اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون05 مايو 2017 - 27برموده 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 17-18

اخر عدد

كلمة قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني

قداسة البابا تواضروس الثانى

05 مايو 2017 - 27برموده 1733 ش

وقد ألقى قداسة البابا الأنبا تواضروس كلمة للترحيب بقداسة البابا فرنسيس بالكاتدرائية، قال فيها:

المسيح قام...

أخونا الحبيب صاحب القداسة البابا فرنسيس

باسم أعضاء المجمع المقدس وكل الهيئات الكنسية، نرحب بقداستكم في بلدنا مصر، بلد التاريخ والحضارة حيث يلتقي الغرب بالشرق منذ فجر التاريخ، وحيث يجري نهر النيل الخالد في وسط أرضنا الطيبة ليشرب كل المصريين منه الوسطية والاعتدال، أرحب بكم في مصر ملجأ العائلة المقدسة التي جاءت ومكثت هنا أكثر من ثلاث سنوات وطافت البلاد شرقًا وغربًا مُبارِكة الأرض والشعب. أرحب أيضًا بقداستكم في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية مهد الحياة الرهبانية، أم الشهداء، مُلهِمة مدرسة الإسكندرية، منارة اللاهوت في التاريخ.

إن زيارتكم اليوم هي خطوة جديدة على طريق المحبة والتآخي بين الشعوب ، فأنتم رمز من رموز السلام في عالم صاخب بالصراعات والحروب، عالم يتوق لجهود مخلصة في نشر السلام والمحبة ونبذ العنف والتطرف.

أهلًا بكم في أرض مصرنا الحبيبة، التي تدفع كل لحظة ضريبة الدم من زكيّ الدماء وزهرة الشباب لأجل أن تبقى أرض السلام للجميع، فمرحبًا بقداستكم بابا السلام في أرض السلام.

إننا إذ نستقبلكم اليوم في الدار البطريركية بمزيج من المحبة والسعادة، نتذكر حفاوة قداستكم وكرم ضيافتكم إبَّان زيارتنا لحاضرة الفاتيكان منذ أربع سنوات، إذ وجدنا رجلًا مملوء بروح الله، ولمسنا – والوفد المرافق لنا - جهدكم الحثيث المبارك في سبيل تضفير وتوثيق العلاقات بين اثنين من أقدم الكراسي الرسولية، كرسي بطرس الرسول وكرسي مار مرقس الرسول، وهو ما يستحق كل إعزاز وإجلال.

لم يكن اختيارنا للعاشر من مايو 2013 محض صدفة، وإنما حرصنا أن تكون هذه الزيارة في نفس اليوم الذي زار فيه مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث سَلَفَكم الحبر الروماني بولس السادس في عام 1973، وهو ما كان تأسيسًا لتقليد سنوي، هو "يوم المحبة الأخوية" إذ نقيمه ونحييه بالتبادل بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، حيث نصلي سويًا، ونتبادل الرؤى ونتشارك في طعام المحبة.

كما أن لتاريخ زيارتكم اليوم دلالة روحية، فإن قدومكم في أيام الفصح المقدسة وحوارنا اليوم يستدعي إلى الأذهان قصة تلميذي عمواس، حيث يقول الكتاب «وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا» (لو24: 15). إن حوار الكنائس الشرقية مع الكنيسة الكاثوليكية يحتفل هذه السنة بعامه الخامس عشر، يسوده ويجمع كل أعضائه قناعة واحدة هي وصية الرب الإله عندما قال: «بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ» (يو13: 35).

من هنا أقول، إن الوحدة في عالم اليوم تجيء أهم وأوضح شهادة للمسيح يمكن أن نقدمها للعالم، ولذلك يا قداسة البابا فإننا نصبو إلى ذلك اليوم الذي فيه نشترك في كسر الخبز سويًا على المذبح المقدس، وذلك اليوم الذي تدق فيه أجراس كنائس المسكونة سويًا احتفالًا بميلاد المخلص أو بقيامته.

لعلها مناسبة مباركة لنبعث بالشكر إلى الكنيسة الكاثوليكية إثر ما قدّمته لعموم المصريين في مجالات الفكر. فلا ينكر أحد الأيادي البيضاء للآباء اللاساليين، والآباء اليسوعيين، و راهبات القلب المقدس، على إسهاماتهم في النهضة التعليمية في مصر. ولا يجوز كذلك إغفال دور الآباء الدومينيكان في البحث العلمي والحوار بين الشرق والغرب، من خلال معهدهم وديرهم العامر بالقاهرة. وغيرهم من الرهبانيات الكاثوليكية التي تواجدت في مصر، وقدمت تجارب عصرية المنهج وأصيلة المضمون، تسهم في خدمة كل أبناء المجتمع بصرف النظر عن دينهم أو عرفهم.

شكر آخر نقدمه لكنيستكم، وبالنيابة عن كثيرين من المصريين الأقباط في الخارج، الذين صلّوا واحتفلوا بفرح تام بالأعياد على مذابح كنائس كاثوليكية، حيث لم يتوانَ الكرادلة والأساقفة حول العالم عن فتح كنائسهم لهؤلاء من أبنائنا لممارسة صلواتهم وطقوسهم، في محبة مسيحية وشركة صادقة.

قداسة البابا...

نود أيضًا أن نعبر عن تقديرنا لشخصكم الحبيب، ودوركم على الساحة العالمية، والذي بات جليًا منذ بداية حبريتكم، فاختياركم لاسم القديس فرنسيس الأسيزي يحمل الدلالات التي ترسخت مع صدور نصوص مثل: ايفانجيلي جاوديوم Evangelii Gaudium ولاوداتو سي Laudato Si. كل مقال تفوهتم به أو خطاب، كنتم جرس تذكير للعالم كله بالله الذي جبل الإنسان على غير فساد، فكان أنْ خلقنا على صورة ومثال منه.

هكذا سرتم يا قداسة البابا على خطى شفيعكم فرانسيس الأسيزي ودربه المقدس الذي عرج أيضًا على مصر منذ ما يقرب من ألف عام، وأقام مع السلطان الكامل واحدة من أهم تجارب حوار الحضارات في التاريخ، لتتجدّد اليوم بقدومكم، ولتأكدوا على أن الحوار هو الطريق والجسر الممدود بين الشعوب وبعضها البعض، وهو الأمل الباقي للإنسانية على مدى الدهور.

يا قداسة البابا..

لعلّ استجابتكم لدعوات عدة تلقيتموها، وعلى رأسها دعوة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي مثّلت دعوة عموم المصريين جميعًا، هي أبلغ رسالة للعالم كله، لكي يعي ويرى مصر كنموذج رائد في فهم الآخر واحترامه.

لقد عشنا في هذا البلد جنبًا إلى جنب منذ ما يقرب من خمسة عشر قرنًا، نعم شاهدنا بعض الفترات العصيبة، وبعض الاضطرابات، ولكنها كانت كالنار التي تنقي الفضة من الشوائب. وفي كل مرة كان الشعب يثبت أن طاقة المحبة والتسامح أمضى من البغضاء والانتقام، وأن الأمل أعظم بنوره من ظلمات اليأس.

لا يخفى على قداستكم أن كنيستنا ووطننا شهدا تجارب أليمة في الأشهر القليلة الأخيرة، حين امتدت يد الإرهاب الآثمة لتقتل أبرياء يصلون في غير خوف في معية مخلصهم، فيطالهم ما دُبِّر بليلٍ وخِسّة، ليترك وطننا بأسره كليم جرحه، وليتّشح بحداد الحزن بلد بأكمله. ولأننا في حفظ الله فإن يده الحانية تمتد دائمًا، لتمسح على فجيعتنا، ولتربت على قلوبنا، لتمنح أرواحنا سكينة بمشاهد معزية وصادقة. ففي هذه الأوقات العصيبة، يتجلى المعدن الحقيقي للمصريين المتحدين في الفرح والألم، معلنين للعالم كله بأن فجيعتنا إنما هي فجيعة وطن مترابط، لن يفلح المغرضون أن يشتتوا قلوبهم، ما يضرب القدوة والمثل للأجيال كلها.

هكذا تكون مصر كما يعرفها التاريخ منذ القدم: واحة سلام، ومهبط الرسالات، يلوذ بها الخائفون والمُخوَّفون، بلد سلم وأمن، وواحة تتلاقى فيها الحضارات، معلنة أن سماء مصر تسع الجميع تحتها في سلام على نهاية الزمن.

مرة أخرى... أشكركم على تلك الزيارة، آملين في تكرارها مستقبلًا.

وأخيرًا وليس آخرًا، أؤكد لقداستكم أنكم لم ولن تغيبوا أبدًا عن صلاتنا الخاصة في كل يوم، فأنتم محفوظون في قلوبنا بالصلاة والمحبة، قداسة البابا، بابا السلام. أهلًا وسهلًا بكم في أرض السلام. والمجد لله دائمًا أبديًا، آمين.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx