اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون22 سبتمبر 2017 - 3 توت 1734 ش     العدد كـــ PDFالعددان 37-38

اخر عدد

ظننتَ أني مثلك

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

22 سبتمبر 2017 - 3 توت 1734 ش

منذ اللحظة الأولى التي انفتحت فيها عينا آدم بعد خلقته، تعيّن عليه أن يعي كلًّا من معطيات وجوده، وكينونة الله. وعملية الوعي المزدوجة تلك هي مهمة أبدية وُضِعت على عاتق الإنسان، بدونها يصير مغتربًا عن نفسه وعن الله. وعملية معرفة الله هي عملية مستمرة، تبدأ على الأرض، وتستمر طوال الأبدية: «وهذِهِ هي الحياةُ الأبديَّةُ: أنْ يَعرِفوكَ أنتَ الإلهَ الحَقيقيَّ وحدَكَ ويَسوعَ المَسيحَ الّذي أرسَلتَهُ» (يو17: 3). ولم يكن مُقدَّرًا لآدم أن يعرف نفسه خارج حدود معرفته لله. لقد تعيّن عليه أن يُبقي وعيه وانتباهه مُثبَّتيْن على الله وحده، ومن خلال نموه في معرفة الله كان لابد وأن يتعرف على كينونته الشخصية. إلّا أن الخطية أفسدت الوعي الإنساني. فبعد السقوط لم يعد الله هو محور وعي الإنسان، بل تمركز وعيه حول نفسه، وبدأ يستمد معرفته عن كينونته الشخصية لا من خلال معرفته لله، بل من خلال معرفة الخير والشر، لقد اعتبر ذاته أصل ومرجع ذاته! ولم يكتفِ الإنسان بذلك، بل أنه بدأ يسعى لمعرفة الله من خلال مرجعية معرفته المُشوَّهة عن ذاته. لقد بدأ يُسقط على الله ما اختبره عن ذاته. هنا انقلبت الأمور. الله هو الأصل والإنسان هو الصورة. ولكي تُفهَم الصورة لابد وأن تُضاهى على الأصل، أمّا أن يُضاهى الأصل على الصورة الباهتة فهو محاولة عقيمة مُشوَّهة لفهم الأصل. بمعنى آخر، ينبغي على الإنسان لكي يعي نفسه أن يقيس نفسه على الله، أمّا لو حاول أن يعرف الله بأن يقيس الله على نفسه فإنه لابد وأن يضل عن الحقيقة. الله هو مقياس الأشياء كلها بما فيها العقل الذي يحاول أن يقيس الله! "العقل يحدّد الأشياء التي يدركها، ولكن الله فوق كل تحديد" (القديس غريغوريوس أسقف نيصص). هذا هو بعينه ما أراد الله أن يوضحه في رسالته الموجهة للإنسان في المزمور: «ظننتَ أني مثلك» (مز50: 21).

لقد قصد الوحي الإلهي في العديد من المواضع في الكتاب المقدس أن يصحّح اتجاه المعرفة هذا لدى الإنسان: «ليس الله إنسانًا فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل؟ أو يتكلم ولا يفي؟» (عد23: 19)؛ «لا أجري حمو غضبي. لا أعود أخرب أفرايم، لأني الله لا إنسان، القدوس في وسطك فلا آتي بسخط» (هو11: 9)؛ «لأن أفكاري ليست أفكاركم، ولا طرقكم طرقي، يقول الرب. لأنه كما علت السماوات عن الأرض، هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم» (إش55: 8-9)؛ «ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء» (رو11: 33).

كثيرون هم الذين لم يعرفوا الله معرفة شخصية في ذاته. لقد صار الله بالنسبة لكثيرين مجرد تصورات عنه من صنع البشر، أسقطوا فيها عليه ميولهم واتجاهاتهم واحتياجاتهم، مما جعل إدراكهم لله هو إدراك حسي مشوه لإله زائف. توجد إذًا حقيقة خلاصية تنصّ على أنه لن يخلص الإنسان ما لم يعرف الإنسان «الإله الحقيقي» (يو17: 3).



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx