اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون05 مايو 2017 - 27برموده 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 17-18

اخر عدد

كيف تتم التنشئة الروحية؟ - عظة الأربعاء 26/4/2017 في اجتماع خدام كاتدرائية القديس مرقس الرسول بالكويت

قداسة البابا تواضروس الثانى

05 مايو 2017 - 27برموده 1733 ش

باعتبار أن هذا اجتماع للخدام، أريد أن أتكلم معكم كلمة قصيرة في موضوع هام جدًا، وهو: كيف تتم التنشئة الروحية، تنشئة الأبناء بروح الآباء؟ بالنسبة لأبنائنا في مصر، هناك الكنائس والأديرة والأماكن الأثرية وزيارات لها، مما يسهّل الأمر بعض الشيء. لكن بالنسبة لأبنائنا في الخارج، فنحن نجتهد لكي نربيهم مخافة الرب. كيف نوصِّل لهم روح الآباء وشكل الكنيسة وحياتها وتراثها وتاريخها؟ نريد أن تكون الكنيسة الموجودة في الخارج امتدادًا للكنيسة في مصر.

كيف نسلّم أولادنا الحياة الكنسية ومفاهيم حياتنا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؟ وأريد أن أكلمكم عن سبعة خطوط تمثّل مسارات تنشئة الأبناء بروح الآباء.

أولًا: لا خلاص خارج الكنيسة

يمكن أن نجد كل شيء خارج الكنيسة إلّا الخلاص، والخلاص يعني الفداء ونصيبك في فداء ربنا يسوع المسيح على الصليب. هذه الحقيقة لابد أن تُغرَس في قلوب أولادنا منذ الطفولة. لا خلاص خارج الكنيسة يعني أنني محتاج الكنيسة، هناك حركات في العالم تقلّل من أهمية الكنيسة، ولكننا في إحدى الترانيم القبطية المعبّرة نقول: "كنيستي هي بيتي، هي أمي، هي سر فرح حياتي"، فما معنى هذه الكلمات الثلاث؟

1) الكنيسة هي بيتي لأن فيها سرّين مهميّن: سر الأبوة الذي هو سر الكهنوت، وسر مسحة المرضى الذي هو السر الذي يرتاح الإنسان من خلاله، فبيت الإنسان هو المكان الذي فيه أبوه، وهو المكان الذي يستريح فيه. قد نخرج ونسافر، ولكن الإنسان لا يرتاح إلّا في بيته.

2) والكنيسة ليست فقط بيتي بل هي أمي، لأن فيها هذه الأسرار الثلاثة: سر الزيجة حيث تكوّنت أسرتي الجسدية بزواج الأب والأم. وسر المعمودية حيث وُلِدتُ من جرن المعمودية، أو كما يحلو لبعض القديسين أن يسمّوه: "بطن أو رحم الكنيسة". ولم أولد فقط في الكنيسة، لكني تثبّتُّ فيها من خلال سر الميرون.

3) الكنيسة هي سر فرح حياتي، والفرح عندنا من سرّين: سر التوبة والاعتراف وسر التناول (الإفخارستيا).

وهكذا تلخّص لنا هذه الترنيمة المفهوم العقيدي عن الكنيسة وأهميتها.

ثانيًا: أجنحة الحياة الروحية

هناك ثلاثة أجنحة لحياتنا الروحية:

1) الصلاة: والكنيسة غنيه بالصلوات، فهناك صلاة في كلمة واحدة (كيرياليسون)، وصلاة في جملة مثل الصلوات السهمية (يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ)، أو تكون عدّة فقرات مثل المزامير. أو صلوات بالموسيقى مثل الألحان والترانيم والتسابيح، أو صلوات حتى باستخدام الحركات مثل رشم الصليب والميطانيات... وتتنوع أشكال الصلوات فهي أهم شيء في الحياة الروحية، لأنها الصلة مع الله.

2) الكتاب المقدس: لابد أن يكون لكل واحد وواحدة من أبنائنا الكتاب المقدس الخاص منذ حداثته، بأيّة لغة يستطيعون قراءتها. يقول الآباء عن الكتاب المقدس الذي يقرأ فيه الإنسان أنه "يشرب عرقك ودموعك"، عرقك في القراءة والدرس، ودموعك لأنك تقرأ بروح الصلاة.

3) التقدم باستمرار لسر التناول: والذي ذكرناه قبلًا.

ثالثًا: يوجد عمل لكل يوم من أيام حياتنا

1) عمل التوبة: والتوبة في أبسط معانيها هي عملية تنقية القلب من الأفكار الشريرة، والنظرات الرديئة وغيرها، ولذلك التوبة عمل يومي. من التداريب المشهورة في حياه الدير للإخوة الجدد أن يُطلب منهم تنقية جوال أرز، وليس القصد هو تنقية الأرز، لكن أنه يتعلم الأخ كيف أنه بتنقية هذه الكمية الكبيرة من الأرز قليلًا قليلًا، هكذا يجب أن ينقي قلبه على الدوام بالتوبة.

2) فن الخضوع: وأحيانًا نسميه الطاعة. لابد أن يتعلم الإنسان منذ الصغر فن الخضوع، للوالدين، والخدام، والمدرسين، والآباء الكهنة. يعجبني حينما يطلب طفل شيئًا من أمه، فتطلب منه أن يستأذن أبيه أيضًا، إنها بهذا تسلمه الطاعة بقدوتها. وفن الخضوع أحيانًا نسميه الفن الصعب، أو فن التلمذة، حيث يتتلمذ الإنسان على والديه في المنزل، والمدرس في المدرسة، والخادم في الكنيسة...

3) الاتضاع: وأحد وسائل تعلُّم الاتضاع المهمه جدًا هو الاعتذار، حين يخطئ الإنسان في حق آخر.

رابعًا: الخطية

حين يخطئ الإنسان ويكسر أيّة وصية من وصايا الله، فإنه يكسر في نفس الوقت قلب الله المحب. وكل أنواع الخطايا تتم من خلال هذه الثلاثية: (1) فكرة تدخل العقل، ربما من الأصدقاء أو التلفزيون أو الإنترنت... (2) يحدث نوع من القبول لهذه الفكرة ويتحاور معها الإنسان. (3) تنفيذ هذه الفكرة. ونجد في مثل الابن الضال تطبيقًا لهذه المنظومة، حيث جاءته فكرة أن يأخذ نصيبه من الميراث، ووضعه موضع التنفيذ، بل أنه ترك بيت أبيه، ولكنه انتهى إلى اشتهاء أكل الخنازير! فابتدا يرجع لنفسه وعرف في الآخر أن ما عمله أخرجه للسجن، وأن بيته هو الحرية. وأرجوكم أن تغرسوا في أبنائكم أن الخطيه هي سجن. ومن المهم أيضًا  أم تزرعوا أفكارًا جيدة في عقول وقلوب أولادكم، بدلًا من الأفكار الرديئة التي تأتيهم.

خامسًا إصلاح الحياة الروحية:

حياة الإنسان الروحية تمشي في ثلاث محطات:

1) التغصُّب: فلكي يصحح الإنسان مساره لابد أن يأخذ تدريبًا ويلتزم به حتى لو كان هناك تغصُّب.

2) التعوًّد: بعد التغصب يتحول الإنسان لدرجة التعود، حيث تصبح التداريب الروحية حلوة، ونمارسها بسلاسة.

3) التمتُّع: وقتها يقرأ الإنسان الإنجيل وهو فرحان، وقد يقرأ عدّة مرات في اليوم، أو يقرأ فقرة ويعيدها مرات ومرات بتمتع.

سادسًا: من هو العدو؟

لنا ثلاثة أعداء العالم والشيطان والذات. (1) العالم مليء بالعثرات والإغراءات، (2) والشيطان دائمًا ما يحاول أن يخدعك ويزيّن لك الخطية، مثلما فعل مع أمنا حواء حين زيّن لها الأكل من الشجرة. (3) الذات وهي العدو الأكبر، لأن الذات تقيم في الإنسان وقد توهمه بما ليس فيه، حتى يصل إلى الكبرياء. والذات تجعل الإنسان يظن دائمًا أنه على صواب، وهكذا يفقد اتضاعه.

سابعًا: الهدف الأخير هو الملكوت

لابد أن يعرف كل منكم أن الهدف النهائي لكل خدمة ولكل عمل هو الملكوت. كل واحد فينا صار له نصيب في السماء يوم أن تعمّد، ولكن المهم أن تحافظ على هذا النصيب، من خلال حياتك الروحية النقية. الملكوت غالٍ جدٍا، ويجب ان تكون عيناك عليه باستمرار، وربّوا في أولادكم أن تكون عيونهم دائمًا على السماء. الملكوت هو الهدف الأخير، ولا تنسَ أن الشيطان يحاربنا لكي ما يحرمنا منه، والتوبة هي التي توصِّل للسماء.

هذه المسارات نستطيع أن نغرسها في أبنائنا وبناتنا لكي تكون حياتهم نقية، وينشأون تنشئة سليمة بروح الآباء، فتصبح حياتهم سماوية ... ربنا يبارك خدمتكم ويبارك عملكم ويبارك حياتكم.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx