اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون08 سبتمبر 2017 - 3 نسئ 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 35-36

اخر عدد

الرهبنة والاستشهاد

القمص بنيامين المحرقي

08 سبتمبر 2017 - 3 نسئ 1733 ش

الشهيد يسفك دماءه للمسيح دفعة واحدة، والراهب يقدمها قطرة قطرة من خلال نسكه وحياة الجهاد، والتسبيح المستمر لله.
الاستشهاد والرهبنة طريقان للإماتة: حياة الراهب في عمقها، هي حياة استشهاد يومي، كل يوم يقول مع معلمنا القديس بولس الرسول: «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ» (رو8: 36)، ويقول القديس أغسطينوس: [الذين صاروا تابعين حقيقيّين للمسيح مخلصنا جميعًا يصلبون أجسادهم ويميتونها، وذلك بانشغالهم دائمًا في أتعاب وجهادات لأجل التقوى، وبإماتتهم شهوة الجسد الطبيعة] (تعليقات على إنجيل لوقا، عظة 118). فالراهب شهيد حيّ تخلى عن مجد العالم الزائل، وإن لم يكن شهيد قُطعت رأسه بالسيف، لكنه شهيد الحب الإلهيّ، يدخل قلايته فيقدم ذاته ذبيحة كل يوم، بل وكل وقت. فحياة الراهب هي حياة توبة وصلاة وإنكار الذات في السهر والدموع، التي هي حياة الإماتة. فإذا كان الشهيد انطلقت روحه وتحررت من رباط الجسد المادي، لكي تتحد به في القيامة الثانية في حالة روحانية، فالراهب جحد العالم، وعاش غريب في الأرض، ومواطن في المدينة العتيدة، [استطاع أن يصنع شركة مع الله بذهن نقي متحرر من قيود الأفكار المادية، ومن ممارسة الشهوات الجسديّة، بل وأيضًا بعيدًا عن الأبخرة التي تصعد من هذه الشهوات] (القديس باسيليوس الكبير PG31).
الدافع واحد: الدافع للحياة الرهبانية هو نفسه الدافع للاستشهاد، وهو الحب الإلهيّ. فالراهب يبرهن على محبته لله بسعيه نحو الكمال، نحو تحقيق الغاية التي خُلق من أجلها، وهي تحقيق المحبة الكاملة التي هي السعادة الحقيقية. وتحرره من عبودية الجسد، وحياته بروح التبني. يجاهد في أن تظل المحبة تجاه الله دائمة، نامية. لقد كان الشيخ الروحاني يطلب من تلاميذه أن يطلبوا باستمرار [أعطني يا رب أن أحبك]. تاركين محبة العالم وكل ما في العالم، فيقول القديس أغناطيوس الأنطاكيّ: [صلوا إلى المسيح لأجلى حتى أغدو بفضل الوحوش الضارية ضحية لإلهي... إذا تألمت، أعتقني يسوع المسيح، وفيه سأقوم حرًا. أما الآن فقد تعلمت ألا أشتهى شيئا] (رومية4).
الهدف واحد: بنفس الفكر، وعين الهدف، ركض الشهداء حيث ساحة الإستشهاد، وركض الراهب إلى البرية، فهدف الشهيد هو البلوغ إلى الله، وهو عينه هدف الحياة الرهبانية: تقديم كل شيء لله، كل الوقت، كل القلب، كل الفكر، كل القوة. والدليل على ذلك حياة الفرح والسلام الداخليّ الذي يتمتع به الراهب، ويتمتع به الشهيد، فيعتبر الاستشهاد هبة إلهية كما يقول القديس بولس الرسول «لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ» (في1: 29)، فالشهداء استقبلوا الاستشهاد، ليس فقط باحتمال ورِضَى، وإنما بالأكثر بفرح. واعتبروا يوم الإستشهاد يوم عرس، فيلبسون فيه أفخر الثياب، ويقبلون السلاسل التي تقيدهم، والصلاة القوية التي يقدمونها لله قبل إستشهاده، تنم عن حب كامل فهم يصلون من أجل الوالي الذي أمر بحكم الموت، ومن أجل السياف.  
الشهداء يسمُون باستشهادهم عن الحياة الأرضية، يسبحون في طريقهم للإستشهاد، وفي السجون حيث حولوها إلى كنائس، وتنطلق أرواحهم لتسبح وسط جوقات الملائكة والقديسين. كذلك الرهبان، بواسطتهم يحفظ الله العالم، فهم بصلواتهم حراس سلامة العالم، هم كأشجار تنقي الأجواء المحيطة بوجودهم.  
حياة السكون تجمع بين الشهيد والراهب: التدريب الرئيسي في الحياة الرهبانية، هو التدريب على "السكون"، لا بمعنى التوقف عن الكلام فقط، إنما التمتع بعلاقة وحياة داخلية سريَّة مع الله لا يدركها أحد، هي سر الشركة الخفية بين الله والنفس. وهي عينها حياة الشهيد التي يحياها مع الله. وكذلك حياة الشهيد في الفردوس علاقة خفية لا يعبر عنها. 
الرهبنة والاستشهاد مصدرا نمو الكنيسة: إن الاستشهاد لم يضعف الكنيسة، بل على العكس، مصدرٌ لقوتها. فالكنيسة شُيِّدت على دماء الشهداء، وهكذا يماثل الراهب جنديًا يقظًا ساهرًا، متمنطقًا بالأسلحة الروحية، أسلحة البر ضد الشياطين.
 



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx