مولده:
وُلِد باسم بخيت سيداروس في يوم 6 يناير 1858م بقرية دير تاسا، مركز البداري، محافظة أسيوط. حيث تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب بكُتاب القرية حسب عادة ذلك الزمن.
وفي سن مبكرة تاقت نفسه للحياة الرهبانية، فغادر مسقط رأسه سنة 1875م قاصدًا دير السيدة العذراء الشهير بالبرموس. وهناك استقبله أمين الدير يومئذ الراهب عوض البرهيمي الضرير صاحب السيرة الحسنة، حيث قبله تلميذًا وسلمه مبادئ الحياة الرهبانية.
رهبنته ورئاسته للدير:
وبعد ما اجتاز فترة الاختبار كُرِّس راهبًا سنة 1876م باسم الراهب يوحنا البرموسي، وسيم قسًا 1877م. وبعد أن رُسِم القمص ميساك المحرقي رئيس دير البرموس وقتئذ أسقفًا على إيبارشية منفلوط وأبنوب باسم الأنبا بطرس (1878-1903م)، استدعى البابا كيرلس الخامس الـ112 (1874-1927م) الراهب القس يوحنا البرموسي ورسمه قمصًا ثم عينه رئيسًا للدير في نفس السنة 1878م. فخدم الدير كرئيس حوالي تسع سنوات، وبذل كل جهده في تنمية موارده الاقتصادية وخدمة الرهبان بصفة عامة.
رسامته أسقفًا:
في يوم الأحد 13 مارس سنة 1887 رسمه البابا كيرلس الخامس أسقفًا لإيبارشية البحيرة باسم أنبا يوأنس، على أن يُقيم بمدينة الإسكندرية كالعادة التى سنها البابا كيرلس الرابع الـ110 لأساقفة البحيرة عند رسامة سلفه أنبا مرقس مطران البحيرة سنة 1854م.
وفي سنة 1894م عندما تنيح أنبا يوأنس مطران المنوفية بعد سنوات طويلة قضاها في المرض وفقدان البصر، أسند له البابا كيرلس الخامس الإيبارشية المترملة، فصار لقبه: "مطران البحيرة والمنوفية ووكيل الكرازة المرقسية في الإسكندرية"، ثم فيما بعد حُذِفت "في الإسكندرية"، أي صار وكيلًا عامًا للبابا في كل بلاد الكرازة المرقسية وليس في مدينة الإسكندرية فقط.
خدم بلاد إيبارشيته المترامية الأطراف، فبنى حوالي 30 كنيسة جديدة، وجدد الكنائس القديمة. كما خدم ديره في سنى مطرانيته، حيث بذل جهودًا جبارة لإخراج الماء العذب من بطن الأرض، فأنشأ حديقة جميلة بوسط الدير، وبنى قصرًا منيفًا بوسط الحديقة سنة 1911م.
أمّا في الثغر الإسكندري فبنى المدرسة المرقسية الثانوية على أنقاض الكتاب القديم الذي ملحقًا بالكنيسة المرقسية بالثغر، كما أنشأ مدرستين ابتدائيتين الواحدة للبنين والأخرى للبنات. كما ابتاع 24 فدانًا أوقف ريعها لصالح الأسر المستورة بتلك المدينة.
اهتمامه بالتكوين اللاهوتي للرهبان:
أنشأ سنة 1899م بمقر إقامته بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية (أو ما كان يُعرف بالدير المرقسي) مدرسة لاهوتية للرهبان، ووضع لها قانونًا (نظامًا). كان يوليها عنايته ويشرف على برامجها بنفسه، وتشجيعًا لطلبتها أرسل أربعة من النابغين منهم الى مدرسة ريزاريو الإكليريكية Ριζάρειο بأثينا باليونان في بعثة تعليمية على نفقته الخاصة، وهم: الراهب ميخائيل الباجوري المقاري، والراهب حنا خليل البرموسي (فيما بعد المتنيح أنبا لوكاس مطران قنا وقوص +1930م)، والراهب ميخائيل السرياني، والراهب إقلاديوس الأنطوني (فيما بعد قداسة البابا يوساب الثاني الـ115 [1946-1956م])، حيث عاد كلٌ منهم لخدمة الكنيسة بمرافقها المتنوعة.
ومما هو جدير بالذكر أنه بعد توليه مهام البطريركية، نقل هذه المدرسة لحلوان وافتتحها رسميًا يوم الاثنين 4 مارس 1929م بحضور عدد من أحبار الكنيسة وقتها. وقد أسند رئاسة المدرسة للشماس الإكليريكي ميخائيل مينا (فيما بعد المتنيح القمص ميخائيل مينا البرموسي +1956م)، وكان عدد الطلبة في سنتها الأولى 25 راهبًا، واستمرت هذه المدرسة في رسالتها حتى أوائل ستينيات القرن المنصرم.
نائبًا بطريركيًا وترشيحه للبطريركية:
بعد نياحة البابا كيرلس الخامس يوم الأحد 7 أغسطس 1927م، انتخبه المجمع المقدس في يوم الأربعاء 10 أغسطس نائبًا بطريركًا (أي قائمقام بلغة ذلك الوقت). وبعد الانتخابات التى تمت يوم الجمعة 7 ديسمبر 1928م، والتى فاز فيها الأنبا يوأنس بـ70 صوت من الـ85 صوت الذين كان لهم حق التصويت وقتها، فأُعلِن اسمه بصفته الخليفة الـ113 لمار مرقس، وبعد أن اقترح بعض الأساقفة أن يصير اسم البابا الجديد "البابا ديمتريوس الثالث"، عادوا وعدّلوا عن رأيهم وتسمّى "البابا يوأنس التاسع عشر".
تنصيبه بطريركًا:
تمت صلوات التنصيب بالكنيسة المرقسية بالأزبكية صباح يوم الأحد الأول من شهر كيهك الموافق 7 كيهك 1645ش/ 16 ديسمبر 1928م بمشاركة 14 مطرانًا من أحبار الكنيسة، وبحضور ممثلين عن الطوائف المسيحية المتنوعة بمصر، ومندوبي الملك فؤاد الأول ورجال الدولة والرسميين.
أعماله في البطريركية:
بدأ البابا خدمته في البطريركية بالإهتمام بالحبشة، فرسم مطرانًا مصريًا لها (وهو الأنبا كيرلس) مع أربعة أساقفة أحباش لمساعدته في خدمة هذه البلاد الواسعة. ثم زارها في الفترة من ديسمبر 1929- يناير 1930م. على رأس وفد كنسي كبير، رسم خلالها ولأول مرة الأتشجي (رئيس عام الرهبنة الأثيوبية) أسقفًا باسم الأنبا ساويروس وذلك يوم الخميس 9 يناير 1930م. كما قدس زيت الميرون المقدس مرة خاصة لها سنة 1931م.
كما قام برسامة أساقفة للكراسي الشاغرة فرُسِم في أيامه 17 أسقفًا، أولهم كان الأنبا كيرلس مطران أثيوبيا في 2 يونيو 1929م. بينما كان آخرههم الأنبا باسيليوس مطران إسنا والأقصر وأسوان في 25 أكتوبر 1936م. وكان أحدهم الشهيد الأنبا بطرس أسقف مقاطعة واللو بأثيوبيا (+ 5 أغسطس 1936م).
قدس زيت الميرون المقدس سنة 1930م بعد 110 سنة، حيث كانت آخر من قدّس الميرون قبله البابا بطرس السابع الـ109 الشهير بالجاولي سنة 1820م. كما عاد وقدسه للمرة الثانية في السنة التالية لصالح كنيسة أثيوبيا خصيصًا.
سافر قداسته لزيارة أوروبا أكثر من مرة، أولها كانت في صيف 1905م للسياحة والاستشفاء بمياه Carlsbad (بجمهورية التشيك حاليًا) حيث قضى هناك زهاء الشهرين. وأعاد الكرة في صيف 1907م وصيف 1925م حيث رافقه في المرة الأخيرة كلًا من الأنبا توماس مطران المنيا والأشمونين (1905-1928م) والقمص مينا المحلاوي رئيس دير البرموس (1917-1925م).
أمّا في أيام بطريركيته فقد سافر مرتين لأوروبا، الأولى لمدة شهر في صيف 1935م، والثانية لمدة إحدى عشر يومًا لليونان للاستشفاء أيضًا في صيف 1938م. حيث التقى بغبطة رئيس أساقفة أثينا وسائر بلاد اليونان المطران خريسوستموس الأول باباذوبولوس (1923-1938م).
كما كان يتمتع بعلاقة طيبة وقوية مع سائر رؤساء الطوائف المسيحية بمصر، وخصوصًا ببطريرك الروم الأرثوذكس بالإسكندرية غبطة البطريرك نيقولاوس الخامس (1936-1939م).
كان البابا يوأنس يتميز بحبه للإحسان والعطف على الفقراء، فقد سمح الله والتقيت في منتصف تسعينيات القرن الماضي بقيّم (قرابني) كنيسة الشهيد العظيم مار مينا بالمندرة بالإسكندرية والذي كان صبيًا وقت بطريركية البابا يوأنس، وقد شاهده مرات كثيرة بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وقد حكى ليّ العديد من أعمال البابا في مجال الإحسان والعطف على الفقراء والمساكين في الخفاء تطبيقًا لوصايا الإنجيل.
وأخيرًا، وبعد أن أكمل سعيه وجهاده الصالح رقد في الرب بسلام فجر يوم الأحد 21 يونيو 1942م.
