اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون16 يونيو 2017 - 9 برموده 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 23-24

اخر عدد

الجسَد

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

16 يونيو 2017 - 9 برموده 1733 ش

الجسد هو تركيبة فنية رائعة، تدل على قدرة الله..

يكفي أن ننظر إلى المخ وكيف يعمل، وما علاقته بباقي الأعضاء؟ وإذا تلف لا يستطيع أمهر الأطباء أن يعيده إلى حالته الأولى!! أو نتأمل القلب أيضًا وكيف يعمل، وما علاقته بالمخ، وما علاقة كليهما بالحياة! أو ننظر إلى العمل الدقيق الذي للكبد أو للكلى، أو للجهاز الهضمي في الإنسان وأجهزة الهضم والتمثيل، والدم وعلاقته بكل الجسد! في كل ذلك نرى عجبًا، ونمجد الخالق الذي خلق الجسد بهذه الدقة العجيبة..

لأجل هذا كان الطب يُدرّس قديمًا في كليات اللاهوت، لأن تركيب كل عضو من أعضاء الجسد، وكذلك علم وظائف الأعضاء، إنما يدلان على عظمة الخالق في ما خلق..

ولكن على الرغم مما يُقال عن علاقة الجسد بالخطية، نؤكد:

أن الجسد ليس خطية في ذاته..

+ وهذا واضح تمامًا. لأنه لو كان الجسد خطية، ما كان الله قد أوجده، لأن الله لا يخلق خطية. بل العكس حينما أتم الله صنع الجسد للإنسان الأول «وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا» (تك1: 31). ولقد كان آدم وحواء بعد خلقهما في منتهى الطهارة والبساطة، يقدمان مثالًا عن الجسد الأول حسبما خلقه الله..

+ أيضًا لو كان الجسد خطية ما كان السيد المسيح قد أخذ لنفسه جسدًا. وما كنا نكرم أجساد القديسين، وما كنا نبني كنائس على رفاتهم، ونعتبر مجرد عظمة واحدة منهم بركة عظيمة..

+ ولو كان الجسد خطية، ما كان الرسول يقول «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟.. أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ» (1كو6: 15، 19؛ 3: 16).

+ ولو كان الجسد خطية، ما كان يولد في المعمودية بلا خطية مقدسًا! وما كان الكتاب يقول إن «كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ» (غلا3: 27). ولو كان الجسد خطية، ما كنا نستطيع أن نتناول من سر الإفخارستيا المقدس!

+ ولو كان الجسد خطية، ما كان الرب يسمح بقيامة الجسد بعد موته..!

إن كان الأمر هكذا، فلماذا قيلت أمور صعبة عن الجسد؟

لماذا هاجم الكتاب السلوك حسب الجسد؟ فقيل «لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ» (رو8: 1).. ولماذا قيل «لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ. لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ ِللهِ» (رو8: 6، 7).

ولماذا قيل «فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ» (رو8:8). وأيضًا «لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ» (رو8: 13).

وأيضًا القديس يوحنا الرسول، في رسالته الأولى، قد قال: «إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ» (1يو2: 15، 16).

ماذا إذن عن كل هذه التعبيرات في مهاجمة الجسد: شهوة الجسد، أعمال الجسد، اهتمام الجسد، السلوك حسب الجسد..؟

إن الجسد يُعتبَر خاطئًا، إذا قاوم الروح..

أو إذا نفّذ عوامل نفسية منحرفة.

وعندما قال الرسول «اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ..» (غلا5: 16، 17)، إنما يتكلم عن الجسد إذا انحرف وقاوم الروح..

ولكن ليس كل جسد منحرفًا، ولا كل جسد مقاومًا للروح..

فالقديسون لم تكن أجسادهم منحرفة، ولا كانت أجسادهم تقاوم الروح. ولا شك أن هناك أجسادًا طاهرة، أجسادًا بارة ومقدسة، أجسادًا تائبة، وأجسادنا خادمة. وأجساد الشهداء كانت في أعلى مستوى، تبذل ذاتها..

وقد قال السيد المسيح – في عظته على الجبل: «سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا» (مت6: 23). إذن فهناك أجساد نيرة، أو من الممكن أن تكون نيّرة..

مشكلة الجسد هو علاقته بالمادة، إذ قد خُلِق من تراب (تك1: 7).

أمّا الروح فهي نسمة الحياة التي نفخها الله في ذلك التراب.. لذلك فالجسد له حروبه المادية. فإن انتصر في هذه الحروب، يمجده الله. وعلى الرغم من علاقة الجسد بالمادة، إلا أنه ليس بالضرورة يكون ماديًا، إنما يمكن أن يرتفع فوق مستوى المادة، إذا أتبع نصيحة الرسول حينما قال «أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ» (1كو9: 27). وهنا جهاد الجسد ونصرته ومجده.. وهنا يسلك الجسد حسب الروح.

الجسد أيضًا له غرائزه. ولكن ليس هذه الغرائز خطية في ذاتها. ما أسهل وأجمل أن تُستخدم في الخير. لكنها إذا انحرفت تخطئ.. ليس العيب إذن في غرائز الجسد، إنما العيب في انحرافها..

والمقصود بشهوة الجسد، هي شهوته إذا انحرفت نحو المادة، أمّا إذا سار حسب قيادة الروح، حينئذ تكون شهواته روحية وأعماله روحية..

الجسد قد يخطئ. والروح أيضًا قد تخطئ..

الروح قد تخطئ وحدها. وقد تجعل الجسد يخطئ معها، وبسببها.

+ والدليل على خطأ الروح، أننا نصلي في تحليل الساعة الثالثة قائلين للرب "طهرنا من دنس الجسد والروح"، كما نقول في القداس الإلهي "طهرنا من دنس الجسد والروح" كما نقول في القداس الإلهي "طهَر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا..". إذن الروح يمكن أن تتدنس وتحتاج إلي تطهير..

+ بل إن أول خطية في العالم كانت خطية روح (أعني الشيطان). وذلك حينما قال في قلبه «أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ.. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ» (أش14: 13، 14).

+ وهكذا كانت الكبرياء خطية للروح، لأن الشيطان روح وليس له جسد. كذلك وقع الشيطان – وهو روح – في خطية الجسد. ما نقول للرب في القداس الإلهي "والموت الذي دخل إلى العالم بجسد إبليس هدمته. والشيطان أيضًا وهو روح، وقع في خطية الكذب والخداع حينما قال لأمنا حواء «لَنْ تَمُوتَا..» (تك3: 4). وقد قال الرب عن الشيطان إنه «كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ» (يو8: 44).

+ والدليل أيضًا على أن الروح يمكن أن تخطئ وحدها، هو قول الكتاب عن الشياطين إنهم «أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ» و«أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ»..

على أن الروح حينما تخطئ، قد تجر الجسد معها في الخطية.

+ الروح مثلًا قد تبدأ بالكبرياء، ثم تشرك الجسد معها، فيجلس أو يمشي بكبرياء، ويتكلم بالكبرياء. وتظهر الكبرياء في ملامحه وصوته.

+ وهل يحسب البعض أن خطية أبوينا الأولين كانت مجرد خطية جسد بالأكل من الشجرة المحرمة؟! كلا، بدأت كخطية روح بشهوة الألوهية وشهوة المعرفة، حسب إغراء الحية لهما بعبارة «بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ» (تك3: 5).. حينئذ لما دخل هذا الإغراء إلى الروح «فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ..» (تك3: 6).

+ نفس الأمر بالنسبة إلى قايين بدأت الخطية في روحه، قبل أن تتحول إلى الجسد، حيث قام على أخيه هابيل وقتله (تك4).

+ بالمثل حسد أخوة يوسف له، سبق إلقاءه في البئر وبيعه (تك37)

وعلى الرغم من كل ذلك، يمكن استخدام الجسد في الخير:

وهكذا تُرفع اليدان في الصلاة، وتنحني الركبتان في الركوع وفي السجود، ويشترك الجسد مع الروح في العبادة.

ويتعب الجسد في عمل الخير، وفي افتقاد الآخرين، كما كان يفعل القديس بولس الرسول «بِأَسْفَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً» «فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ، فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ، فِي السُّجُونِ» (2كو11: 26، 23). بالإضافة إلى ما احتمله جسده في الخدمة وفي الشهادة للرب حيث قال «مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ، مَرَّةً رُجِمْتُ..» (2كو11: 24، 25).

والجسد يفعل الخير أيضًا، بالتضحية وبذل الذات، وفي التبرع بدمه، أو تقديم أحد أعضائه في عملية جراحية لإنقاذ حياة إنسان..

وعلى العموم، فإن الجسد يعبر عن فضائل الروح، ويشترك معها في فضائلها..

ولذلك ما أجمل تلك العبارة التي قالها القديس بولس الرسول: «فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (1كو6: 20).

يا ليتنا إذن نفكر عمليًا كيف يمكننا أن نمجد الله في أجسادنا التي هي لله.. بأجساد طاهرة تنفذ مشيئة الله في حياتها.

إذا كانت الأجساد تمجد الله، فإن الله سيمجدها أيضًا. وكيف؟

تجلي الأجسَاد:

من اهتمام الله بالجسد، دبّر له أن يتجلى هنا وفي الأبدية.

هنا – على الأرض – كما حدث مع إيليا النبي الذي ارتفع في مركبة نارية إلي السماء، ومثل الثلاثة فتية في أتون النار، الذين لم يكن للنار تأثير على أجسادهم.

أمّا في الأبدية، فإن الأجسام ستُقام في مجد (1كو15: 43) «عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ» (في3: 21) ستقام أجسادًا روحانية غير مادية (1كو15: 44). مجرد قيامة الجسد يعني تمتعه بالأبدية والخلود.

لو كان الجسد شرًا، لكان يكفي موته للتخلص منه. أما أن يقوم من الموت، ويتمتع بالأبدية في أورشليم السمائية حيث «مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ» (رؤ21: 3)، فهذا دليل علي قيمة الجسد وتمجيده.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx