اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون11 أغسطس 2017 - 5 ميسري 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 31-32

اخر عدد

افْرَحُوا كُلَّ حِينٍ

قداسة البابا تواضروس الثانى

11 أغسطس 2017 - 5 ميسري 1733 ش

الكتاب المقدس هو رساله فرح، كلمة إنجيل معناها بشارة فرح، ونجد أن الآيات الخاصة بالفرح أربعة أمثال آيات الحزن! فالنغمة الرئيسية في الكتاب المقدس هي نغمة الفرح والرجاء والأمل والسرور والبهجة والمسر.

ويوصينا القديس بولس: «ِافْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ. اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ» (1تس5: 16-18). وهذه الأفعال الثلاثة (الفرح والصلاة والشكر) مرتبطة ببعضها البعض وبحياة الإنسان. «افرحوا كل حين» فلا يصح وجود وقت عندك من غير فرح، ولا يصح وجود وقت عندك من غير صلاة، ولا يصح وجود وقت عندك بدون الشكر. هذه الأفعال الثلاثة توصّل لبعضها البعض؛ لو صليت ستشكر وبالتالي تمتلئ فرحًا. لو فرحت ستشكر وتقف لتصلي. إن شكرت، يتحول الشكر إلى صلاة ويؤول إلى فرح...

تعلمون أن أجمل رسالة كتبها بولس الرسول وتكلم فيها عن الفرح هي رسالة فيلبي، وفيها الآية الجميلة «اِفرَحوا في الرَّبِّ كُلَّ حينٍ، وأقولُ أيضًا: افرَحوا» (فيلبي4:4)، والغريب أنه كتب هذه الرسالة وهو في السجن! وهنا المعادلة الصعبه في المسيحية: أنه رغم السجن والضيق والتعب، إلّا أن روح الفرح هي الناطقة والظاهرة في حياه هذا القديس. لذلك الفرح المسيحي ليس مرتبطًا بالظروف الخارجية، بل بعمق الإنسان.

يقدم لنا الكتاب المقدس أمثلة لأفراح صحيحة وأخرى خاطئة... عندنا مثلًا الغني الغبي (لو12: 13-21)، الذي ظن أن مصدر فرحه هو ما يملكه، ورأى أن عنده حصادًا كثيرًا جدًا حتى أن المخازن لا تكفيه، ففكر أن يهدم مخازنه ويبني أعظم منها «وأقولُ لنَفسي: يا نَفسُ لكِ خَيراتٌ كثيرَةٌ، مَوْضوعَةٌ لسِنينَ كثيرَةٍ. اِستَريحي وكُلي واشرَبي وافرَحي!»، ولكن في الليلة ذاتها تؤخذ نفسه وينتهي كل شيء، فلا حصل على الفرح في الأرض ولا في السماء. البعض يفرح بقوه العضلات ويُسَرّون بالقتال مثلما يقول المزمور «شَتِّتِ الشُّعوبَ الّذينَ يُسَرّونَ بالقِتالِ» (مز68: 30). وهماك من يفرح بإشباع شهوات الجسد، وقد تكلم سليمان الحكيم كثيرًا عن مثل هذا: «بَنَيتُ لنَفسي بُيوتًا، غَرَستُ لنَفسي كُرومًا. عَمِلتُ لنَفسي جَنّاتٍ وفَراديسَ... اتَّخَذتُ لنَفسي مُغَنّينَ ومُغَنّياتٍ وتَنَعُّماتِ بَني البَشَرِ... ومَهما اشتَهَتهُ عَينايَ لَمْ أُمسِكهُ عنهُما. لَمْ أمنَعْ قَلبي مِنْ كُلِّ فرَحٍ، لأنَّ قَلبي فرِحَ بكُلِّ تعَبي... ثُمَّ التَفَتُّ أنا إلَى كُلِّ أعمالي الّتي عَمِلَتها يَدايَ، وإلَى التَّعَبِ الّذي تعِبتُهُ في عَمَلِهِ، فإذا الكُلُّ باطِلٌ وقَبضُ الرّيحِ، ولا مَنفَعَةَ تحتَ الشَّمسِ» (جا2: 4-11). ويشابه سليمان الملك أحشويرش الذي ملك على 127 كورة، وفي السنه الثالثة من حكمه عمل وليمة كبيرة لمدة ستة أشهر، وطوى الزمان أفراح الملك! وهناك فرح نذكره مره كل سنة، هو فرح الابن الضال الذي فرح بنصيبه في الميراث وبالتفاف أصدقائه حوله، وظن أن هذا الحال سيبقى، ولكن دوام الحال من المحال، وتلاشى فرحه وتبدد المال وتفرق الأصدقاء. هناك من يفرح بأباطيل العالم، بإدمان الخمور والمخدرات، بإدمان الأغاني، أو الأفلام الغير نقية والخلاعة. وكل هذه الأنماط الخاطئة من الفرح تلخصها الفلسفة القائبة: «لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت».

أمّا فرح الإنسان المسيحي الحقيقي فله أربعة مصادر أساسية، تمثل شكل الصليب...

1- الفرح بالخلاص

قاعدة فرح الإنسان المسيحي فرحه بالخلاص، قصه بعد الإنسان عن الله التي بدأت في جنه عدن، انتهت على الصليب بأن قدم الله الخلاص للإنسان ومنحه هذا الفرح بالخلاص من الخطية. «أكثَرتَ الأُمَّةَ. عَظَّمتَ لها الفَرَحَ» (إش9: 3). الفرح الأساسي للإنسان أن تُغفَر خطاياه، ومن يستطيع أن يمسح الخطية سوى السيد المسيح؟

2- الفرح بالتوبة

الفرح الثاني الذي يحافظ به الإنسان على نعمه الخلاص نسميه فرح التوبة، والذي عبّر عنه الإنجيل بدقة وبروعة في الأصحاح الخامس عشر من إنجيل معلمنا لوقا الذي يحكي فيه الرب أمثال الدرهم المفقود والخروف الضال والابن الشاطر، والخط العام في هذا الأصحاح هو الفرح بالتوبة «إنَّهُ هكذا يكونُ فرَحٌ في السماءِ بخاطِئٍ واحِدٍ يتوبُ أكثَرَ مِنْ تِسعَةٍ وتِسعينَ بارًّا لا يَحتاجونَ إلَى توبَةٍ» (لو15: 7). إذا كانت الخطية عبودية، فالتوبة حرة، والحرية فرح. والكنيسة تعلمنا فرح التوبة من خلال سر التوبة والاعتراف. فإذا وجدت بيتًا مهمومًا أو شخصًا مغمومًا أو خدمة غير مستقرة، اعلم أن التوبة بعيدة عنهم، ويحتاج الإنسان في هذه الحال أن يراجع نفسه مثل الابن الضال، والذي كان شجاعًا وقام وعاد لأبيه، فعلى الرغم من أنه فقد كل شيء إلّا أنه لم يفقده الرجاء.

3- فرح الخدمة

أو فرح الانفتاح على الآخرين، فرح التخلي عن الأنانية. عندما نرسم شماسًا أو كاهنًا، هل لأجل نفسه؟ كلّا! بل كأنها تقول له: افرح بخدمة الآخرين من كل ناحية، الخدمة الروحية والإرشاد وكل أنواع الخدمة التي يمكن أن يقدمها الكاهن أو الخادم، كلٌّ بحسب موقعه في الخدمة.

قيل عن الرب يسوع: «مِنْ أجلِ السُّرورِ المَوْضوعِ أمامَهُ، احتَمَلَ الصَّليبَ مُستَهينًا بالخِزيِ» (عب12: 2)، أي أنه احتمل كل آلام الصليب لكي يفرح الناس بالخلاص. يقول بولس الرسول عبارة جميلة يعبّر بها عن آلام كل كاهن: «أفرَحُ في آلامي لأجلِكُمْ» (كو1: 24)، أي أن هذه الآلام أو هذه الضيقات لا تنزع الفرح منه. الفرح بالخلاص وبالتوبة داخل الإنسان، لكن الخدمة يراها الآخرون.

4- فرح التسبيح

التسبيح يخلق جوًّا مفرحًا، يعطينا طاقة فرح وطاقة حب، وكأن التسبيح ينقلك بصورة خفية إلى أبواب السماء فتقول مغ المرنم: «أعطيتَ سرورًا لقلبي، أوفر من الذين كثرت حنطتهم وخمرهم وزيتهم» (مز4).

لماذا إذًا نفتقد الفرح في مسيرة حياتنا؟

أحيانًا قد تجد الانسان المسيحي غير سعيد، حتى وإن كان لديه كل شيء: بيت مستقر، أسرة، عمل ودخل جيد، أصدقاء محبون، فكر، إمكانيات... وكأنه يوجد شيء يمنع الإنسان أن يتمتع بالفرح، وأنا أتكلم عن المستوى الروحي وليس المستوى النفسي أو الأمراض النفسية.

+ أول سبب يفقد الإنسان الفرح هو وجود خطية او خطايا في حياته، سواء بالفكر أو بالقول أو الفعل. السبب الرئيسي لفقدان الفرح هو وجود الخطية وما تجلبه من حزن وهموم. لذلك ترشدنا الكنيسة أن تكون لنا فترات خلوة هادئة حتى يفكر الإنسان ويفحص نفسه كي لا تكون هناك أيّة خطية مختفية في قلبه. ابحث واترك هذه الخطية، اعترف بها أمام مسيحك وأمام أب اعترافك، وتعهد أمام الله أن نترك هذه الخطية أو هذا الفكر أو القول أو الفعل.

+ يفقدنا روح الفرح غياب روح الرضا. وجود حالة التذمر داخل قلب الإنسان يمنعه من أن يفرح، والتذمر يجعله لا يرى النقاط الحلوة في حياته. حتى في معاملاتنا البشرية، أحيانًا الإنسان يرى في الآخر ضعفًا معينًا او نقطة سوداء، وتضطرب العلاقة بينهما، على الرغم من وجود أشياء كثيره جميلة في الإنسان الآخر. لذلك يا إخوتي من الأمور الجميلة جدًا في تربية أولادنا وشبابنا بصفة عامة أن يكون راضيًا، والرضا لا يعني الاستكانة بالطبع.

+ أمر ثالث يجعل الانسان لا يعرف الفرح هو البعد عن الأسرار المقدسة والكتاب المقدس. كيف لمثل هذا أن يعرف الفرح؟ وآخر بعيد عن الصلاة، وثالث بعيد عن الاعتراف. البعد عن الأسرار المقدسة هو بعد عن حياه الكنيسة. الابن الضال ظن أن فرحه بعيد عن بيت أبيه، ففرح لبعض الوقت، ولكن لايدوم هذا الفرح.

كيف نقتني الفرح؟

1- أن نتواجد مع الله باستمرار، هو ضابط الكل الذي يعرف كل صغيرة وكبيرة في حياتنا. كن قريب من الله في عملك وفي كلامك، في دخولك وخروجك، في البيت وفي المجتمع، واعرف أن عين الله على الإنسان الذي خلقه، تذكر قول المزمور «جَعَلتُ الرَّبَّ أمامي في كُلِّ حينٍ، لأنَّهُ عن يَميني فلا أتَزَعزَعُ. لذلكَ فرِحَ قَلبي، وابتَهَجَتْ روحي» (مز16: 8، 9).

2- أحط نغسك بأصحاب مفرحين، ولا أقصد الهاذرين. هناك من تراه فيركبك الهم حتى ولو رأيته من بعيد! اجعل حولك الناس المفرحين، وتعامل مع الآخرين بحساب وبحكمه. تواجد مع بيئة صداقة مفرحة، فالفرح معدٍ.

3- اعمل الخير، اعمل دائمًا أشياء حلوة تفرحك وتفرح من حولك، اعمل أي شيء مهما كان بسيطًا، مثل زيارة مريض أو حتى قل كلمة طيبة لشخص، أو شجع أحدهم بمكالمة. هذه الأفعال البسيطة تنعكس عليك بفرح.

4- اسلك سلوك الفضيلة، فالحياة الفاضلة تفرحك، مهما شاعت الفوضى أو الخطية. سلوك الفضيلة يجعلك دائما راضيًا عن نفسك، ورضاك عن نفسك ينعكس إلى فرح.

كإنسان مسيحي يجب أن تكون إنسانًا مفرحًا، والعالم جائع لهذا الفرح، وطبعًا الفرح هو أول ثمرة من ثمار الروح القدس بعد المحبة، فهو ثمر لعمل الروح القدس فينا...


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx