اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون25 أغسطس 2017 - 19 مسرى 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 33-34

اخر عدد

«فحَصَلَ بَينَهُما مُشاجَرَةٌ حتَّى فارَقَ أحَدُهُما الآخَر» (أع15: 39)

نيافة الأنبا سرابيون أسقف لوس آنجلوس

25 أغسطس 2017 - 19 مسرى 1733 ش

هذه العبارة قيلت عن الرسولين العظيمين بولس وبرنابا. لقد حدث خلاف في الرأي عندما قرّرا أن يبدا رحلتهما التبشيرية الثانية: «فأشارَ بَرنابا أنْ يأخُذا معهُما أيضًا يوحَنا الّذي يُدعَى مَرقُسَ، وأمّا بولُسُ فكانَ يَستَحسِنُ أنَّ الّذي فارَقَهُما مِنْ بَمفيليَّةَ ولَمْ يَذهَبْ معهُما للعَمَلِ، لا يأخُذانِهِ معهُما» (أع15: 36-39).

إننا أمام موقف من الضعف البشري سجّله لنا سفر أعمال الرسل، حيث الخلاف في الرأي أدّى إلى مشاجرة ثم مفارقة. حقًا إن الله حوّل هذا الموقف إلى خير للكرازة (أع15: 39-41)، وحقًا أن القديس مرقس صَاحَب القديس بولس في الخدمة بعد ذلك (راجع كولوسي4: 10)، ومدحه القديس بولس «خُذْ مَرقُسَ وأحضِرهُ معكَ لأنَّهُ نافِعٌ لي للخِدمَةِ» (2تي4: 11). ولكني أريد أن أتأمل في نقطة معينة وهي الاختيار الإلهي والضعف البشري.

إن إختيار القديس بولس للخدمة هو اختيار إلهي واضح، إذ ظهر له المسيح وهو في طريقه إلى دمشق لاضطهاد المسيحين وقاده للإيمان به «لأنَّ هذا لي إناءٌ مُختارٌ ليَحمِلَ اسمي أمامَ أُمَمٍ ومُلوكٍ وبَني إسرائيلَ» (أع9: 15). كما أن سفر الأعمال يذكر لنا بكل وضوح اختيار الروح القدس لبولس وبرنابا (أع13: 2-3).

الاختيار الإلهي لا يعطي عصمة للمختارين، ولكن يعطيهم قوة ونعمة. كما أن حدوث ضعفات في حياة المختارين لا يشكّك في اختيار الله لهم، ولكن يؤكد حقيقة قالها القديس بولس الرسول «ليس أنّي قد نِلتُ أو صِرتُ كامِلًا، ولكني أسعَى لَعَلّي أُدرِكُ الّذي لأجلِهِ أدرَكَني أيضًا المَسيحُ يَسوعُ» (فيلبي3: 12-14).

القديس بولس لم يشكّ لحظة في اختيار الله له، بل قال: «بولُسُ، رَسولٌ لا مِنَ النّاسِ ولا بإنسانٍ، بل بيَسوعَ المَسيحِ واللهِ الآبِ الّذي أقامَهُ مِنَ الأمواتِ» (غل1:1)، وكشف عن سر قوته بقوله «أستَطيعُ كُلَّ شَيءٍ في المَسيحِ الّذي يُقَوّيني» (فيلبي4: 13؛ راجع: 1كو15: 10).

القديس بطرس الرسول اختاره المسيح ضمن الاثني عشر (مت10: 22)، وكانت له خدمته ومحبته وغيرته وقوة إيمانه ولكن أيضًا ضعفاته (قارن مت16: 16-19؛ 22-23)، وأيضًا إنكار بطرس (مت26: 69-75). لقد أخطأ بطرس ولكنه تاب وبكى بكاءً مرًا وأعاده المسيح لرسوليته (يو21: 15-19). وسفر أعمال الرسل يذكر لنا عمل الله في القديس بطرس الرسول يوم الخمسين وكرازته وخدمته، ولكن أيضًا رسالة غلاطية تذكر ضعفًا بشريًا للقديس بطرس: «ولكن لَمّا أتَى بُطرُسُ إلَى أنطاكيَةَ قاوَمتُهُ مواجَهَةً، لأنَّهُ كانَ مَلومًا. لأنَّهُ قَبلَما أتَى قَوْمٌ مِنْ عِندِ يعقوبَ كانَ يأكُلُ مع الأُمَمِ، ولكن لَمّا أتَوْا كانَ يؤَخِّرُ ويُفرِزُ نَفسَهُ، خائفًا مِنَ الّذينَ هُم مِنَ الخِتانِ. وراءَى معهُ باقي اليَهودِ أيضًا، حتَّى إنَّ بَرنابا أيضًا انقادَ إلَى ريائهِمْ!» (غل2: 11-13). كلام صعب ولكنة الضعف البشري، ولكن لم يشكّك القديس بولس في رسولية القديس بطرس، بل ذكره في نفس الرسالة ضمن الأعمدة الثلاثة الذين أعطوه يمين الشركة (غل2: 1-10).

الكتاب المقدس ذكر لنا كثيرين اختارهم الله ليكونوا أنبياء ورسلًا، مثل الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى النبي وداود النبي... ومع هذا لم يغفل أن يذكر لنا بعض ضعفاتهم البشرية، وكيف عملت فيهم نعمة الله فصاروا أنوارًا تضيء لنا طريق الملكوت. الاختيار الإلهي لا يعطي عصمة من الخطأ، بل على كل مختار أن يجاهد في حياته الروحية. وعلينا إن لاحظنا ضعفات بشرية ألّا نشكّ في الاختيار الإلهي لمختاري الله، ونثق في عمل نعمة الله في كنيسته.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx