اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون19 مايو 2017 - 11 بشنس 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 19-20

اخر عدد

القديس أثناسيوس وقوّة الكلمة

القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو

19 مايو 2017 - 11 بشنس 1733 ش

عاش القديس أثناسيوس (297م–373م) في فترة صعبة من تاريخ الكنيسة، كانت أخطر التحديات فيها آتية من الداخل وليس من الخارج.. فبعد فترة عصيبة من الاضطهادات، جاء مرسوم التسامح الديني (مرسوم ميلان) عام 313م، وهدأت عواصف الاضطهاد الروماني من الخارج، لكن بدأت الأفكار الأريوسيّة الهرطوقيّة تهاجم الإيمان من الداخِل، فآريوس في الأصل كان كاهنًا.. وهذا الصراع الأريوسي الذي استمرّ لمدّة حوالي نصف قرن، حتّى بعد موت آريوس عام 335م، كان يهزّ الكنيسة من الداخِل بعنف شديد، وكان مصحوبًا بكثير من الدهاء السياسي والمؤامرات الدنيئة وإساءة استخدام السُّلطة.. ولكنّ القديس أثناسيوس كان هو الصخرة التي سندت إيمان الكنيسة في تلك المرحلة القاسيّة..

في تصوّري أن سِرّ نجاح القديس أثناسيوس الرسولي في ظلّ تلك الظروف المُعادية هو ارتباطة الشديد بكلمة الله، وشغفه بالقراءة والبحث الصادق في أعماق الكلمة، مع الحياة المقدّسة الأمينة.. لقد تربّى منذ صِغره على حُب الإنجيل، والتمتُّع بقراءته وحِفظ آياته والبحث والتنقيب في أسراره الحُلوة، مع ترجمته باستمرار إلى حياة وسلوك.. وعندما شبع ذِهنه بالفِكر الإلهي واختبر أيضًا فِعل الوصيّة في حياته، تربّى لديه الإيمان بقوّة الكلمة الإلهيّة.. وأيقَن أنّها أقوى سلاح..!

لم تكُن لديه إمكانيات ماديّة، ولم يكُن يحب الاقتراب من الأباطرة والحُكّام في ذلك الوقت، كما كان يفعل آريوس وأتباعه، ولم يكُن لديه نفوذ مادّي من أيّ نوع.. ولكن كان لديه ما هو أقوى.. كانت كلمة المسيح تسكُن فيه بغِنى (كو3: 16)، فكان يُخرِج من كنزه جُدُدًا وعُتَقاء (مت13: 52)..

منذ بكور شبابه، بدأ يكتب لتثبيت المؤمنين، فكان أول مؤلفاته كتاب "ضدّ الوثنيين"، ثم كتب بعدها مباشرةً كتابه الشهير "تجسُّد الكلمة" وهو يتضمّن شرحًا لأهمّ عقائد الإيمان المسيحي بصورة مُبسّطة وعميقة في نفس الوقت، وهذا الكتاب لا يزال مرجعًا في العقيدة لكلّ الأجيال.. ووقتها كان في بداية العشرينات من عُمره..!

اهتم منذ تولّيه مسئوليّة البطريركيّة في عام 328م أن يكتب لشعبه رسالة روحيّة عقيديّة شاملة كلّ عيد قيامة، وهي التي تُسمَّى بالرسائل الفِصحيّة.. ولم يتوقّف عن كتابتها طوال سنيّ بابويّته التي امتدّت إلى أكثر من 45 عامًا.. وهذه الرسائل كانت تحوي الكثير من الشروح العقيديّة بحسب الإنجيل، مع توجيهات روحيّة وسلوكيّة..

أمّا في أثناء فترات غيابه عن الكرسي المرقسي التي تكرّرت خمس مرّات ولمدّة تقترب من 19 سنة بسبب النفي والابتعاد عن خطر الأريوسيين المجرمين، فكان يستغلّها أيضًا في الكتابة؛ إذ كان يؤمن أنّ غمامة الاضطهادات والاضطرابات ستزول، ولكنّ الكلمة الإلهيّة لا يمكن أن تزول، بل ستظلّ نورًا وغذاءً وقوّةً للأجيال.. فكتب مجموعة كتابات ضدّ الأريوسيين يفنِّد فيها كلّ أكاذيبهم وادعاءاتهم، ويردّ عليهم بمئات الآيات من الكتاب المقدّس التي تكتسح أفكارهم الشريرة وتؤكّد ألوهيّة السيّد المسيح، كما يشرح فيها الآيات التي كانوا يستخدمونها شرحًا وافيًا منطقيًّا سليمًا، من أجل تثبيت المؤمنين وتوضيح المعاني النقيّة لهم..

وكلّ هذه الكتابات لا تزال موجودة لدينا، وقد تُرجِمَت للّغة العربيّة أيضًا، وأدعو الجميع لمطالعتها.

هكذا آمن القديس أثناسيوس بقوّة الكلمة، فكانت غذاءه وعزاءه وسلاحه أيضًا في مواجهة عُنف الأشرار ودهائهم.. وانتصر القديس أثناسيوس لأنّه استند على كلمة الله.. استند على محبّة المسيح ومعرفته.. استند على نور الحقّ.. استند على كلمة حيّة لا تزول..!


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx