اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون24 مارس 2017 - 15 برمهات 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 11-12

اخر عدد

شجعُوا صِغار النفوس

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

24 مارس 2017 - 15 برمهات 1733 ش

لا شك أن الله يحب الأقوياء، ويريد أن يكون كل مؤمن قويًا في حربه مع الشيطان، قويًا في إيمانه وجهاده، ويعطي الطوبى للغالبين المنتصرين. ولكنه مع ذلك.. بكل حب يشجع صغار النفوس، ويسند الضعفاء، ويتأنى عليهم..

بل إن السيد المسيح جعل صغار النفوس هؤلاء في مقدمة الذين يخدمهم. فقيل عنه في نبوءة اشعياء «رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ.. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ» (إش61: 1-2).

وهكذا جعل رسالته من أجل المساكين والمنكسرين والمسبيين والمأسورين والنائحين. وماذا تراه يفعل لأجل هؤلاء؟ إنه يقول: "لأعطيهم جمالًا عوضًا عن الرماد، ودهن فرح عوضًا عن النوح، ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة".

هذا هو السيد المسيح الذي قيل عنه في تشجيعه للآخرين:

"قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ".

إنه يعطي رجاء حتى لهؤلاء، وينفخ في الفتيلة المدخنة فربما تشتعل بعد حين، وتضيء لآخرين.

ولذلك لما كان يهوشع واقفًا بثياب قذرة والشيطان يقاومه، قال ملاك الرب للشيطان، لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب.. أفليس هذا شعلة منتشلة من النار.. وأمر أن ينزعوا عن يهوشع ملابسه، ويلبسوه ثيابًا مزخرفة طاهرة (زك3: 1-5).

ومعلمنا بولس الرسول يهتم بصغار النفوس فيقول: «اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْجَسَدِ» (عب13: 3). ويقول الرب: "لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار"... وهو نفسه قد اهتم بكل صغار النفوس الذين قابلهم. ومن هؤلاء الخطاة والعشارون. وحتى المرأة التي ضُبِطت في ذات الفعل، وأحضروها إليه وهي في مرارة الذل طالبين رجمها، أنقذها من أيديهم ولم يشأ أن يخجلها، بل قال لها في حب: «وأنا أيضًا لا أدينك، اذهبي بسلام».

طريقة الرب هي أن يبني النفوس المسكينة، لا أن يحطمها.

ولذلك قال عبارته المملوءة حبًا وتشجيعًا «ما جئت لأدين العالم، بل لأخلّص العالم». وهكذا نراه يترك الجموع، ويقف عند خاطئ هو زكا رئيس العشارين، ويشجعه بعبارة حب هي «ينبغي اليوم أن أكون في بيتك»، بل يقول له: «اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت». ويريه أن خطاياه مهما كانت، لا تمنع عنه الخلاص. وأن سمعته مهما كانت ردية، لا تمنع دخول الرب في بيته.

إن الرب في تشجيعه، يجعل باب الخلاص مفتوحًا للكل.

حتى أمام اللص اليمين، في اللحظات الأخيرة من حياته، وهو مصلوب، يستمع قول الرب «اليوم تكون معي في الفردوس». وحتى مع المرأة السامرية، رأى فيها الرب شيئًا حلوًا، على الرغم من سيرتها الخاطئة، فقال لها في تشجيع «حسنًا قلتِ.. هذا قلتِ بالصدق» (يو4: 17، 18). إنه القلب الطيب، صاحب الكلمة الطيبة.

ليست من فم الرب دينونة، بل من فمه كلمة بركة.

حقًا إن حلقه حلاوة، وكله مشتهيات (نش5: 16).

انظروا موقفه الجميل من بطرس الرسول، بعد أن أنكره ثلاث مرات، وكانت نفسه مرة للغاية، وقد بكى بكاءً مرًا.. ظهر له بعد القيامة، ولم يقل له كلمة توبيخ واحدة.. وإنما قال له في تشجيع «ارعَ غنمي. ارعَ خرافي» (يو21: 15، 16).

وتوما الرسول، لما وجده الرب قد شك في القيامة، وأصر أن يرى ويلمس، ويضع إصبعه مكان الجروح، وإلا لا يؤمن..! لم يوبخه الرب، وإنما ظهر له، وسند ضعفه وقلة إيمانه، وحقق له رغبته، وقال له «لا تكن بعد غير مؤمن، بل مؤمنًا»..

إنها طريقة الرب، منذ البدء، منذ آدم وحواء.

كان آدم منكسر القلب، خائفًا، مختبئًا خلف الأشجار بعد سقوطه، لا يجرؤ أن يرى الله.. ولكن الله بطريقته في تشجيع صغار النفوس، ذهب إليه، وناداه، وفتح معه الحديث، ووعد بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية.

ولما رأى الرب يونان النبي في صِغر نفسه. وقد اغتمت نفسه، وطلب الموت قائلًا: «موتي خير من حياتي»، لم يتركه الرب في صغر نفسه، وأنبت له اليقطينة لتظلّله، ثم ظلّ به حتى تفاهم معه، وخلصه من غمه، وشرح له الموقف مع أهل نينوى، وأنقذ نفسه كما أنقذهم.

ولما رأى إيليا النبي خائفًا من إيزابل، ظانًا أنه قد بقى وحده بعد قتل الأنبياء، وقد طلبوا نفسه ليهلكوها، كلمه الرب وقال له «مالك هنا يا إيليا؟» وأرسل له معونة من عنده وقوّاه، وأخبره بأن هناك سبعة آلاف ركبة لم تنحنِ لبعل. وكلفه بأن يمسح أشخاصًا للقضاء على فساد الوثنية (1مل19).

إن عبارة «شجعوا صِغار النفوس» عبارة مملوءة حنانًا.

ولكن من هم صِغار النفوس الذي نشجعهم..؟

إنهم الساقطون، واليائسون، والفاشلون، والأطفال، والخطاة، والخائفون. ومن تنهار نفوسهم وتضعف، ويفقدون الثقة في القدرة على القيام...

هؤلاء لا ندينهم، ولا نشهّر بهم، ولا نستهزئ بهم أو نتهكم عليهم، ولا نعاملهم بقسوة، وإنما نسند ضعفهم بتشجيعنا.

قيل عن القديس الأنبا إيسيذورس قس القلالي، إنه كان إذا طَرَدَ بعض الآباء خاطئًا ويئسوا منه، يأخذه الأنبا إيسيذورس إليه، ويطيل أناته عليه، ويظل به حتى يقيمه من خطيئته. وقد فعل هذا مع موسى الأسود، الذي كان في بدء حياته مُحارَبًا جدًا من العدو، حتى أنه أتى إلى الأنبا إيسيذورس 11 مرة في ليلة واحدة.. وبطول أناة معلمه تحول إلى قديس عظيم.

لا تحتقر تفاهة في إنسان، إنما أنقذه من تفاهته.

كن يدًا منقذة للضعيف، وكلمة رجاء لليائس، وافتح طاقة من نور أمام من أضلتهم الظلمة. ولا تكن قاسيًا ولا ديانًا. ولا توبخ أحدًا على سقطته، بل ساعده على القيام منها. ولا تتهكم على مستوى ضعيف لأحد من الناس، وإنما خذ بيده لكي ترفع مستواه..

كان موسى النبي "ثقيل الفم واللسان"، و"ليس صاحب كلام" وقد اعتذر عن إرسال الرب له لهذا السبب، لكن الرب شجعه، وأعطاه هارون أخاه لكي يكون فمًا له.. وهذا الذي لم يكن صاحب كلام، صار لقبه كليم الله.

وإرميا النبي كان صغير السن، وكانت نفسه صغيرة لهذا السبب، وقال للرب «لا أعرف أن أتكلم لأني ولد»، ولكن الرب لم يدعه يستسلم لضعفه، وإنما شجعه بقوله «هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود جديد، وأسوار نحاس على كل الأرض.. فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك يقول الرب لأنقذك» (إر1: 6، 18).

ويشوع بن نون الذي صغرت نفسه بعد وفاة موسى النبي، ووجد نفسه أصغر من المسئولية، شجعه الرب بقوله «تشدد وتشجع.. لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى أكون معك. لا أهملك ولا أتركك.. لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب» (يش1: 5، 9).

إنها كلمات الرب المشجعة. وكثيرًا ما يشجع الرب بوعوده، أو بالمعونة التي يرسلها إلى الإنسان، فيقويه.

وقد كان هذا التشجيع هو أيضًا عمل الأنبياء، وكان أنشودة في المزامير.

وما أكثر التشجيع الذي يقوله الكتاب للخطاة.

يقول إن الرب يغسل خطاياهم، فتبيضّ أكثر من الثلج، وأنه ينساها ولا يعود يذكرها، وأنه كبعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينا، لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن (مز103). ويقول الكتاب أيضًا: «لا تشمتي بي يا عدوتي، فإني إن سقطت أقوم»، ويقول إن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم!

داود النبي لما رأى الجيش خائفًا أمام جليات شجعهم بقوله: «لا يسقط قلب أحد بسببه» (1صم16).

ولم يشجعهم بالألفاظ فقط، إنما أيضًا بالقوة، بشجاعته.

ونحميا وقف مع الشعب الضعيف اليائس المطحون، وشجعهم على بناء سور أورشليم، ليس بالكلام فقط، وإنما اشترك معهم في العمل، وشجعهم باشتراكه.

وموسى النبي لما رأى الشعب وقد صغرت نفسه أمام عبودية فرعون، وإزادة الضغط عليهم، شجعهم بأن واجه الموقف بنفسه. وأيضًا قال لهم «قفوا وانظروا خلاص الرب. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون».

وكانت الكنيسة تشجع الشهداء والمعترفين في ساحة الاستشهاد.

حتى أثناء محاكماتهم، وأيضًا في السجون. وكم من كتب كتبها الآباء حثًا على الاستشهاد، وكم من أمهات شجعن أولادهن على تقبل الموت..

حتى العمل الصغير الضئيل، كان يلاقي تشجيعًا.

السيد المسيح لم يمتدح فقط الزرع الذي أتى بمائة أو بستين، وإنما حتى الذي أتى بثلاثين فقط قال عنه أنه زرع جيد.

ليتنا نسلك بأسلوب المسيح، ونشجع الكل مثله.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx