اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون19 مايو 2017 - 11 بشنس 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 19-20

اخر عدد

القدّيس أثناسيُوس الرسُولي - مجلة الكرازة - الجمعة 24 مايو 2002 – العددان 21، 22

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

19 مايو 2017 - 11 بشنس 1733 ش

عَظمته

إنه الوحيد الذي لقبته الكنيسة بعبارة (الرسولي)، كما لو كان ينتمي إلى عصر الرسل. وهو أعظم قديس في اللاهوتيات. ويسميه البعض (أبو علم اللاهوت). وتعترف به وبقداسته كل كنائس العالم بدون استثناء.

هو الذي صاغ قانون الإيمان المسيحي في مجمع نيقية المسكوني المقدس، هذا القانون الذي تعترف به كل كنائس العالم.

وأتذكر أنني حينما زرت الفاتيكان في 15 مايو سنة 1973 بمناسبة مرور 16 قرنًا على نياحة هذا القديس، لكي أحضر معي رفاته... أتذكر أنه في الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بولس السادس في الكاتدرائية، في هذا اللقاء بيننا، أنه قال "كلنا نتفق حول لاهوتيات القديس أثناسيوس والقديس كيرلس". أي أننا واحد فيما يقوله من اللاهوتيات.

وقد قال القديس جيروم (ايرونيموس) في مديح القديس أثناسيوس: "مرّ وقت كاد فيه العالم كله أن يصبح أريوسيًا لولا وجود أثناسيوس". ذلك لأنه هو الذي أدار دفة الفكر اللاهوتي، لكي يحتفظ بصحته ضد الهرطقة الأريوسية التي انتشرت انتشارًا خطيرًا في ذلك الجيل يهدد الإيمان السليم.

ومن عظمة كلام هذا القديس، قال أحد الآباء "إذا سمعت كلمة للقديس أثناسيوس، ولم تجد ورقة تكتبها عليها، فاكتبها على قميصك" حتى لا تنساها.

وليست عظمة القديس أثناسيوس قاصرة على علمه اللاهوتي فقط، بل تشمل أيضًا روحياته وحياته كلها. ولذلك قال أحد القديسين "من يتكلم عن أثناسيوس، إنما يتكلم عن الفضيلة". فهو إلى جوار كونه عالمًا في الإلهيات، كان أيضًا قديسًا بارًا.

نضوجه المبكرّ

منذ شبابه المبكر، كان يتميز بعمق الفكر والمعرفة، وعمق الذكاء. فالعالم لم يتعرّف على عبقريته فقط وهو بابا للإسكندرية، إنما أيضًا وهو شاب. يكفي أنه في تلك السن المبكرة وضع كتابين من أشهر الكتب هما: (تجسد الكلمة) The Incarnation of the Word وكتاب (الرسالة إلى الوثنيين).

وكتابه (تجسد الكلمة) هو أعظم كتاب صدر في هذا الموضوع، شرح فيه بلباقة وعمق، وتسلسل فكري، وقوة إقناع، وبمنطق سليم، قضية التجسد الإلهي. وأتذكر في بدء رهبنتي سنة 1954 حينما كنت أمينًا لمكتبة دير السريان العامر، أرتب كتبها، أنني احترت تحت أي باب أضع كتاب (تجسد الكلمة)، هل في اللاهوتيات، أم الفلسفة، أم الروحيات (لأنه كتاب روحي أيضًا)، أم في أقوال الآباء Patrology؟

في شبابه كان شماسًا للبابا ألكسندروس (البطريرك 19).

وكان صورة حية مثالية للشماس المسيحي.

نذكر في تاريخ الشمامسة في الكنيسة الأولى: القديس اسطفانوس أول الشمامسة، والقديس أثناسيوس، والقديس يوحنا ذهبي الفم، حينما كانا شماسين، والقديس مار أفرام السرياني.

وكما قيل عن القديس اسطفانوس أول الشمامسة، أنه واجه ثلاثة مجامع من الفلاسفة «ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به» (أع6: 10). كذلك قيل عن القديس أثناسيوس أن قداسة البابا ألسكندروس اصطحبه معه لحضور مجمع نيقية المسكوني المقدس سنة 325م. ووقف الشماس أثناسيوس يحاور ويجادل آريوس الهرطوقي أعظم وعاظ جيله، ويرد على هرطقاته واحدة فواحدة، بآيات من الكتاب المقدس، وبالحجج القوية. فلم يقدر ذلك الهرطوقي الذي دوّخ جيله أن يقاوم الحكمة والروح الذي كان يتكلم به القديس أثناسيوس.

تصوروا مجمعًا مقدسًا عظيمًا يحضروه 318 من آباء الكنيسة الكبار بطاركة ومطارنة وأساقفة. ويقف بينهم هذا الشماس القبطي كبطل للإيمان.. يجادل ويرد ويقنع، ويحطم آريوس. ويضع بنود قانون الإيمان المسيحي، ويصوغها لفظة لفظة، والكل منبهر بعلمه ومنطقه وعمق معرفته اللاهوتية.

كانت عظمة الشماس أثناسيوس في مجمع نيقية المسكوني المقدس سببًا لإعجاب العالم به، وسببًا للعداوة القاسية الشرسة التي عامله بها الأريوسيون.

وكانت عظمته في مجمع نيقية سببًا في ترشيحه ليكون بابا الإسكندرية خلفًا لأبيه القديس ألكسندروس حينما تنيح بعد ذلك بقليل.

أثناسيُوس البَابَا:

في سنة 328م بعد ثلاث سنوات فقط من مجمع نيقية المقدس، تُوِّج القديس أثناسيوس بابا للإسكندرية، وجلس على كرسي مارمرقس. كان عمره ثلاثين سنة أو أقل حينما جلس على الكرسي الرسولي. وكان بهذا أصغر من تولوا البابوية في الكنيسة القبطية. ولم يكن أثناسيوس راهبًا، بل كان شماسًا. إن المسألة لم تكن مسألة سن أو رهبنة، وإنما الكفاءة التي تؤهل لهذا المنصب الخطير. وكان الشماس كفؤًا لذلك ومؤهلًا لرئاسة الكهنوت بكل المقاييس. فصار البابا العشرين من بطاركة كنيستنا.

وبعد تتويجه بسنة قام بسيامة أول أسقف لإثيوبيا سنة 329م.

قام بسيامة القديس غفرومنتيوس (أي رجل الله) واسمه قبطي. فذهب إلى أثيوبيا عن طريق البحر مارًا بأريتريا أولًا. وهكذا دخلت المسيحية على يد الكنيسة القبطية إلى تلك المناطق من أفريقيا التي تعتبر القديس أثناسيوس أباها الروحي، وتفخر بأن لها لاهوتيات أفريقية وانتماء ديني أفريقي عن طريق القديس أثناسيوس...

واستمرت حبرية القديس أثناسيوس 45 سنة.

من سنة 328م إلى سنة 373م، وبهذا يعتبر الثاني في طول مدة حبريته. أما الأطول مدة في كل تاريخ بطاركة كنيستنا، فهو البابا كيرلس الخامس الذي جلس على الكرسي المرقسي 52 سنة وبضعة أشهر. وخلال الفترة الطويلة للبابا أثناسيوس إنشغل بالعمل اللاهوتي.

+ عين القديس ديديموس الضرير أستاذًا ومدير للكلية الإكليريكية.

+ كان أهم ما أنشغل به القديس أثناسيوس هو حماية الإيمان والرد على الهراطقة والمبتدعين. وفي مقدمتهم الرد على الأريوسيين.

حقًا إن حماية الإيمان ونشره، هو العمل الأول والأساسي للبطريرك. ومن جهة العمل الرعوي يستطيع أن يقوم بسيامة الأساقفة والكهنة لمساعدته في هذا المجال، ويبقى الإيمان هو مسئوليته الأولى. وهذا ما فعله القديس أثناسيوس. الذي انشغل الإيمان عمق فكره ومركزه ونشاطه.

وبدأ أثناسيوس في مقاومة الفكر الآريوسي. وحتى بعد موت أريوس، كان الأريوسيون أشد ضراوة وعنفًا منه.

وهكذا وضع مؤلفه المشهور (ضد الآريوسيين) Contra Arianos.

وذلك في أربعة كتب ردّ فيها على فهم الأريوسيين الخاطئ لبعض آيات الكتاب المقدس. وكان رده يشمل الناحيتين الإيجابية والسلبية، بشرح وافٍ ومقنع للمفهوم السليم للآيات التي استخدمها الآريوسيون لتأييد بدعتهم. وكانه القديس أثناسيوس رائدًا فكريًا للاهوتيين في عصره في مقاومة الآريوسيين.

صمود أثناسيُوس:

من خطورة الآريوسيين أنهم استطاعوا أن يحوّلوا بعض الأساقفة إلى آريوسيين، وكانت لهم صلة قوية بالقصر الإمبراطوري. وبلغت قساوتهم في اتهام القديس أثناسيوس باتهامات خطيرة، وعُقِد مجمع ضده، والحكم عليه. وانتهى الأمر بنفيه إلى بعض بلاد الغرب.

وكان القديس أثناسيوس في نفيه كارزًا ومعلمًا.

فكان يشرح الإيمان السليم وهو في منفاه، ويكسب له أصدقاء ومؤيدين، حتى أن إمبراطور الغرب كان يتصل بامبراطور الشرق، ويطلب إليه إرجاع البابا أثناسيوس إلى كرسيه، فيرجع.

وبلغ من تأثير هذا القديس في بلاد الغرب أنه بُنِيت كنائس كثيرة على اسمه مازالت قائمة حتى الآن وبخاصة في ألمانيا والنمسا. ولكنه كان من النوع الذي يؤسس كنائس، ويتركها لأهلها، ولا يجعلها تحت سلطانه الكهنوتي المباشر. يكفي أن تكون مؤمنة بتعليمه...

ولقد نُفِى البابا أثناسيوس أربع مرات عن كرسيه.

وفي المرة الخامسة صدر الأمر بنفيه، ولكن لم يتمكن قائد الجند من تنفيذ ذلك. جاء إلى الكاتدرائية، فوجد كل الشعب ملتفًا حول باباه، وقال للقائد "لن تصل إلى البابا أثناسيوس إلا عى جثثنا جميعًا".. وعاد القائد إلى الإمبراطور، فألغى أمر النفي..

وقيل للقديس أثناسيوس "هوذا العالم كله ضدك" فردّ قائلًا "وأنا ضد العالم" فلقبوه Athanasius Contra Mondum أي (أثناسيوس ضد العالم) سواء ضد الهراطقة أو ما يحميهم من سلطة العالم وحكوماته...

في إحدى المرات، كان يود لقاء الإمبراطور قسطنطين ليشرح له حقيقة الأمور، ولم يستطع. فتنكر في زي فلاح بسيط. وذهب إلى قصر قسطنطين، وكان خارجًا ممتطيًا جواده. فاعترضه القديس أثناسيوس، وأمسك بسرج جواده وقال له: "قف يا قسطنطين، لي كلمة معك". وتعجب الإمبراطور: من هذا الذي يتصرف هكذا معه؟! وأمعن النظر، فأدرك أنه أمام البابا أثناسيوس. فترجل عن جواده، ونزل ليتفاهم معه. وهكذا كان هذا القديس في جرأته وشجاعته، وفي هيبته أيضًا. كما كان في احتماله الشدائد...

لقد صمد القديس أثناسيوس أمام الحكم، وصمد أمام الاتهامات التي وجهت إليه، وصمد أمام النفي والغربة، وصمد أمام الأريوسيين وفكرهم المنحرف ومؤامراتهم وشرّهم.

وفي متاعبه كانت تساعده علاقته الطيبة بالقديس أنطونيوس.

علاقته بالقديس أنطونيوس:

+ كان الأنبا أنطونيوس هو القلب الحنون الذي يلجأ إليه القديس أثناسيوس. وكان كابن روحي له، مع فارق السن الكبير بينهما.

+ وكتب القديس أثناسيوس حياة القديس الكبير في كتابه المشهور باللاتينية باسم Vita Antonii أي حياة أنطونيوس. وأرسله إلى رومه فكان له تأثير كبير في نشر الرهبنة هناك، كما كان له تأثير فيما بعد في توبة أوغسطينوس. وفي هذا الكتاب، قال "أنا نفسي صببت ماء على يديه" أي ساعدته في غسل يديه، إشارة إلى خدمته له.

+ وعلى الرغم من تمسك القديس أنطونيوس بحياة الوحدة وسكنى الجبل، إلا أنه نزل في شيخوخته وقبل وفاته بسنوات قليلة، لكي يسند البابا أثناسيوس في جهاده ضد الأريوسية. لم يكن محتاجًا أن يقنع الناس. فطالما كتب القديس أثناسيوس في مجال الإقناع اللاهوتي. إنما كان يكفي أن هذا المتوحد العظيم ينطق بإيمان أثناسيوس ويقول "أثناسيوس على حق". وبعد أن قضى ثلاثة أيام في الإسكندرية، عاد إلى مغارته في الجبل. وقال عنه القديس أثناسيوس في ذلك إنه عاد كغريب يلتمس وطنه". وكان فوق المائة من عمره.

+ وكتاب القديس أثناسيوس عن القديس أنطونيوس تُرجم غلى العديد من اللغات، ومنها اللغة العربية أيضًا. وهو ليس مجرد كتاب تاريخ، إنما هو كتاب روحيات أيضًأ. وهذا هو أسلوب القديس أثناسيوس، في كل ما يكتب، يكتب بأسلوب روحي، حتى في اللاهوتيات والتاريخ.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx