اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون11 أغسطس 2017 - 5 ميسري 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 31-32

اخر عدد

الاطمئنَان القَلْبىُّ

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

11 أغسطس 2017 - 5 ميسري 1733 ش

الاطمئنان جزء من السلام، والسلام هو من ثمر الروح (غلا5: 23) هو من عمل الله لأجل الإنسان. إذ يسكب السلام في قلبه، فيطمئن.
والشخص المطمئن لا يخاف، ولا يقلق، ولا يضطرب، ولا يتصور أهوالًا سوف تحدث، بل باستمرار يكون قلبه هادئًا وفكره هادئـًا، يملك السلام عليه، مهما كانت الظروف الخارجية الضاغطة.
هوذا داود النبي يقول «إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي. وإن قام عليّ قتال، ففي هذا أنا مطمئن» (مز27).. إنه مطمئن ليس في ظروف عادية، إنما مع وجود حرب; وجيش وقتال!. وهكذا لم تستطع كل هذه الظروف الخارجية أن تؤثر عليه أو أن تنزع منه اطمئنانه.. فكيف حدث له كل هذا؟ نبحث عن السبب، فنجد في مزمور الراعي إذ يقول فيه «الرب يرعاني فلا يعوزني شيء.. إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي».. فشعوره أن الله معه، وأن الله يرعاه، جعله يكون مطمئنًا لا يخاف شرًا، حتى في وادي ظل الموت. وهنا نخرج بقاعدة هامة وهى:
الإيمان برعاية الله، هو السبب الأول للاطمئنان...
فالشخص المؤمن يملك السلام على قلبه، إذ هو يستمع دومًا إلى قول الرب «سلامي أترك لكم. سلامي أنا أعطيكم.. لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع» (يو14: 27).
نلاحظ نفس الوضع في مواجهة داود لجليات الجبار: كان داود في ذلك الوقت فتىَ حديث السن. وكان جليات رجلًا ضخمًا في جسمه، مرعبًا في تهديداته، قويًا جدًا في أسلحته. وكان الجيش كله خائفًا منه، حتى الملك شاول نفسه. أما الفتى داود فكان مطمئنًا جدًا لملاقاته في حين أنه لم يكن يملك سوى المقلاع وحصوات ملساء. ومع ذلك فهو يقول لذلك الجبار «اليوم يحبسك الرب في يدى فاقتلك.. لأن الحرب للرب» (1صم17: 46، 47)... لقد ذهب داود لملاقاة جليات الجبار، وهو مطمئن للنتيجة، مؤمنًا أن الله سوف يحبسه في يده. وحدث هذا فعلًا، وانتصر داود بإيمانه ولم يخف...
+       +       +
حقًا إنه بالإيمان يطمئن الإنسان، إذ يؤمن بأن الله موجود، وأنه يعمل، وأنه الحافظ والمعين. ويؤمن أن الله يهتم به أكثر مما يهتم هو بنفسه. ويؤمن أن حياته في يد الله، وليست في أيدى الناس. حتى إن كان أكثر من شعر رأسه الذين يبغضونه بلا سبب (مز69: 4).
نعم، إنك إن شعرت أن حياتك في أيدى الناس، فسوف تخاف مما يفعلونه بك. أما إن آمنت بأن حياتك في يد الله، فلن تخاف أبدًا.. إن فقدت الشعور بحماية الله لك وعنايته بك، ستعيش مضطربًا. وعلى رأى القديس اوغسطينوس – حينما قال في اعترافاته للرب "سيظل قلبي قلقًا إلى أن يجد راحته فيك". أما في إيمانك بأن حياتك في يد الله الحافظ المعين، فإنك تستطيع أن تردد قول المزمور: «الرب عوني فلا أخاف. ماذا يصنع بي الإنسان؟!» (مز118).
+       +        +
يساعد أيضًا على الاطمئنان، معاشرة المؤمنين المطمئنين.
أمام البحر الأحمر، كان الشعب خائفًا. البحر أمامه، وفرعون قد زحف ضدهم بجيشه.. أما موسى النبي فكان مطمئنًا جدًا، لا يزعجه البحر، ولا فرعون ولا جيشه. كان واثقًا من عمل الرب. ولذلك قال للشعب «لا تخافوا وأنظروا خلاص الرب.. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون» (خر14: 13، 14). واطمئنان موسى انتقل إلى الشعب فاطمأنوا. وإيمانه أيضًا انتقل إليهم في أن الله يشق البحر أمامهم، فيدخلون إلى البحر ويعبرون.
حقًا، إن العامل النفسي يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر...
الاطمئنان يمكن أن ينتقل من إنسان إلى غيره، وكذلك الخوف يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر.. يقف شخص مرتعب وسط الناس ويقول لهم "أما علمتم بالأخطار المحيطة بنا؟ سيحدث كذا وكذا". تجد أن الكل قد ارتعبوا أيضًا". بينما إنسان آخر مطمئن يقول لهم "لن يحدث شيء من هذا كله. إن الله سيتدخل ويصلح الأمر كله". فيهدأ الناس ويطمئنون.. 
في أيام ألشيع النبي. كان جيش الأعداء محيطًا بالمدينة بخيل ومركبات. وانزع غلامه جيحزي. أمّا أليشع فكان مطمئنًا، وقال لغلامه «لا تخف، لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم» (2مل6: 15، 16). فانتقل إيمان اليشع إلى غلامه جيحزي، وفتح الرب عينيه، قرأى المعونة الإلهية واطمأن.
+       +        +
مما يجلب الاطمئنان أيضًا: تذكر وعود الله.
إبراهيم أبو الآباء والأنبياء، وعده الله بأنه من اسحق سيكون له نسل، وأن نسله سيكون في عدده كنجوم السماء ورمل البحر في الكثرة. ومع ذلك أمره الله يقدم ابنه وحيده اسحق محرقة. فمضى لينفذ هذا الأمر، ووضع على المذبح هذا الابن، ومدّ يده بالسكين ليذبحه (تك22: 10). وفي هذا كله كان إبراهيم مطمئنًا إلى وعد الله.. كان واثقًا تمامًا أنه مع ذبح اسحق، الله قادر أن يقيمه من الموت ويعطيه منه نسلًا كنجوم السماء ورمل البحر (عب11: 19).
وبالثقة في وعود الله، دخل أبونا نوح مع أسرته إلى الفلك في وقت الطوفان، وارتفعت المياه جدًا حتى غطت الجبال. ولكن نوحًا كان مطمئنًا إلى أن الفلك سيرسو مرة أخرى على الأرض، ويخرج هو منه ويعيش.. وقد كان كما آمن (تك8). ووعد الله لنوح جعله مطمئنًا مهما كان الطوفان ومياهه التي اكتسحت كل شيء...
لذلك لكي تكون مطمئنًا وسط الأهوال، تذكر وعود الله: تذكر وعده «ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر» (مت28: 20). وأيضًا قوله «حتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة، فلا تخافوا» (مت10: 30؛ لو12: 7). ووعده أيضًا بأنه إن نسيت الأم رضيعها لا ينسانا (إش49: 15). وقوله أيضًا «سلامي أترك لكم.. لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع» (يو14: 27).
لذلك، فإن داود النبي – من جهة وعود الله – يقول للرب في المزمور «اذكر لعبدك كلامك الذي جعلتني عليه أتكل، هذا الذي عزّاني في مذلتي، لأن قولك أحياني» (مز119: 49، 50).
+       +       +
إذًا نتذكر وعود الله فنطمئن ولا نخاف. ولكن ماذا عن الذين يفقدون اطمئناتهم أحيانًا ويخافون؟
إن الذين يخافون، الله يعزيهم ويقويهم ويطمئنهم.
يعقوب أبو الآباء، هرب من وجه أخيه عيسو، وخاف من أن يتبعه فيقتله. ولكن الرب طمأنه في رؤيا السلم السمائي وقال له «ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردَك إلى هذه الأرض» (تك28: 15).
ويشوع كان خائفًا بعد موت موسى النبي، فشجعه الرب قائلًا له «لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى أكون معك لا أهلكك ولا أتركك: تشدد وتشجع» (يش1: 5، 6).
وإرميا كان خائفًا لأنه صغير السن، فشجعه الله قائلًا «هأنذا قد جعلتك مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الأرض.. يحاربوك ولا يقدرون عليك لأني أنا معك – يقل الرب – لأنقذك» (إر1: 18، 19).
إن الله مع القصبة المرضوضة والفتيلة المدخنة. والوصية تقول «شجعوا صغار النفوس. أسندوا الضعفاء. تأنوا على الجميع» (1تس5: 14).
+       +        +
مما يجلب الاطمئنان أيضًا: أن يكون الإنسان قوي القلب.
القديس أثناسيوس قيل له "العالم كله ضدك". فلم يخف بل قال "وأنا ضد العالم". كان واثقًا من إيمانه. والقديس بولس قال «حاربت وحوشًا في أفسس». ولم يخف لأن الرب كان معه. وقال له «لا يقع بك أحد ليؤذيك» (أع18: 10). والآباء في البرية، كانوا أقوياء القلب. لم يخافوا من وحوش البرية، ولا من دبيب الأرض، ولا من حروب الشياطين. 
لذلك كن قويًا ولا تخف. وليمتلئ قلبك بالسلام والاطمئنان.
+       +       +
إن حياة الاطمئنان تعطى صاحبها خبرات مع الله.
خبرات من جهة معونته ورحمته وعمل نعمته فينا. وأيضًا خبرات من جهة حفظه ورعايته وقدرته...
هوذا المرتل يقول في المزمور «لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء عند سخط غضبهم علينا.. نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا. عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض» (مز123).
وهكذا في مزمور آخر يقول عن عمل الله «دُفعتُ لأسقط، والرب عضدني. قوتي وتسبحتي هو الرب، وقد صار لي خلاصًا» (مز117).
لهذا فإن الاطمئنان، نتيجة لعمل الرب وحفظه وستره، كل ذلك يدفع إلى حياة الشكر والتسبيح. وأيضًا الشعور بأنه بدون الله لا يستطيع الإنسان أن يعمل شيئـًا. وهكذا يقول «إن لم يبنِ الرب البيت، فباطلًا تعب البناءون. وإن لم يحرس الرب المدينة فباطلًا سهر الحارس» (مز126).



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx