اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون07 أبريل 2017 - 29 برمهات 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 13-14

اخر عدد

شركة الآلام

قداسة البابا تواضروس الثانى

07 أبريل 2017 - 29 برمهات 1733 ش

نحتفل في نهاية الصوم المقدس بأسبوع الآلام أقدس أيام السنة قاطبة، وفيه نعيش مع آلام السيد المسيح الخلاصية لأجلنا نحن البشر. وتتمتع كنيستنا بتراث دسم للغاية في القراءات والألحان والصلوات والساعات الطوال مع الأصوام والميطانيات وكل مظاهر الطقس الكنسي العميق في الروحيات والتأملات. ويُفتتح أسبوع الآلام بيوم سبت لعازر حيث نجد السيد المسيح يشارك أسرة لعازر المحبوب لديه جدًا، يشارك الأختين مرثا ومريم في الدموع والبكاء من أجل لعازر حبيبنا الذي قد نام (يوحنا11:11)، ويأتي السؤال الإنساني الخطير: هل النفوس المحبوبة لدى الله تعاني الشدائد والضيقات؟!.. ولكن يجب أن نفهم قلبيًا ونعي تمامًا أنه ليس معنى أننا نحب الله أو كوننا محبوبين عنده أن نُعفى من التجارب والآلام والشدائد. بل ربما العكس صحيح تمامًا، إذ أن محبته لنا جعلته يتألم من أجل كثرة خطايانا حتى أن البعض يقول إن كل خطية يصنعها الإنسان هي بمثابة شوكة جديدة أو مسمار جديد في مسيحنا المصلوب لأجلنا...

إن محبته لنا تجعله شريك آلامنا، ومحبتنا لله تعطينا احتمالًا للآلام كما قال بولس الرسول من أجلك نمات كل النهار.

كثيرًا ما نعاني نحن البشر آلامًا قاسية، سواء على المستوى الفردي كالمرض والفشل والخسارة، أو على المستوى الجماعي كالكوارث الطبيعية وثورات الطبيعة كالزلازل والفيضانات والبراكين، أو الأحداث والحوادث العنيفة بكل صورها وأشكالها..

إن قضية الألم والإنسان أحد مظاهر الحياة الإنسانية فلم يوجد الإنسان يومًا بدون ألم، والبعض يقول إن صرخة الطفل حين ولادته وبكائه دلالة على أنه أتى إلى عالم الشقاء والألم بعد أن ظل هادئًا ساكنًا آمنًا متمتعًا بخصوصية وجوده في رحم أمه بلا أدنى ألم...

ويأتي السؤال الدائم: لماذا يسمح الله بالتجارب والآلام؟!..

بالتأكيد الله محب البشر صانع الخيرات ضابط الكل، وبالتالي تكون التجارب والآلام هي لاختبارنا وتزكيتنا، أو لإظهار إيماننا وإعلان فضائلنا في حياة التسليم والصبر والاحتمال، أو لأن الله يتمجد عند انتصارنا على الآلام والتجارب.

الألم ينقي القلوب والنفوس مثلما تنقي النار الذهب والفضة، وبالألم تنسحق النفس في طريق التوبة وترك الخطية والبحث عن عهد جديد للحياة النقية.

كان لعازر في القبر رمزًا للبشرية الميتة في قبور شهواتها والتي صارت بلا نور في الحياة، وصار القلب قاسيًا متحجرًا توقف فيه حب المسيح، وصارت رائحة العالم لا تُطاق حتى قال أقر الناس: لقَدْ أَنْتَنَ!! (يو11: 39).

وفي صباح يوم أحد السعف ينفرد قداس ذلك اليوم بطقس الجناز العام بعد القداس مباشرة، حيث يقوم الكاهن في نهايته برش المؤمنين بهذا الماء الذي نال بركة الصلاة، إذ لا نقيم جنازات عن أنفس المسيحيين المنتقلين خلال أسبوع البصخة المقدسة لأن هذا الأسبوع مخصص لعمل تذكار آلام وصلب وموت ابن الله، حيث تعيش الكنيسة آلام عريسها ولا تنشغل بأي حزن آخر.

وصلوات التجنيز العام هي فرصة صلاة خاصة يقول فيها الإنسان لله: كمّل لي يا رب حياتي في سلام، وأعطني النهاية الصالحة. وهذه الفرصة تمتلئ بمشاعر التوبة وطرح الخطية مع مشاعر الاستعداد للنهاية حيث يقولون "إن من لا يتخذ من الموت أهم واعظ، لن تفيده سائر المواعظ".

والعجيب في الطقس الكنسي أن هناك مقابلة بين هدايا المجوس الثلاث وبين هذه الفترة المقدسة في السنة والتي تشمل الصوم الكبير (55 يومًا) مع الخمسين المقدسة (50 يومًا).

الذهب = رمز إلى أيام الفرح في الخمسين المقدسة

لبان = رمز إلى أيام الصوم (40 يومًا + أسبوع الاستعداد + 3 أيام يونان)

المر = رمز إلى أيام أسبوع الآلام والصليب.

لذلك "المر" الذي يرمز إلى الألم هو في صميم الحياة الإنسانية، وهو الذي جعل بولس الرسول يقول عن اختبار القيامة: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ» (في3: 10).

إلى كل صاحب ألم، وإلى كل من يجتاز ألمًا مهما كان ظاهرًا أو باطنًا، ومهما كان جسديًا أو نفسيًا أو معنويًا.. نقول: "افرح" لأنك صرت عضوًا في هذه الشركة المقدسة، "شركة الألم" التي أسسها مسيحنا القدوس المصلوب لأجلنا، وها هو بولس الرسول يتحدث عن اختبار المعرفة الشخصية التي يؤكدها بقوله "لأعرفه" من خلال قوة القيامة المجيدة "وقوة قيامته" في شركة آلامه الخلاصية "وشركة آلامه" متشبهًا بموته.

إن كانت حبة الخردل الصغيرة تتألم وتموت في الأرض، ولكنها تطرح ثمرًا وحياة جديدة.

إننا بالثقة والإيمان العميق نواجه الآلام.

وبالتسليم والصبر الكامل نفهم الآلام.

وبالفرح والسلام الداخلي نثق في الآلام.

بقوة الله نعيش آلامنا ناظرين إلى المصلوب لأجلنا، عالمين أن الضيق ينشئ صبرًا وتعزية وفرحًا لكل المتألمين.

بركة هذه الأيام المقدسة مع جميعكم

اخريستوس آنيستي. أليثوس آنيستي.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx