في قصة دخول شعب إسرائيل إلى أرض الموعد (سفر العدد 14: 1-10)، يذكر الوحي الإلهي أحد الأمراض الروحية التي قد تحارب الإنسان في رحلة غربته وهي الردّة الروحية، وهي إمّا أن تكون ردّة عقيدية تتعلّق بإيمان الإنسان، أو ردة سلوكية تظهر في تغيُّر سلوكياته. وقد تعرض شعب إسرائيل عدة مرات لهذه التجربة على المستوى السلوكي والعقيدي، فكانت لهم في رحلة الخروج من أرض مصر العديد المواقف التي ارتدوا فيها للوراء. وكان ارتدادهم يحزن قلب الرب بسبب انحرافهم.
وقبل أن يدخل الشعب إلى أرض الموعد، أرسل موسى مجموعه من الرجال الذين تم اختيارهم من كل أسباط شعب إسرائيل ليذهبوا ويتجسّسوا الأرض. وعلى الرغم من أنهم رأوها أرضًا جيدة تفيض لبنًا وعسلًا، لكنهم قالوا إننا أمام شعب الأرض قد وجدنا أنفسنا مثل الجراد، فنحن لا نقدر عليهم، وأشاعو المذمّة بين الشعب حتى أن كل الشعب اعترض على الدخول إلى أرض الموعد، واشتهوا العودة إلى أرض العبودية في مصر، وكان هذا نوعًا من الردّة. كانت الردة قرارًا أخذته الأغلبية بالفكر، لكن عناية الله لم تسمح أن يكملوه.
والردة فى حياتهم أمر تكرّر مرات كثيرة. كانت ردتهم مرات تتعلق بالعقيدة، فعندما صعد موسى إلى الجبل ليتسلم الوصايا من الرب، اعتقد الشعب أن موسى ربما قد مات أو أنه تخلّى عنهم، وسألوا هارون أن يصنه لهم عجلًا ذهبيًا، وظنوا أنهم وجدوا الإله الذي يبحثون عنه! فقال الله قال لموسى ن يرجع للشعب لأنهم ارتدوا عنه، ورجع موسي ليجد الشعب يعبد العجل الذهبى!! فامتلأ موسى غيرة وحطم هذا العجل، وعنّف هارون بشدة، ولكنه أستطاع أن يرد الشعب كله الى عبادة الرب، ولكن في هذا اليوم سقط الآلاف قتلى بسبب هذا الارتداد. كانت هذه الرِدة بسبب جهالة الشعب، وجهالة هارون في القيادة، وأفكارهم الخاطئة عن موسى قائدهم الروحي، ولكن عندما نزل موسى وحطم الوثن ونبّه الشعب، استجاب له الشعب ورجعوا مرة أخرى لعبادة الإله الحقيقي.
وهذا يعطينا مثالًا لعمل الكنيسة في خدمة أبنائها لكي تحافظ على إيمانهم وعقيدتهم الأرثوذكسية. ربما نجد الآن الانحراف العقيدي عن الإيمان المسيحي يدخل فى قلب الناس بسبب ضعفهم، وعدم استجابتهم للعمل الرعوي، وربما تذمُّرهم من رعاتهم!! وأيضا من جهة العقيدة قد ينخدع البعض في العقائد المخالفه للإيمان الأرثوذكسي.. والحل؟
يجب أن يكون هناك استجابة لصوت الكنيسة لئلا يصنع كل إنسان متغرِّب عن فكر الرعاية الأمينة، عجلًا ذهبيًا جديدًا في حياته. العجل الذهبي هو عقيدة ثانية أو انخداع بفكر لاهوتي مخالف للفكر الأرثوذكسي.
فدور الكنيسة أن تنبّه أولادها: احذر لئلا تصنع لنفسك عجلًا ذهبيًا، فالعجول الذهبية كثرت جدًا في هذه الأيام، فهناك انتشار لبعض الأفكار التي قد ينجذب وراءها بعض البسطاء، وقد يصطحب أصحاب هذا الفكر معونات وإغراءات وهدايا لإغراء الناس سواء ماديًا أو معنويًا، وهذا الإغراء يشبه العجل الذهبي الذي عبده شعب إسرائيل.
يجب أن تعلّم الكنيسة أولادها وتهتم بهم. لم يكن موسى مُقصِّرًا بل صعد من أجل الشعب ليتلقّى الشريعة، أمّا هارون فتحدث الكتاب عن تقصيره وانسياقه لفكر الشعب الغريب، فكان ثمن ذلك أن الشعب ذهب وراء أفكار غريبه ومعتقدات خاطئة.
الردة أمر معروف في الكتاب، لكن موسى كان حازمًا جدًا، فحطّم العجل الذهبي. وهذا العجل الذهبي يأخذ أشكالًا كثيرة في حياتنا، ونحن نحتاج أن نحطمها من أفكارنا ومن مسالكنا ومن انتماءاتنا. للأسف الشديد ينخدع بعض الناس، لكن هذا العجل الذهبي لا يستطيع أن يعطي خلاصًا للشعب، بل قد كان سببًا في هلاك الكثيرين، فقد قُتِل في هذا اليوم الكثيرون بسبب هذا الانحراف.
لكن موسي حطم العجل، وأرجع الشعب عن طريق الضلالة، والرِدّة العقيدية ردّة الإيمان.
ولذلك فالكنيسة لا تترك الإنسان، بل تسعى أن ترجعه مرة أخرى، وتحطم ذلك العجل الذهبي الذي كان في حياته أيًا كان السبب (مفهوم لاهوتي خاطئ دخل إلى حياته، تقصير في العمل الرعوي... الخ)، فالكنيسة ينبغي أن تدرك أن الرِدة لا يجب أن تُترك في وسط مجتمعنا، ولا يجب أن نسمح لأنفسنا بهذه الردة.
في مرات أخرى تعرض الشعب لنماذج من الرِدة الروحية، فتذمّروا من أجل الماء، ونظروا إلى الوراء واشتهوا الرجوع لأرض مصر، أرض العبودية والسخرة والتغرُّب عن الرب، وتعامل الله معهم بطول أناته.. ولكنه في مرات أخرى، عندما وجدهم متذمّرين ويسيئون إلى محبته وطول أناته، وازدادت تعدياتهم وأنكروا عمله معهم، ترك الحيّات المُحرِقة تلدغهم، وذهب موسى يصرخ إلى الله في البرية، فأمره بصنع حية نحاسية كل من نظر إليها يبرأ (وكانت هذه الحية رمزًا للصليب).
نعم كان الشعب يتعرض للرِدة الإيمانية، وكان الله بطيل أناته، ولكن عندما يجد أن سلوكيات الإنسان وحياته لا تمجدان الله، يسمح باللدغة، يسمح بعقوبته. وعقوبة الردة الروحية أيضًا سمح الرب بها لموسى عندما خالف أمره وضرب الصخرة بالعصا. نعم لم يحرم الله موسى من النصيب السماوي، لكن موسى نال عقوبة على الأرض فلم يدخل إلى أرض الموعد، فالإنسان من الممكن أن يتوب ويظل نصيبه السماوي محفوظًا، لكن العقوبة الأرضية يجب أن يخضع لها.
أعطنا يا رب أن نقول لك: كمّل أيامنا واحفظنا في خوفك، لئلا نسقط في رِدة الإيمان أو رِدة السلوك، ونحن في تاريخ كنيستنا نتعلم أنه لا يستطيع إنسان أن يقوى على كنيسة الله.