير 2021 - 21 طوبه 1737 ش

تُعتبر معجزة عُرس قانا الجليل بكر المعجزات التي صنعها السيد المسيح مع بداية الخدمة الجهارية. ونحتفل كنسيًا بهذه المعجزة كأحد الأعياد السيدية الصغرى وذلك يوم 13 طوبه / 21 يناير من كل عام، وذلك ضمن مجموعة أعياد الميلاد السبعة وهي: البشارة – الميلاد – الختان – الغطاس – عرس قانا الجليل – دخول الهيكل – دخول مصر، وذلك حسب الترتيب الكنسي والاحتفال بها.

ويتوقف الإنسان أمام هذه المعجزة الأولى ويتساءل: لماذا جعلها المسيح أولى خدمته وأولى عجائبه وأولى أعماله المُدهشة؟ ولماذا لم يبدأ مثلاً بمعجزات الشفاء أو إقامة الموتى أو معجزات الطبيعة أو طرد الشياطين؟!!

وليس هناك إلّا إجابة واحدة عن كل هذه الأسئلة وهي "الفرح" الذي أراده السيد المسيح أن يكون الخطوة الأولى في مشوار العهد الجديد. إنه -أي العهد- صار جديدًا بكونه "فرحًا"، وكما أنشدت الملائكة وقت الميلاد أنشودة التمجيد والسلام والفرح كمكوِّنات الحياة الجديدة: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة» (لوقا 2: 14). هكذا جعل أولى خطواته في الخدمة أن تكون "خطوة فرح ومسرة". وكما هو معلوم كانت احتفالات الزواج -وما زالت- أهم مناسبة اجتماعية في حياة أي أسرة، حتى أننا نقول "عندنا فرح" أي إكليل وزواج وعريس وعروس ومدعوين وابتهاج وأنوار وهدايا... الخ. هكذا كانت معجزة عُرس قانا الجليل وحضور المسيح رمزًا لأهم حدث في حياة الأسرة العالمية وهو تجسُّد المسيح وميلاده وحضوره وخدمته وخلاصه. ورغم أن هذه المعجزة مشمولة بالفرح في كل تفاصيلها، إلّا أننا نستطيع أن نتوقف أمام خمسة مشاهد أساسية للفرح فيها:

المشهد الأول: فرح حضور المسيح: كانت القديسة مريم العذراء متواجدة في العُرس باعتبارها من أسرة العروسين، أمّا السيد المسيح فقد دُعي «وفي اليوم الثالث كان عُرس في قانا الجليل، وكانت أم يسوع هناك. ودُعِي أيضًا يسوع وتلاميذه إلى العُرس» (يو2: 1 و2). وحسب سياق المعجزة كان حضور المسيح مثل حضور كافة المدعوين من باب المجاملة والمشاركة، ولم يكن أحد يعلم أن حضور المسيح سيكون سببًا في رفع الحرج عن أهل العريس عندما فرغت الخمر التي هي مشروب الضيافة والترحيب والشكر كعادة الأفراح في تلك الأزمنة، وكأن حضور المسيح أضفى فرحًا سماويًا على الفرح الأرضي، أو بالأحرى كأن المسيح هو الذي دعاهم جميعًا ليشربوا على مائدته التي جعلها خمرًا جديدًا. هو نفس حضور المسيح في سر التناول على المائدة المقدسة في كل قداس نحضره ونصليه ونعيشه ونخرج منه بالفرح، كما يعبّر الكاهن في الصلاة الختامية في نهاية التناول المقدسة حيث يقول: "لقد امتلأ فمنا فرحًا ولساننا تهليلًا". إن حضور المسيح إلينا هو حضور الفرح والبهجة في حياتنا.

المشهد الثاني: فرح الإنجيل: "عندما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: «ليس لهم خمر» (يو2: 3)، وكأنها تقول "ليس لهم إنجيل"، فالإنجيل هو التعليم الجديد أو الخمر الجيدة التي قُدِّمت في العُرس (يو2: 10). ومعروف أن كلمة "إنجيل" تعني الأخبار المُفرحة أو السارة، والإنجيل هو بشارة الفرح. كانت أمنا العذراء تتحدث بلسان أهل العهد القديم الذين بلا إنجيل فرح أو بلا تعاليم مفرحة. كانت الخطية ونتائجها ضاربة في حياة البشر قبل مجيء المسيح، وليس من منقذ أو مخلص، وكان الاحتياج دائمًا ويوميًا للذبائح الحيوانية التي عندما يُسفَك دمها يحصل مغفرة مؤقتة أو فرح مؤقت لا يدوم سوى يوم واحد...

إن التعليم الجديد الذي هو الإنجيل، ليس إلا وجبة الفرح التي يحتاجها كلٌّ منا يوميًا، وبحسب تعبير بولس الرسول في رسالة الفرح «فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح» (رسالة فيلبي 1: 27). في كل مرة تقرأ أو تدرس أو تتأمل أو تحفظ أو تتكلم بكلمة الإنجيل، أنت تنال فرحًا عظيمًا لا يُنطق به ومجيد.

المشهد الثالث: فرح شفاعة العذراء مريم: عندما شعرت بهذا النقص وتكلمت مع المسيح همسًا، ثم استدارت وقالت للخدام "«مهما قال لكم فافعلوه» (يو2: 3-5)، وكأنها في محبة وأمومة ومسئولية تتشفّع عنهم –أهل العُرس– أمام المسيح، وتطلب منه بكل ثقة ويقين. هذه شفاعة القديسين التي تضعها الكنسية في صدر صلواتها وتسابيحها، وهي قوية وفعّالة وذات أثر في حياة كل إنسان مؤمن. وهي صلة الأرض بالسماء، واستجابة السماء للأرض، فنحن لا نعيش بمفردنا على الأرض في الكنيسة المجاهدة والمصلّية، ولكن هناك على الجانب الآخر الكنيسة السماوية والمتشفّعة من أجلنا على الدوام. لقد كانت شفاعة العذراء وشفاعة القديسين على الدوام مصدر فرح وسعادة وسلام.

المشهد الرابع: فرح الخلاص: كان العهد القديم بلا خلاص المسيح على الصليب ولذلك كان بلا فرح، وكان باب الفردوس مغلقًا أمام الجميع حتى أمام الأبرار منذ الخطية الأولى في جنة عدن. وعندما أبلغت أمنا العذراء في العرس قائلة للمسيح: «ليس لهم خمر»، كانت تتحدث بلسان أنبياء وأبرار وشخصيات العهد القديم، إنهم جميعًا بلا خمر بلا فرح. وتخيل معي يا صديقي العزيز كيف كان يعيش الإنسان يأكل ويشرب ويعمل بدون أي فرح، وحياته تنتهي في التراب دون أمل؟!

ومن هنا جاءت إجابة المسيح المدهشة إذ قال «ما لي ولكِ يا امرأة؟ لم تأتِ ساعتي بعد» (يو2: 4)، وهي إجابة مستقبلية عن ساعة الصليب التي بها أتمّ خلاص العالم، وهي التي حدثت بعد حوالي ثلاث سنوات من وقت المعجزة. لقد كانت ساعة الخلاص هي التي قصدها المسيح في إجابته على طلب القديسة مريم «ليس لهم خمر». إننا نعبّر في صلواتنا بالأجبية عن ذلك بقولنا "... نشكرك لأنك ملأتَ الكلّ فرحًا عندما أتيت لتعين العالم. المجد لك يا رب" (صلاة الساعة السادسة).

المشهد الخامس: هدية العرس كانت سببًا في فرح الجميع: لأن السيد المسيح حضر العرس وفي نيّته إجراء المعجزة بسابق علمه، وقد أمر الخدام أن يملأوا الأجران المُخصّصة للماء إلى فوق، ثم قال لهم «استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ» وهو الشخص الذي يدير الحركة في مثل هذه المناسبات وضابط لأي تصرف أو مشكلة في أيام العرس التي كانت تستمر أسبوعًا من الأربعاء إلى الأربعاء. أمّا مسيحنا واهب الفرح فقد حوّل الماء إلى خمر (عصير العنب الطازج)، وقدم الخدام إلى كل المدعوين كما إلى رئيس المتكأ الذي تعجّب من جودة مشروب الضيافة (الخمر)، ولم يكن يعلم أن هذه الخمر الجيدة إنما هي هدية المسيح لأصحاب العرس. إن فكرة الهدية بصفة عامة في حياة البشر تكون سبب فرح وسرور، وهي أحد الأعمال الإنسانية التي يعرفها كل إنسان يُقدّم أو يتلقى هدية من مشاعر وإحساسات وتقدير واعتزاز وبهجة وفرح وذكريات طيبة.

وهكذا كان حضور المسيح فرحًا، وتعليم الإنجيل فرحًا، وشفاعة العذراء فرحًا، وساعة الخلاص فرحًا، وتقديم الهدية فرحًا. هذا هو أول زواج في العالم بكل الفرح الذي فيه.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق  
موضوع التعليق  

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx