اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون25 أغسطس 2017 - 19 مسرى 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 33-34

اخر عدد

أقع فِي يَدِ الرَّبِّ، وَلاَ أقع فِي يَدِ إِنْسَانٍ (2صم24: 14)

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

25 أغسطس 2017 - 19 مسرى 1733 ش

1- داود النبي يدعو بين عقوبات ثلاث:

أخطأ داود الملك وعدّ الشعب. فجاء إليه جَادُ النبي، يخبره بالعقوبة الإلهية قائلًا: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِدًا مِنْهَا.. أَتَأْتِي عَلَيْكَ سَبْعُ سِنِي جُوعٍ فِي أَرْضِكَ، أَمْ تَهْرُبُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ أَمَامَ أَعْدَائِكَ وَهُمْ يَتْبَعُونَكَ، أَمْ يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَبَأٌ فِي أَرْضِكَ؟» (2صم24: 12-13).

أمّا داود الحكيم: فلما ضاق به الأمر جدًا، قال عبارته الخالدة: «فَلْنَسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أَسْقُطْ فِي يَدِ إِنْسَانٍ» (2صم24: 14).

كان بخبراته مع الله يعرف أن الوقوع في يد الرب أسهل من الوقوع في أيدي البشر.. والكتاب المقدس يقدم لنا أمثلة عديدة في هذا المجال.

+        +        +

2- إخوة وقعوا في أيدي إخوتهم:

نعم، ما أصعب أن يقع إنسان في يد إنسان: يفتك به بلا رحمة!! حتى لو كان أخاه بالجسد! ومن بدء التاريخ البشري، وهذه القصة تتكرر جيلًا بعد جيل.

+ وقع هابيل البار في يد أخيه قايين:

فقتله دون أي ذنب جناه. ولم يستحِ أن يواجه الله بلا خجل قائلًا «أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟» (تك4: 9). ومنذ ذلك الحين، والبشر يخافون البشر.. حتى أن قايين نفسه قد ارتعب وهو يقول: «أَكُونُ تَائِهًا وَهَارِبًا فِي الأَرْضِ، فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي» (تك4: 14).

+ ويعقوب أبو الآباء عاش هو أيضًا مرتعبًا من أخيه عيسو:

نعم أخيه (تك27: 41).. وبلغ الرعب بيعقوب، أنه على الرغم من رؤى ومواعيد كثيرة من الله، يصرخ إلى الله قائلًا «نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَخِي، مِنْ يَدِ عِيسُوَ، لأَنِّي خَائِفٌ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَضْرِبَنِي الأُمَّ مَعَ الْبَنِينَ» (تك32: 11).. ولما رأى أخاه مقبلًا، تقدم وسجد إلى الأرض سبع مرات حتى اقترب إليه (تك33: 3). كما تقدمت جاريتاه، وامرأتاه، وجميع أولاده. وسجد الكل له استعطافًا.

يعقوب يقع في يد الله، فيصارع الله ويغلب، ويأخذ البركة، وينال المواعيد (تك32: 28، 29). ويرى رؤى، ويبصر ملائكة (تك28). ولكنه يرى أخاه فيرتعب، ويسجد إلى الأرض سبع مرات. ويرسل عبيده قدامه بالهدايا مستعطفين! ويصرخ إلى الله: نجني من يد أخي!

حقًا، أقع فِي يَدِ الرَّبِّ، وَلاَ أقع فِي يَدِ إِنْسَانٍ.

إنها قصة متكررة. ذكرتني بقول الشاعر العربي:

عَوى الذئبُ فاستأنست بالذئب إذ عوى

وصوّت إنسانٌ فكدت أطيرُ

+        +        +

3- المرأة التي ضُبِطت في ذات الفعل:

المرأة الخاطئة التي ضُبِطت في ذات الفعل، وقعت في أيدي الناس، في أيدي رجال دين متمسّكين بالشريعة، تُفتَرَض فيهم الرحمة. فماذا فعلوا بها؟ أشبعوها إهانة وفضيحة وتشهيرًا. وجرّوها إلى السيد المسيح، طالبين تنفيذ الشريعة، أي الحكم برجمها. محاولين تبرير قسوتهم بآية من الناموس!

هؤلاء الخطاة الأنجاس، الذين يشبهون نفس المرأة في الوقوع تحت حكم الموت، طلبوا لها الموت! أمّا عندما وقعت في يد الرب القدوس الطاهر، الذي رائحة الخطية كريهة جدًا أمامه، فإنه أنقذها منهم!

بل إنه أخجلهم جميعًا قائلاً لهم: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» (يو8: 7). ولما انسحبوا كلهم تاركين المرأة في يد الرب، التفت إليها وفي قلبه عطف عميق عليها – وهي ذليلة مسكينة قدامه – وسألها «أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ فَقَالَتْ: لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا» (يو8: 10، 11).

ما أعجب هذا الكلام! ديّان الأرض كلها، الذي سيدين المسكونة كلها بالعدل، يقول للمرأة الخاطئة «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ»، بينما يطلب لها الرجم جماعة من الخطاة هربوا لما كشف لهم الرب خطاياهم!

حقًا، أقع فِي يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أَسْقُطْ فِي يَدِ إِنْسَانٍ.

+        +        +

4- أخ غاضب لرجوع أخيه:

عندما وقع الابن الضال في يد الأب، عامله بكل رفق..

كان قد طلب نصيبه من الميراث – في حياة أبيه – فلم يعاتبه وهو عالم أنه سينفقه في عيش مسرف! وتركه على حريته يسافر إلى كورة بعيدة، مانحًا إياه حرية يستطيع بها أن يكسر وصاياه وأن يبدد أمواله!

ولما رجع الابن جائعًا محتاجًا، لم يذله الآب. ولم ينتظره داخل البيت حتى يطرق بابه ذليلاً ويطلب المثول بين يديه.. بل «إِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ» (لو15: 20).

أظهر له هذا الحنو، قبل أن يسمع منه كلمة اعتذار واحدة! حتى، أن هذا الابن – من فرط حنو أبيه عليه – لم يستطع أن يقول له عبارة «اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ» (لو15: 19). التي كان مزمعًا أن يقولها.

ولم يكتفِ الأب بهذا، بل ألبسه الحلة الأولى، وجعل خاتمًا في يديه، وحذاء في قدميه. وذبح له العجل المُسمَّن. وأقام وليمة فرحًا برجوعه.

وسط كل ذلك، نبحث عن عقوبة واحدة وقعت على هذا الابن الضال مقابل كل ما فعل، فلا نجد.. نبحث عن عبارة توبيخ واحدة، أو حتى كلمة عتاب سمعها، فلا نجد.. إنما هو حنو على طول الخط، وإكرام، ورفع لمعنوياته أمام كل أهل البيت...

هذا الابن نفسه وقع في يد أخيه، فيالهول ما حدث!

سمع أخوة الأكبر صوت الفرح في البيت، وعرف برجوع أخيه.. فغضب جدًا، ورفض أن يدخل! حتى اضطر الأب أن يخرج متوسلًا إليه.. ولم يراعِ شعور أخيه، ولم يقدّر نفسيته المنكسرة. ولم يهتم بتعكير صفو الحفل المقام. بل حاول أن يهيّج شعور الأب على أخيه، متملّصًا حتى من أخّوته، متّهمًا إياه بشرّ الاتهامات. وذلك بقوله للأب: «ابْنُكَ هذَا (ولم يقل أخي)، الَّذِي أَكَلَ مَعِيشَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي (بينما لم يذكر الكتاب تهمة كهذه، بل فقط: بذّر ماله بعيش مسرف!)...»

كذلك أقام هذا الأخ مقارنة كلها محبة للذات، مؤداها أن الفرح بأخيه يعتبره ظلمًا له، وهو الذي خدم أباه سنوات لم يتجاوز فيها وصيته!

حقًا، صدق داود حينما قال: أقع فِي يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أقع فِي يَدِ إِنْسَانٍ.

+       +       +

5- بين يدي المسيح ويدي الفريسي:

تلك المرأ الخاطئة التي بلّلت قدمي المسيح بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها، وقعت في يدي سمعان الفريسي المتكبر فنظر إليها باشمئزاز، وشكّ في المسيح بسببها، وقال في قلبه عن المسيح «لو كان هذا نبيًا، لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما هي! إنها لخاطئة» (لو7: 39).

تصرف الفريسي هكذا، مع أنه هو نفسه كانت له أخطاؤه! ركّز على المرأة وخطيتها ولم ينظر إلى ذاته، وكيف أنه لم يقم بواجب الإكرام نحو الرب كعادة المضيفين: لم يقبّله، ولا قدّم ماء لغسل رجليه، ولا زيتًا لرأسه.. وكان مديونًا للرب كالمرأة التي أدانها..

أما الرب، فلما وقعت هذه المرأة الخاطئة في يديه: خلّصها من دينونة الفريسي، ووبّخه لأجلها. وغفر لها، وامتدحها لأنها أحبت كثيرًا. وقال لها: «إيمَانُكِ خَلَّصكِ. اِذهَبي بِسَلامٍ» (لو7: 47-50).

مبارك أنت يا رب في يديك الشفوقتين حتى على طارديك. وما أصدق عبدك داود في قوله: أقع فِي يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أقع فِي يَدِ إِنْسَانٍ..

+        +        +

9- كل الذين وقعوا في يديك:

أنت حنون أيها السيد الرب وصالح. كل المنبوذين والمحتقرين من الناس والمطرودين، كانوا يجدون الحنو والقبول عندك.

+ المولود أعمى الذي شفيته: وقع في يد الفريسيين، فحققوا معه. وقالوا له «في الخطايا وُلِدت بجملتك». وأخرجوه خارج المجمع (يو9: 34). وعندئذ وقع في يديك، فدعوته إلى الإيمان. فآمن وسجد لك. وخلصت نفسه، كما خلصته من عماه.. (يو9: 35-38).

+ والعشارون المنبوذون من المجتمع اليهودي، دعوت أحدهم (متى) ليكون رسولًا من الاثني عشر، وحضرت ولائمهم. ولما احتج الفريسيون على ذلك، قلت: «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى.. أريد رحمة لا ذبيحة. لأني لم آتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة» (مت9: 9-13). بل ضربت للناس ايضًا مثل الفريسي والعشار. وأظهرت لهم أن العشار – في تواضعه – خرج مُبرَّرًا دون ذاك (لو18: 9-14).

+ والسامريون الذين كان لا تعامل بينهم وبين اليهود، لم تعاملهم مثلما عاملهم اليهود. بل ذهبت وهديت المرأة السامرية عند البئر (يو4). ودخلت مدينتهم فآمنوا بك (يو4: 41، 42). وضربت مثل السامري الصالح الذي كان أكثر اشفاقًا ورحمة من الكاهن واللاوي (لو10: 3—37).

+ والأمميون الذين كانوا مكروهين من المجتمع اليهودي كله، لما وقعوا في يديك، صنعت معهم رحمة. وشفيت غلام قائد المائة الأممي، وقلت: «الحق أقول لكم: لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا»، وقلت: «إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات..» (مت8: 5-13).

وهكذا عندما وقع العشارون والخطاة والسامريون والأمميون في يديك، قبلتهم وصنعت معهم رحمة، بينما لما وقعوا في أيدي الكتبة والفريسيون والكهنة احتقروهم ورفضوهم.

حقًا، أقع فِي يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أقع فِي يَدِ إِنْسَانٍ...



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx