اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون25 أغسطس 2017 - 19 مسرى 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 33-34

اخر عدد

وما خرج منها زنجارها

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

25 أغسطس 2017 - 19 مسرى 1733 ش

أرسل الله كلمته على فم حزقيال النبي معاتبًا أورشليم وواصفًا حالها قائلًا: «ويلٌ لمدينةِ الدِّماءِ، القِدرِ الّتي فيها زِنجارُها، وما خرجَ مِنها زِنجارُها. أخرِجوها قِطعَةً قِطعَةً. لا تقَعُ علَيها قُرعَةٌ... ثُمَّ ضَعها فارِغَةً علَى الجَمرِ ليَحمَى نُحاسُها ويُحرَقَ، فيَذوبَ قَذَرُها فيها ويَفنَى زِنجارُها. بمَشَقّاتٍ تعِبَتْ ولَمْ تخرُجْ مِنها كثرَةُ زِنجارِها. في النّارِ زِنجارُها» (حز24: 6، 11-12). والزنجار هو صدأ النحاس، وهو مادة لونها أخضر، تتراكم مع الوقت على الآنية النحاسية فتفسد لمعانها وتجعلها غير آمنة للطبخ صحيًا. بالتالي، كانت تحتاج آنية الطبخ النحاسية للتبييض بشكل دوري. هنا يصف الله أورشليم مدينته المحبوبة بقِدر من نحاس بقي صدأه فيه، وتعبت هي بمشقات كثيرة ومع ذلك لم يخرج منها صدأها، ولم يتبقَّ لها سوى حل واحد وهو أن توضع في النار حتى تطهر من هذا الصدأ الذي تكوّن عليها عبر السنين.

هذا هو حالنا جميعًا. إننا آنية مختارة للروح القدس، إلّا أنه قد تكوّنت على قلوبنا على مر السنين طبقات وطبقات من الصدأ السام الذي أفسد جمال صورة الله فينا وأطفأ لمعان نورنا، كما أنه أفسد الأعمال الصالحة التي قد سبق الله فأعدها لنا لكي نسلك فيها. ومن المعروف أن النحاس يرمز للقوة وبالتالي يعني تراكم الزنجار عليه استنزاف قوته بشكل تدريجي على مر السنين.

تُرى ما هو الزنجار المتراكم على قلوبنا؟ وكيف يتراكم؟ إنه طبقات متراكمة من الخطايا المتكررة والأهواء المزمنة بسبب غياب التوبة والتطهير اليومي. إنه تراكمات من قساوة القلب على الآخرين وتبلُّد المشاعر، فلا يعود الإنسان مرهف الحس من نحو أخيه، بل تنغلق أحشاء مراحمه. إنه فساد الإنسان العتيق الذي يجدف على الروح القدس كل يوم رافضًا الاستماع لمشورته. إنه صدأ الحواس الروحية الذي يجعل الإنسان أعمى وأصم، غير قادر على التقاط إشارات وتوجيهات السماء. إنه ذهن مرفوض غلّفته ظلمة هذا الدهر.

كانت توجد مهنة قديمًا اسمها "مبيّض النحاس"، حيث كان صاحبها يجول في القرى وتجلب له سيدات القرية كل الآنية النحاسية لكي يبيّضها. لقد كان يتعين عليه أن يشعل نارًا شديدة جدًا ويلقي إناء النحاس فيها، ويستمر في دعكه بالرمال والقصدير حتى يزول عنه زنجاره ويستعيد بريقه ولمعانه.

النار هي الحل الذي قدمه الله لأورشليم لكي يزول عنها زنجار إنائها. لقد وضّح حزقيال كيف تعبت في مشقات كثيرة ومع ذلك لم تستطع التخلص من طبقات الصدأ الأخضر الذي تراكم داخلها. هكذا يكون حال الإنسان الذي يظن أنه يستطيع أن يتطهر بواسطة بره الذاتي. التطهير هو وظيفة الروح القدس داخل قلوبنا. ولن نتخلص من طبقات الصدأ المتراكمة على آنية نفوسنا ما لم نسلم أنفسنا لعمل الروح القدس الناري.

ليتنا نثبّت أعيننا على مسيحنا كلي الطهر الذي قيل عنه: «صارَتْ ثيابُهُ تلمَعُ بَيضاءَ جِدًّا كالثَّلجِ، لا يَقدِرُ قَصّارٌ علَى الأرضِ أنْ يُبَيِّضَ مِثلَ ذلكَ» (مر9: 3). إنه لا زنجار فيه، نتطهر إذ تلمع صورته فينا.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx