اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4912 فبراير 2021 - 5 امشير 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 5-6

اخر عدد

الأسقفية الجليلة

قداسة البابا تواضروس الثانى

12 فبراير 2021 - 5 امشير 1737 ش

في كنيستنا ثلاث درجات إكليروسية (إكليروس كلمة يونانية تعني نصيب الرب)، وهي: الأسقفية والقسيسية والشماسية، وذلك بحسب توصيف الكتاب المقدس. وبمناسبة الاستعداد للسيامات الجديدة، سنقصر حديثنا عن درجة الأسقفية الجليلة، وهي أعلى السلم الإكليروسي بحسب التقليد الكنسي.

والكلمة "أسقف" هي لفظ عربي مشتق من الكلمة اليونانية "إبيسكوبوس" وتعني الناظر من أعلى. وربما يكون اللفظ العربي "أسقف"، من كلمة السقف أي الغطاء الأعلى الحافظ للقاطن تحته، أي الحماية لمن هو في الداخل، وهو الساتر لخصوصيات الناس. صارت الكلمة مقدسة لأنها أُطلِقت على السيد المسيح في رسالة بطرس الرسول الأولى الأصحاح الثاني (1بط2: 25).

وهناك شكلان للأسقف:

الأول هو الأسقف المقيم، أي أسقف الإيبارشية الذي له اختصاص مكاني مُحدَّد نطلق عليه لفظ "إيبارشية"، ويبقى راعيًا طوال عمره لهذه الإيبارشية التي يُذكَر اسمه في الصلوات في جميع كنائس الإيبارشية بعد اسم البابا البطريرك، سواء أكان حاضرًا أو غائبًا، كشريك في الخدمة الرسولية.

والثاني هو الأسقف العام والذي لا يُسام على إيبارشية، إنما يُسام مساعدًا للبابا البطريرك أو معاونًا لأي مطران إيبارشية في حالة وجود ظروف رعوية أو صحية أو إدارية مُلحّة. ويُذكَر اسمه فقط حال وجوده في الصلاة في أيّة كنيسة. ويتم تكليفه برعاية منطقة رعوية، أو يكون له اختصاص موضوعي مثل أسقف التعليم أو أسقف البحث العلمي أو أسقف الشباب.

وباعتبار أن الأسقف يحمل نعمة سر الكهنوت المقدس، وبالتالي يقوم بواجبات أساسية ثلاثة هي: سلطة الحلّ والربط (متى 16: 19، 18:18)، وسلطة الغفران والإمساك أي المنع والسماح (يوحنا 20: 23)، وثالثًا سلطة وضع اليد لسيامة الشمامسة والقسوس وتدشين الكنائس وأواني الخدمة والمعموديات والأيقونات.

ولكن خدمة الأسقف الرئيسية هي "خدمة حب" نابعة من طاقة الحب في قلبه، والتي نالها من علاقته القوية بالسيد المسيح، والتي تجذب قلوب الناس في خضوع رضائي مستمر «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا» (رومية 5:5).

ومن باب الشرح المختصر لعمل الأب الأسقف بالصورة التي تفرح قلب الله في كنيسته المقدسة، نجد هذه المسارات العشرة للخدمة الأسقفية:

1- الرئاسة: وهي تعني مفهوم الخدمة الأكثر والأكبر والأعم والأشمل، والمُحقِّقة بصدق لاحتياجات الشعب الروحية أولاً ثم الاجتماعية والتعليمية والثقافية داخل كنيسة الله. والرئاسة هنا وإن قامت على الدرجة أو الرتبة، فإن سندها القدرة على التضحية. ويوصينا السيد المسيح قائلاً: «.. من أراد فيكم أن يكون عظيمًا فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبدًا» (متى 20: 26 و27).

2- الرعاية: وهي رعاية قطيع المسيح في كل قطاعات الشعب: صغارًا وكبارًا، رجالاً ونساءً، وهي الرعاية التي تحتضن الجميع: ضعافًا وأقوياء بقلب الحب، والذي يُشبَّه دائمًا بالرُمّانة التي تحوي داخلها فصوصًا مرصوصة بكل عناية في قلبها، وهي تعني اتساع قلب الراعي بالحب للكل.

3- الحماية: من كل الذئاب، فالأسقف الراعي يسهر بالصلوات والخدمات والإجراءات العديدة ليحمي شعبه من ذئاب الخطية والضعف والسقوط، ومن الأشرار. وتقوم الحماية الشاملة بالتوعية والتعليم، وتتم نفسيًا وروحيًا وصحيًا واجتماعيًا.

4- الصيانة: هدف الأسقف أن يُعد كل إنسان إلى ملكوت السموات، وهو يحتاج دائمًا إلى صيانة النفوس من الأخطار المحدقة في مسيرة الحياة. والمعنى الأصيل لذلك أن يحفظهم في حالة التوبة المستمرة، في نقاوة وأمانة وإخلاص، ويكون هو القدوة الدائمة أمامهم، لأنه بغير ذلك يضيع القطيع ويتوه في مجاهل الحياة وسقطاتها إن فقد من يصون ومن يرشد ومن يعين ومن يسند.

5- السلامة: أي عمل السلام بين صفوف المؤمنين، وأيضًا مع من هم من خارج، لأن صنع السلام يجعل الإنسان ابنًا لله (مت 5: 9). وأتذكر عبارة يقولها دائمًا نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة وتوابعها لكل الآباء الكهنة: "أمران اشتريهما بأي ثمن؛ سلام الكنيسة، وأي قطعة أرض بجوار الكنيسة". كذلك الأسقف مسئول عن السلام المجتمعي في حدود عمله وعلى نطاق الوطن كله، ويجب أن يكون حكيمًا في كل علاقاته مع المسئولين في أي قطاع، عارفًا أن السلام أولاً.

6- الوداعة: وداعة الأسقف مقياس نجاح خدمته ومقياس قبولها أمام الله الذي قال تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب (متى11: 29). والمقصود وداعته في اللفظ والشكل والصورة والحضور والخدمة وأي قرار يأخذه. ودائمًا نقول إنه يجب ألّا نخلط بين الكرامة الروحية والتي لخدمته المملوءة سرًا (2 تسالونيكي 2: 14)، وبين شخصيته وذاته كإنسان. ولا يوجد مفهوم الترقية في الكنيسة مثل العالم، أن الترقية لأعلى، بل هي نزول حتى إلى درجة غسل الأقدام التي صنعها السيد المسيح بنفسه لأقدام تلاميذه ليلة صليبه المقدس (يوحنا 13).

7- الكرازة: وهي تعني أنه مسئول عن تقديم اسم المسيح لكل أحد، مستخدمًا كل فنون التعليم والمعرفة في محبة دائمة وحكمة خالصة. وفي ختام سفر أعمال الرسل، والذين يُعتبر الأساقفة خلفاء لهم، يقول عن بولس الرسول إنه كان «يقبل جميع الذين يدخلون إليه، كارزًا بملكوت الله ومُعلِّمًا بأمر (وصية) الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع» (أعمال 28: 30 و31). فالأسقف هو "قلب الوحدة".

8- البشارة: الأسقف حامل للأخبار السارة، بمعنى أن روح الفرح تشمل كل ما يؤدّيه من خدمة. فليس العبوس أو الضيق أو غياب روح البشاشة وروح الدفء الروحي وسائل يستطيع الأسقف بها أن يؤدي خدمته بمفهوم صحيح. يجب أن يكون إنسانًا مفرحًا، عنده طاقة الفرح القلبي الداخلي، والذي يظهر على وجهه في بشاشة وابتهاج. لقد وُصِف الأسقف بأنه ملاك الكنيسة (رؤيا 1: 20)، ونحن نقرأ عن الملاك جبرائيل مثلاً أنه ملاك البشارة، كما أنه الذي ظهر لدانيال في العهد القديم قائلاً له «أيها الرجل المحبوب»، والبشارة والفرح تأتي من كثرة استخدام الإنجيل المقدس تعليمًا ووعظًا وتأملاً وكلامًا وحياة.

9- السيامة: يقوم أسقف الإيبارشية بالسيامات الكهنوتية والشماسية في نطاق إيبارشيته، أو ربما بتكليف من البابا البطريرك في أماكن أخرى. وهو المسئول عن تكريس النفوس –شباب أو شابات، كما أنه المسئول عن تطعيم خدمة الكنيسة بالنماذج الروحية النافعة والصالحة، ويختارهم ليس بالهوى الشخصي، بل بكل أمانة لتكون كنيسة الله في أفضل صورة.

10- الرقابة: والمقصود وضع النظم واللوائح التي تضبط الأداء الخدمي ووصول الخدمة الروحية لكل إنسان، وأيضًا لتجويد العمل باستمرار، سواء الخدمة المعتادة بالكنائس أو الخدمات الإلكترونية والتي شاع استخدامها بسبب ظروف جائحة كوفيد-19. والرقابة هنا بحسب الوصية الإنجيلية «تمِّم خدمتك» (2تيموثاوس 4: 5).

وإذا أردت عزيزي القارئ المزيد من المعرفة حول هذا الموضوع، أنصحك بقراءة كتاب المستشار الدكتور عوني برسوم: علم الإكليروس، وقد صدر في أكثر من طبعة وأخرها عام 2005م.

صلوا من أجل المختارين للأسقفية هذا العام...




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx