اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون08 سبتمبر 2017 - 3 نسئ 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 35-36

اخر عدد

الخَــزيـــن - مجلة الكرازة - الجمعة 19 يوليو 2002– العددان 29-30

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

08 سبتمبر 2017 - 3 نسئ 1733 ش

في قصة يوسف الصديق خزن قمحًا، يكفي لحياة الناس في كل السنوات العجاف المقبلة (تك41: 49). وكان هذا أمرًا حكيمًا جدًا، حتى أن فرعون مصر قال لعبيده عن يوسف «هل نجد مثل هذا رجلًا فيه روح الله؟!» (تك41: 38).
وفي مثل العذارى الحكيمات، قيل عنهن إنهن «أخذن زيتًا في آنيتهن مع مصابيحهن» (مت25: 4). وقد نفعهن هذا الزيت الذي اختزنّه، لتستمر مصابيحهن مضيئة حين مجيء المسيح..
من أجل هذا، أريد أن أكلمكم اليوم عن الخزين.
كيف نخزن؟ وماذا نخزن؟ وأهمية الخزين.
أهم شىء هو الخزين السماوي. أي ما نخزنه حاليًا في السماء كما قال السيد المسيح له المجد: «اكنزوا لكم كنوزًا في السماء، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ويسرقون» (مت6: 30).
ومن أهم ما نكنزه: أعمال الرحمة.
حيث قال الرب «طوبى للرحماء، لأنهم يُرحَمون» (مت5: 7). فلكل عمل رحمة تقوم به، يُخزن لك في السماء. كل ما تدفعه للفقراء والمساكين وللكنيسة – هنا على الأرض – من مال هذا العالم الزائل، يتحول إلى "عُملة صعبة" تُخزن لك في السماء.
مشكلة الناس أنهم يكنزنون لهم كنوزًا على الأرض، فيحدث لهم ما حدث للغني الغبي، الذي خزن الكثير. وقال له الرب: «يا غبي، في هذه الليلة تُطلب نفسك منك. فهذا الذي أعددته، لمن يكون؟!» (لو12: 20).
إذن سعيد هو الإنسان، الذي تكون يده مبسوطة للمحتاج، وفرطة. يعطي باستمرار. ولا يكون بخيلًا: يُحاكم كل من يطلب منه، قبل أن يعطيه، إن كان سيعطيه..
+ من القصص المشهورة في الخزين السماوي عن طريق أعمال الرحمة: قصة القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم، الذي كان مشهورًا جدًا بالعطاء، يعطي باستمرار ولا يستبقى عنده شيئًا.. هذا لما رأى الله محبته للفقراء، لم يكتفِ فقط بأن يخزن له كنوزًا في السماء، بل وهبه أيضًا موهبة شفاء المرضى، حتى يعطي من هذه الموهبة لمن يطلبوا منه شفاءً لأمراضهم.
نوع آخر هو الخزين الروحي. مثل الروحيات التي نخزنها في فترة الصوم الكبير وفي أسبوع الآلام، لنتفع في أيام الخمسين..
إن كل ما يُخزن من تأملات روحية، ومن قراءات مقدسة، ومن ألحان عميقة مؤثرة، ومن مشاعر خاصة بالصوم وآلام المسيح.. كل هذه تنفع في فترة الخمسين يومًا بعد القيامة، التي لا يوجد فيها صوم ولا مطانيات، وقد يفتر فيها البعض. لكن الذي خزن المشاعر المقدسة، تنفعه في تلك الأيام.. وحينئذ يخرج من كنزه جددًا وعتقاء (مت13: 52).
هناك خزين آخر، وهو ما يقدمه العقل الواعي للعقل الباطن.
فما يخزنه في العقل الباطن من صور، ومن قراءات وسماعات، ومن قصص، ومن رغبات.. يتحول كل ذلك في عقله الباطن إلى أحلام في نومه، وإلى أفكار في صحوه. سواء كان ما يخزنه جيدًا أم رديئًا.. وكما قال الكتاب «ما يزرعه الإنسان، إياه يحصد» (غل6: 8). وكما قال السيد الرب «الإنسان الصالح: من الكنز الصالح في القلب، يخرج الصالحات. والإنسان الشرير: من الكنز الشرير، يخرج الشرور» (مت12: 35).
إنها أشياء نكنزها في القلب وفي العقل الباطن، وتخرج هي نفسها كأفكار في العقل، أو كأحلام في النوم، أو كألفاظ من الفم. لأنه من فضلة القلب يتكلم الفم (مت12: 34).
إذن احرص على ما تخزنه داخلك أثناء صحوك.
إنه لا يضيع. بل يظل موجودًا ستحصده بعد حين، إن كان حسنًا او شريرًا. ليتك إذن تكنز في عقلك وفي مشاعرك مزامير وصلوات، وقراءات مقدسة، وتأملات روحية... فعندما تنام وتفقد وعيك، تخرج كل هذه من عقلك الباطن. ومن كنز قلبك الصالح، تخرج الصالحات. أما إن خزنت قصص ومشاعر خطية، تطلع لك أيضًا بالليل...
كذلك الحال في خزين المشاعر وفي المعاملات، ونتائجه:
+ أنت تخزن في قلبك مشاعر غضب. بعد حين تتحول إلى حقد. وقد تخزن حقدًا، فيتحول إلى جريمة.. وهذا ما حدث لقايين، أول قاتل على وجه الأرض: أدخل في قلبه مشاعر حسد أو غيرة، تحولت إلى غضب ثم إلى حقد. ثم إلى تفكير في القتل. ثم إلى جريمة فقتل أخاه (تك4). لذلك لا تخزن غضبًا. والكتاب يقول: «اغضبوا ولا تخطئوا. الذين تقولونه في قلوبكم، اندموا عليه في مضاجعكم» (مز4:4). وأيضًا «لا تغرب الشمس على غيظكم» (أف4: 26). وذلك لكيلا يتحول الغضب إلى غيظ ثم إلى حقد ثم يتركز في العقل الباطن، ويثمر ثمرًا رديًا..
+ أيضًا أفكار شريرة تخزنها تتحول إلى شهوات ثم خطية عملية.
خزين فكري آخر هو أقوال الآباء القديسين:
التي خُزِنت لنا في كتب الـPatrology أو الــPatristics. وهي في كل أنواع المعرفة الدينية: في تفسير الكتاب المقدس، وفي العقيدة واللاهوتيات، وفي القوانين الكنسية، وفي الروحيات والتأملات مثل كثير من كتب القديس أوغسطينوس. وهناك كتب للآباء فيها معلومات متنوعة متفرقة مثل كتاب Stromata للقديس أكليمنضس الإسكندري. وما أكثر الأسئلة والأجوبة في الكتب التي تحوي رسائل القديس في شتى الموضوعات. وهناك كتب أخرى في الفضيلة والنسكيات مثل الكتب التي صدرت عن حياة وأقوال الرهبان والمتوحدين، ومنها ما كتبه بلاديوس، وروفينوس، ويوحنا كاسيان وغيرهم. ومن أهمها بستان الرهبان..
إن ما كتبه الآباء هو خزين في التعليم الصحيح، ومن الفهم السليم في أمور الدين. وكلها مراجع محفوظة للأجيال، ونصائح لها عمقها، لأنها مبنية على خبرة، وعلى معرفة. مبارك هم الذين كتبوها، والذين حفظوها لنا، والذين ترجموها إلى لغاتنا.
بل هي خزين أيضًا في القدوة الصالحة، نجدها في سير القديسين، في كل مثال من أمثلة القداسة، وعن كثير من الحروب الروحية وطريقة الانتصار فيها. وتنفع حتى الذين يريدون أن يمارسوا بعض التداريب الروحية الخاصة بالنمو الروحي.
كذلك الكنيسة تركت لنا الكثير من التقاليد:
تركت لنا خزينًا من الطقوس ومن الأسرار المقدسة، التي تسلمتها من السيد المسيح نفسه كماقال القديس بولس الرسول «تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضًا..» (1كو11: 23). وسلمتنا الكنيسة أيضًا خزينًا من الألحان والموسيقى الروحية، وخزينًا من الإرشاد الروحي والكنسي، تسلمه جيل من جيل. وسلّمت لنا القداديس الإلهية، من أول قداس يعقوب الرسول في أورشليم، وقداس مارمرقس في الإسكندرية إلى باقي القداسات التي وصلت إلينا عبر الأجيال بكل ما تحويه.
بل إن الكنيسة سلمتنا الكتاب المقدس بما فيه من أسفار.
وسلمتنا أيضًا معلومات لم ترد في الكتاب المقدس.
وسلمتنا الحياة الكنسية اليومية كالصلوات السبع كل يوم، وكذلك التسبحة والأبصلمودية، والقطمارس والسنكسار. وطريقة بناء الكنائس، وموضع ما فيها من أيقونات. وسلمتنا الرتب الكنسية، وطريقة سيامة كل رتبة. إنه خزين وصل إلينا.
والسيد المسيح نفسه ترك لنا خزينًا يتمثل في أربعة كنوز.
1- الكنز الأول هو خزين من استحقاقات الفداء التي ننالها في الأسرار الكنسية المقدسة. ومن أهم هذه الاستحقاقات المغفرة، والولادة الجديدة، وسر الإفخارستيا، وغير ذلك.
2- الخزين الثاني هو النعمة وعملها في النفوس. هذه النعمة التي قال عنها بولس الرسول «ولكن بنعمة الله أنا ما أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي» (1كو15: 10).
3- والخزين الثالث الذي تركه المسيح لنا، هو تعليمه السامي الذي كُتب في الإنجيل ووصل إلينا.
4- أما الخزين الرابع فهو رسله وتلاميذه القديسون الذي سلمهم كل شيء، وائتمنهم على توصيله إلينا، وقال لهم: «اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم. وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به..» (مت28: 19، 20).
سلّم رسله الإيمان، فسلموه إلينا سليمًا نقيًا طاهرًا.
وسلمهم الكهنوت، فسلموه لنا بوضع اليد الرسولية من جيل إلى جيل. وصارت الكنيسة تعمل بنفس الكهنوت المسلم من السيد المسيح، إلى رسله، إلى تلاميذ هؤلاء الرسل وخلفائهم.
وسلمهم الأسرار الكنسية، فسلموها لنا كما تسلموها.
ومنحهم الروح القدس، فمنحوا الروح القدس للناس. وصار الروح القدس هو ما تعمل به الكنيسة حتى الآن.
هذا الخزين الذي تركه لنا السيد المسيح هو التراث العظيم الذي تحتفظ به الكنيسة، وينظم أمورها.
بقى أنا نسأل متى ينفعنا كل الخزين المتروك لنا.
في قصة يوسف الصديق خزن قمحًا لينفع في السنوات العجاف. وبالنسبة إلينا ماذا تعني عبارة السنوات العجاف؟ تعني الكثير:
1- ينفعنا الخزين الروحي والفكري في فترات الفتور التي تمر بنا، ونحتاج إلى مصدر يعيد إلينا النشاط والحيوية.. اتذكر وأنا شاب، كانت لدّى نوتة روحية، أكتب فيها كل ما أتأثر به من أقوال وقصص ونصائح. فأرجع إليها بين الحين والحين، وأعيد قراءاتها فتمنحني طاقة روحية أكون في حاجة إليها. وأنا أنصحكم بأن تكون لكم مثل هذه المفكرة.
2- الخزين الروحي ينفعنا أيضًا في فترات الضيقة.
فنتذكر الآيات الخاصة بالتجارب والضيقات وفائدتها، وتدخُّل يد الله فيها. فتبعث فينا الرجاء بأن الله سيحل كل المشاكل، وسيحول الشر إلى خير، ويمنح المعونة والاحتمال.
ونتذكر أيضًا قصص الآباء والأنبياء، وما تحملوه من ضيقات في حياتهم، وكيف سلكوا، وكيف كانت يد الله معهم في الضيقة، وكيف خرجوا منها. كما حدث ليوسف الصديق..
3- وينفعنا موضوع الخزين فيما نخزنه نحن أيضًا ليوم الحساب.
كما يقول الكتاب عن الذين يتركون هذا العالم الحاضر إنهم: «يستريحون من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم» (رؤ14: 13). فأي أعمال ستتبعنا وكلها مخزونة لنا، إلى اليوم الذي يقول عنه سفر الرؤيا «ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله. وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة. ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم» (رؤ20: 12).
فما الذي خزنته أيها الأخ في سفر أعمالك الخاص بك، الذي سيُفتح في ذلك اليوم، يوم الدينونة؟
وما هي أعمالك التي سوف تتبعك؟
أرجو أن تكون كلها لخيرك....



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx