اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون22 سبتمبر 2017 - 3 توت 1734 ش     العدد كـــ PDFالعددان 37-38

اخر عدد

خطورة الغنى

نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفية

22 سبتمبر 2017 - 3 توت 1734 ش

تحدثنا عن خطورة الشهوات في المقال السابق، ومن أخطرها شهوة الغنى بالمال الذي يفوق كل الشهوات، إذ وصف السيد المسيح المال كسيد ويقول: «لا يَقدِرُ أحَدٌ أنْ يَخدِمَ سيِّدَينِ، لأنَّهُ إمّا أنْ يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخَرَ، أو يُلازِمَ الواحِدَ ويَحتَقِرَ الآخَرَ. لا تقدِرونَ أنْ تخدِموا اللهَ والمالَ» (مت6: 24)، وفي هذه الكلمات تظهر خطورة المال كسيد قاسٍ يسبي الإنسان، عوضًا عن كونه عبدًا مطيعًا يستخدمه الإنسان لحياته. فالمال ليس شرًا في ذاته، ولكن حين يتسيّد على مَنْ يشتهيه يقع في فخ صعب، فيتحول إلى بديل عن الله العاطي الحياة التي هي أهم من أي طعام، ومعطي الجسد الذي هو أهم من اللباس (مت6: 25).

كثيرون يملكون المال ولكنهم لا يستطيعون أن يأكلوا ما يريدونه لأنهم مرضى والأكل ضد حياتهم، وكذلك مَنْ يملكون الملابس ولكن صحتهم لا تقوى على الحركة لأن الجسد سقيم، فالحياة أهم والجسد أيضًا، لذلك فالكنوز الأرضية تضيع وأحيانًا تكون عديمة الفائدة، لذلك يوصينا الله: «لا تكنِزوا لكُمْ كُنوزًا علَى الأرضِ حَيثُ يُفسِدُ السّوسُ والصَّدأُ، وحَيثُ يَنقُبُ السّارِقونَ ويَسرِقونَ» (مت6: 19)، وينصحنا أيضًا «اُنظُروا إلَى طُيورِ السماءِ: إنَّها لا تزرَعُ ولا تحصُدُ ولا تجمَعُ إلَى مَخازِنَ، وأبوكُمُ السماويُّ يَقوتُها» (مت6: 27).

والضمان في كل هذا: «لأنَّ أباكُمُ السماويَّ يَعلَمُ أنَّكُمْ تحتاجونَ إلَى هذِهِ كُلِّها. لكن اطلُبوا أوَّلًا ملكوتَ اللهِ وبرَّهُ، وهذِهِ كُلُّها تُزادُ لكُمْ» (مت6: 32، 33). وحين احتاج الشاب الغني إلى نصيحة من السيد المسيح قال له: «اذهَبْ وبعْ أملاكَكَ (مالك) وأعطِ الفُقَراءَ، فيكونَ لكَ كنزٌ في السماءِ» (مت19: 21)، ولكن شهوة المال جعلته يمضي حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة. وأمام هذا المشهد المؤسف قال عنه الرب لتلاميذه: «الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّهُ يَعسُرُ أنْ يَدخُلَ غَنيٌّ إلَى ملكوتِ السماواتِ! وأقولُ لكُمْ أيضًا: إنَّ مُرورَ جَمَلٍ مِنْ ثَقبِ إبرَةٍ أيسَرُ مِنْ أنْ يَدخُلَ غَنيٌّ إلَى ملكوتِ اللهِ!» (مت19: 23، 24). وهذا الحديث بالطبع عن الأغنياء الذين جعلوا من المال إلهًا يتعبّدون له، الذين يخاطبهم القديس يعقوب قائلًا: «هَلُمَّ الآنَ أيُّها الأغنياءُ، ابكوا موَلوِلينَ علَى شَقاوَتِكُمُ القادِمَةِ. غِناكُمْ قد تهَرّأَ، وثيابُكُمْ قد أكلها العُثُّ. ذَهَبُكُمْ وفِضَّتُكُمْ قد صَدِئا، وصَدأُهُما يكونُ شَهادَةً علَيكُمْ، ويأكُلُ لُحومَكُمْ كنارٍ! قد كنَزتُمْ في الأيّامِ الأخيرَةِ» (يع5: 1-3). كل هذه الكلمات تُعَبَّر عن خطورة أن يصير الغنى بالمال شهوة وليس وسيلة لعمل الخير، حتى لا يتحول إلى هدف يسعى إليه الناس وكأنهم يتعبّدون له، وينظرون إلى المال كهدف وليس كوسيلة. والسبب الرئيسي لكل هذه النصائح هو أن الحياة مؤقتة، كفرصه للزراعة للخير فنحصده في الأبدية السعيدة، وهذا هو التشبيه الذي يقوله القديس يعقوب: «هوذا الفَلّاحُ يَنتَظِرُ ثَمَرَ الأرضِ الثَّمينَ، مُتأنّيًا علَيهِ حتَّى يَنالَ المَطَرَ المُبَكِّرَ والمُتأخِّرَ. فتأنَّوْا أنتُمْ وثَبِّتوا قُلوبَكُمْ، لأنَّ مَجيءَ الرَّبِّ قد اقتَرَبَ» (يع5: 7، 8).

وهذه النصيحة هي مفتاح الحل الذي ينجينا من فخ الغنى البغيض، أن نعتبر المال وسيلة نزرع به أعمال الخير، وهذه البذور يباركها الله بمطر النعمة المبكر والمتأخر، فيأتي بالثمر اللائق بالحياة الأبدية التي إليها دُعينا لنرث مع المسيح الغنى الحقيقي والأبدي.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx