في علاقة الله مع الخليقة العاقلة وجدنا أن الابن باعتباره "كلمة الله" فله خاصية "الإعلان"، وقال عنه معلمنا بولس الرسول «الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ» (كو1: 15). وحتى السيد المسيح نفسه قال عن نفسه «الَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ» (يو14: 9). وقال أيضًا عنه بولس الرسول بالنسبة للآب «الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ أقنوْمهِ» (عب1: 3). فالابن يعلن عن الآب غير المنظور.

أما "الروح القدس" فله خاصية "الإلهام". لذلك عندما قال بطرس للسيد المسيح «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ» (مت16:16). فقال له «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (مت16: 17). أي أن الآب يلهم عن الحقائق الإلهية بواسطة الروح القدس. لذلك قال بولس الرسول «وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: يَسُوعُ رَبٌّ إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ» (1كو12: 3). وقيل عن النبوات «لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بط1: 21). أي أن كل النبوات التي وردت في الكتاب كانت بوحي من الروح القدس. وقيل أيضًا «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ» (2تي3: 16).

وقال السيد المسيح عن الروح القدس «وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ» (يو16: 13-14)، «وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ» (يو14: 26). أي أن وعد السيد المسيح لتلاميذه أن الروح القدس سيلهمهم في كتابة أسفار العهد الجديد: الأناجيل الأربعة، وسفر أعمال الرسل، والرسائل البولسية، والرسائل الجامعة، وسفر الرؤيا.

وفي ختام سفر الرؤيا يقول الرب «أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ. وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ. وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ. وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا. لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هَذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هَذَا يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هَذِهِ النُّبُوَّةِ يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هَذَا الْكِتَابِ» (رؤ 22: 16-19). وفي السبع رسائل إلى الكنائس السبع قال السيد المسيح في كل رسالة في الرؤيا «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ» (رؤ2: 7 و11 و17 و29؛ 2: 6 و13 و22).

والقديس يوحنا الرسول يحذرنا لمعرفة الروح القدس الحقيقي والوحي الصادق فيقول «أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ ... بِهَذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ» (1يو4: 1-2).

وقال بولس الرسول عن الروح القدس «الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ» (1كو2: 10-11).