اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون28 يوليه 2017 - 21 أبيب 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 29-30

اخر عدد

صلاة داود النبي.. "افعل كما نطقت" (2صم 7: 25)

نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا

28 يوليه 2017 - 21 أبيب 1733 ش

بعد أن أراحه الرب من من كل الجهات، اشتهى داود النبي أن يبني للرب الذي أحبه بيتًا ليسكن فيه وسط شعبه، وصرّح برغبته المقدسة هذه لناثان النبي، الذي لما سأل الله عن طلبة الملك داود لم يقبلها الله، بل قال له: أنت لا تبني لي بيتًا، ولكن ابنك الذي يخرج من أحشائك هو يبني بيتًا لاسمي (2صم7: 15).. كانت طلبة داود مقدسة تعبّر عن اشتياقات قلبه وشعوره بالعرفان لله الذي دبّر حياته من كل الجهات، وعندما رفضها الرب لم يتذمر داود، ولم يعترض أو يسال: لماذا رفض الرب طلبتي؟ لكنه استمع في خضوع لكلمات الرب، وابتدأ يصلي في خضوع، صلاة خشوعية تحمل الكثير من المعاني الروحية. وهذه هي قصة حياتنا على الأرض، ففي مرات كثيرة تكون لنا رغبات واشتياقات طيبة قد يرفضها الله وربما يؤجلها، وهو في هذا لا يرفض طلباتنا لأنها خاطئة، بل لأجل اختبار هام ينبغي أن نجتازه، وهو اختبار الموت عن المشيئة الشخصية... فكيف اجتاز داود النبي هذا الاختبار؟ هذا هو موضوع تأملنا.. ابتدأ داود يصلي إلى الرب في (2صم7)، وكانت صلاته عجيبة، وتحمل رسالة خاصة لنا ولكل من لهم عمل في الكنيسة: كيف نموت عن مشيئتنا الشخصية؟

1- اتضع داود أمام الرب وصلى: «مَنْ أنا يا سيِّدي الرَّبَّ؟ وما هو بَيتي حتَّى أوصَلتَني إلَى ههنا؟».. ويكرّر داود في صلاته مرات عدّة «يا سيدي الرب»، فالإنسان لكي يتعلم الخضوع لمشيئة الرب لابد أن يتضع.

2- بدأ داود يتذكر نعم الرب وإحساناته من جهته ومن جهة شعبه: «وثَبَّتَّ لنَفسِكَ شَعبَكَ إسرائيلَ، شَعبًا لنَفسِكَ»، وصلاته لم يرد فيها كلمة عتاب واحدة من جهة طلبه الذي رفضه الرب، كما لم يرد فيها ولا تساؤل واحد: لماذا رفض الرب طلبته!!!

3- قَبِل داود بكل رضى مشيئة الرب، ولم يتمسك برغبته الشخصية: «والآنَ أيُّها الرَّبُّ الإلهُ... افعَلْ كما نَطَقتَ»، فربما بعض الرغبات الطيبة تُخفي ورائها بعض الكبرياء أو محبة المجد والكرامة.

4- لم يطلب داود النبي لنفسه طلبة واحدة بل ختم صلاته هكذا: «ليَتَعَظَّمِ اسمُكَ إلَى الأبدِ... وبارِكْ بَيتَ عَبدِكَ ليكونَ إلَى الأبدِ أمامَكَ» (26- 29).

وكان داود بطلبته هذه يؤسس منهجًا روحيًا فريدًا باختبار الموت عن المشيئة الشخصية، وهذا المنهج يتلخص في عدة أمور:

ا) اختار داود أن يحتفظ بسلامه وسلامة مملكته بطاعة الرب، فكثيرًا ما تكون للخدام الروحين رغبات طيبة، ولكنها ربما لا تحافظ على سلام الكنيسة، وتسبّب عثرات داخلها، وقتها يحتاج الإنسان أن يتعلم كيف يتنازل عن رغبته مهما كانت فوائدها. فسلام البيت وسلام الكنيسة هما أفضل من أيّة مشاريع أو إنجازات، لأن ثمر البر يُزرَع في السلام، فقد اختار داود ان يبني نفوس شعبه، وتكون مملكته مباركة من الرب، حتى ولو تنازل عن رغبته في بناء البيت.

ب) فرح داود أن تتم مشيئة الرب، حتى وإن كانت من خلال غيره (ابنه سليمان)، وابتدا يعدّ كل ما سيحتاجه ابنه لبناء البيت، فقد اختار الرب أن يحقق إرادته من خلال ابنه لا من خلاله، وقد كان داود يعلم جيدًا أنه لا به ولا بابنه يُبنى البيت، فالله هو الباني الحقيقي، وكان دائما يرنم «إنْ لَمْ يَبنِ الرَّبُّ البَيتَ، فباطِلًا يتعَبُ البَنّاؤونَ» (مز127: 1).

ج) أعدّ داود كل ما يلزم للبناء، حتى دون أن يفهم لماذا رفض الرب طلبته لبناء الهيكل، إلى أن جاء وقت وأعلن الله له السبب، لأنه كان رجل حروب سفك كثيرًا من الدماء (1اخ22: 8). فلم يتوقف داود عن العمل، ولم يغضب لأن الرب رفض طلبه.

د) رفع داود عينيه عن الأشخاص ورأي الرب وحده هو صاحب العمل، ومتمّم الاشتياقات، فلم يهتم لمن يُنسَب مجد البناء، بل فرح بتمجيد اسم الرب وسكناه وسط شعبه.

ه) اختيار التخلّي عن مشيئتنا حتى وإن كانت طيبة يحفظ لنا وعد الرب الذي وعد به عبده داود عن ابنه سليمان «فأجعَلُ سلامًا وسَكينَةً في إسرائيلَ في أيّامِهِ» (1أخ22: 9).

وهكذا نحتاج ان نتعلم ضرورة الموت عن المشيئة، حتى وإن كانت الرغبات مقدسة. ليهبنا الرب سلامًا وسكينة في خدماتنا وبيوتنا وكنائسنا ومؤسساتنا، فنفرح بالرب وبعمله في بيته على الدوام.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx