اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون07 أبريل 2017 - 29 برمهات 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 13-14

اخر عدد

كيف تجدد حياتك؟

قداسة البابا تواضروس الثانى

07 أبريل 2017 - 29 برمهات 1733 ش

إنجيل الجمعة السادسة من الصوم يدور حول شخصية من الشخصيات المُعتبَره في الكتاب المقدس، وهو نيقوديموس الذي أتى إلى المسيح ليلًا، ونيقوديموس شخصية هامة في الكتاب المقدس. نيقوديموس كان معلمًا حاصلًا على درجة عالية من العلم والمعرفة، وكان عضوًا في السنهدريم وشخصية لها حضور ومكانة في المجتمع. ولكن لماذا ذهب للمسيح ليلًا؟ لأنه حجلان أن يذهب له نهارًا. نيقوديموس كرجل مرموق في المجتمع اليهودي، سمع عن المسيح أشياء كثيرة، وأراد أن يتعلم منه، وبدأ حديثه مع الرب بمقدمة جميلة: «يا مُعَلِّمُ، نَعلَمُ أنَّكَ قد أتَيتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأنْ ليس أحَدٌ يَقدِرُ أنْ يَعمَلَ هذِهِ الآياتِ الّتي أنتَ تعمَلُ إنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ معهُ» (يو3: 2)، المفترض منطقيًا أن المسيح يشكره على مدحه، ولكن السيد المسيح فاجأه بردٍّ لم يكن في حسبانه على الإطلاق، له: «الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكَ: إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنْ فوقُ لا يَقدِرُ أنْ يَرَى ملكوتَ اللهِ» (يو3:3)، وقد وضعت إجابة المسيح علامة استفهام كبيرة أمام نيقوديموس عندما سمع كلمة "يولد"! فرد مستنكرًا: «كيفَ يُمكِنُ الإنسانَ أنْ يولَدَ وهو شَيخٌ؟»، ففاجأه السيد المسيح بالإجابة وقال له: «الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكَ: إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنَ الماءِ والرّوحِ لا يَقدِرُ أنْ يَدخُلَ ملكوتَ اللهِ» (يو3: 4، 5).

كلمة الولادة تعني أن هناك شيئًا جديدًا، ويُقصَد بالميلاد تجديد الحياة، وبالتالي السؤال الذي تطرحة كلمة ربنا على كل واحد فينا: هل تجدّد حياتك؟ وتأتينا الإجابة في العبارة التي نصليها كل يوم في مزمور التوبة: «قَلبًا نَقيًّا اخلُقْ فيَّ يا اللهُ، وروحًا مُستَقيمًا جَدِّدْ في داخِلي» (مز51 (50): 10).

ويتبادر إلى الذهن سؤال: هل لا بد أن يكون هناك تجديد؟ والإجابة: نعم! الإنسان يجدّد في طعامه ومن هنا جاءت الأكلات الكثيرة الموجودة، يجدد في الملابس ومن هنا الموضات، ويجدد في السكن، بل يجدد في العمر: طفل ثم صبي ثم شاب؛ حتى الطبيعة تجدد ذاتها تتجدّد كل سنة في الربيع وتكتسي الأرض بالخضرة والأزهار. هل تتجدد حياتك أم أن لا طعم لها؟ هذا سؤال مهم بل وحيوي لحياة الإنسان. وها نحن مقبلون على نهاية الصوم الكبير، فهل يا ترى تم تجديد في حياتك؟

الكتاب المقدس يتكلم عن المياه في مواضع كثيرة جدًا، فمثلًا يتكلم عن المياه كوسيلة تجديد في الطوفان. وفي العهد القديم يتكلم عن خروج الماء من الصخرة أثناء رحلة بني إسرائيل في البرية وتجدّدت حياتهم. ويخبرنا عن المياه التي جدّدت نعمان السرياني من البرص. والمياه في عرس قانا الجليل التي صارت خمرًا. وفي أحد السامرية نجددورًا هامًا للماء، وكذلك في أحد المخلع الملقى على بركة بيت حسدا، وفي أحد المولود أعمى ذهب واغتسل في بركة سلوام... دعني أشرح لك بعض وسائل تجديد الحياة التي تساعدك وتساعد نيقوديموس أن يجدد حياته...

1) وقفات الصلاة العميقة

إيقاع العالم الآن سريع، كل شيء يتم بسرعة، لكن وجود وقفة صلاة عميقة فيها عرق ودموع ومشاعر الصلاة، فيها العلاقه بينك وبين مسيحك، وكأنك في الصلاة ترتفع وتقترب لكي تلمس المسيح، لهذا نجد في الصوم الكبير قداسات متأخرة وألحان طويلة لكي تتيح لك هذه الوقفة العميقة. لن تجد لذّة في الصلاة بسرعة، السرعة تُفقد العمق. وقفة الصلاة نتعملها في أوقات التسابيح والترانيم والمدائح وتماجيد القديسين، كل هذه وسائل تجدد ذهنك وعقلك، وتشعرك بالشبع لأن كل مشاعرك شاركت في هذا العمل.

2) جلسة الإنجيل العميقة

الجلسة التي تجلس فيها إلى كتابك المقدس بنوع من الصداقة والود، وليست القراءة العابرة، تشعر بهذه الصداقة وبهذا العمق، وتخوض إلى أعماق كلمه الله. القديس يوحنا ذهبي الفم له عبارة جميلة: "في الكتاب المقدس منجم لآلئ وروضة نفوس"، فكلما تعمّقت فيه تجد جمالًا وراحو ومتعة. جلسة الإنجيل تجددك مثلما نقول في المزمور الأول كل يوم: «يكونُ كشَجَرَةٍ مَغروسةٍ عِندَ مَجاري المياهِ» (مز1: 3)، مجاري المياه تجدد الشجرة باستمرار فتجعل ثمرها دائمًا وكل ما يصنع الإنسان ينجح فيه.

3) ممارسة الأسرار الكنسية المقدسة بوعي

هناك من يمارس السر بوعي، وآخر كما لقوم عادة. الأسرار نوعان: أسرار لا تتكرر (مثل المعمودية)، وأخرى تتكرر (مثل التوبة والاعتراف والتناول). هل تمارس هذه الأسرار بوعي وانفتاح قلب؟ ممارسة الأسرار تتطلّب أن يكون كيان الإنسان كله في السر، ويستعد من قبله بوقت كافٍ فتكون النتيجة أنه يمارس السر بوعي وهكذا تتجدد حياته. في نهاية سر التناول يصلي الأب الكاهن: "قد امتلأ فمنا فرحًا..."، هذا هو التجديد الذي فعله المسيح فينا، فهل تمارس الأسرار بوعي لتفرح؟

4) القراءات الروحية وسير القديسين

بلا شك أن سير القديسين هي كالمياه للغروس الجدد،  من التداريب الروحية الجميلة أيها الأحباء أن تختار بمشورة أب اعترافك كتابًا تقرأة خلال فترة الصوم، كتابًا روحيًا يشجعك ويجد!د العمل الروحي داخلك. حين تقرأ سير القديسين وتعيشها تعرفها وتحفظها كأنك تشارك في تطييب رفات القديسين وتماجيدهم.

5) محاسبة النفس

محاسبة النفس هي إحدى وسائل تجديد الحياة، فأحيانًا القلب يفقد حساسيته تجاه الخطية، وتأتي محاسبة النفس أو فحص الضمير كأحد الوسائل القوية للتجديد، لاحظوا أننا نؤمن يأن التوبة هي تجديد للحياة، وكما ذكرت سابقًا، فنحن نصلي كل يوم في مزمور التوبة: لك مزمور التوبة «قَلبًا نَقيًّا اخلُقْ فيَّ يا اللهُ، وروحًا مُستَقيمًا جَدِّدْ في داخِلي». محاسبة النفس معناها فحص القلب والضمير وحياة التوبة كوسيلة التجديد.

6) فترات الأصوام

كنيستنا مبروكة في الأصوام، وأحيانًا ننظر للصوم على أنع تغيير شكل الأكل، ولكن فترة الصوم تعني الصوم عن كل ما هو قديم وكل ما هو رديء، الإنسان الصائم أي بعد عن الخطية، والأفكار الرديئة، وأسلوب الحياة القديم. أيام الصوم هي لتجديد الحياة الداخلية، وأيام الإفطار للحياة الخارجية، وهكذا يكون هناك توازن في حياة الإنسان.

7) مساندة الضعفاء

وسيلة أخيرة تساعد الإنسان على تجديد حياته هي مساندة الضعفاء بأيّة صورة، مساندة الضعفاء: الصغار والكبار، الأصحاء أو المرضى، القريبين أو البعيدين، من نعرفهم أو لا نعرفهم. حينما تسند الضعيف تجدد حياتك لذلك قال لنا السيد المسيح: «الحَقَّ أقولُ لكُمْ: بما أنَّكُمْ فعَلتُموهُ بأحَدِ إخوَتي هؤُلاءِ الأصاغِرِ، فبي فعَلتُمْ».

هذه الوسائل نطرحها أمامنا كإجابة على هذا السؤال: هل تجدد حياتك؟ هل حياتك باستمرار فيها العنصر الجديد؟ هناك ملحوظتان هامتان عند تجديد الحياة:

أ- روح الاتضاع

فلو كنت معجبًا بنفسك أو تبحث عن منصب في الخدمة... لن تصل للتغيير لأن كل هذا يجذبك للوراء، اتضاعك يساعدك في التغيير باستمرار.

ب- قيمة الوقت

إياك أن تظن أن الحياة مازالت طويلة أمامك، فالتجديد مطلوب طوال الوقت، وما تعمله اليوم ستقدر أن تكرره غدًا وتعيش فيه، وهكذا يصبح جزءًا من حياتك اليومية.

نيقوديموس، هذا الشيخ الكبير الذي كان رئيسًا لليهود، الذي أتي إلى للمسيح ليلًا، وأجابه الرب عن الميلاد الجديد وعن المعمودية، وأن المعمودية هي الولادة الجديدة، وبحسب تعبيرات الآباء فإن الإنسان الذي يولد مرة واحدة يموت مرتين، ولكن الذي يولد مرتين يموت مرة واحدة. أعتقد أن نيقوديموس ابتدأ يفهم ويستوعب كيفية تجديد حياته، ولذلك رأيناه وقت صليب السيد المسيح يقف ويظهر ذاته ويطلب جسد السيد المسيح، ويعلن إيمانه.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx