اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون06 أكتوبر 2017 - 26 توت 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 39-40

اخر عدد

طوبَى لمن آمنوا دون أن يَروا (يو20: 29)

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

06 أكتوبر 2017 - 26 توت 1734 ش

هكذا قال السيد المسيح لتلميذه توما. وبذلك وضع لنا مبدأ روحانيًا إيمانيًا نسير عليه.

وفي الحقيقة هناك أشياء كثيرة نؤمن بها دون أن نراها.

1- فنحن نؤمن بالروح، دون أن نرى الروح.

إن مات إنسان، نقول خرجت روحه منه. ونحن لم نرَ روحًا قد خرجت، ولا نعرف شكل هذه الروح. ولم نرَ أيضًا إلى أين ذهبت. ولكن مع ذلك نؤمن بالروح، ووجودها في الحياة، وانفصالها عند الموت.

2- نؤمن بوجود الملائكة والشياطين، ونطلب شفاعة الملائكة وحفظهم، ونعيد لهم، ونذكرهم في تسابيحنا، دون أن نرى ملاكًا. ومن الناحية الأخرى نؤمن بأن هناك شياطين، وأنهم يحاربون البشر، ونحترس من الأفكار الشيطانية. كل ذلك دون أن نرى شيطانًا.

3- ونحن نؤمن بوجود العقل. ولا نرى ما هو هذا العقل ونعترف أن العقل يعمل. ولكنه غير مرئي. لا نراه ولكن نرى نتائج عمله. وبالمثل نؤمن بوجود العقل الباطن، وعمله دون أن نراه.

4- ونؤمن بأن أبوينا الأولين ها آدم وحواء، دون أن نراهما. ولكننا نعتمد في ذلك على الوحي. ونؤمن كذلك بالسماء والحياة الأخرى، ونترجى ذلك دون أن نرى. ولكننا نتلو ذلك في قانون الإيمان. ونستخدم كلمة الفردوس. ونؤمن بقيامة الأموات وحياة الدهر الآتي كل ذلك من الوحي الإلهي، دون أن نراه.

وحقائق إيمانية كثيرة نعيش بها، وتقود حياتنا، ولا نعتمد فيها على رؤية أبصارنا. إنما على الإيمان. هذا الذي قال عنه القديس بولس الرسول: «وأما الإيمان فهو الثقة بما يُرجى، والإيقان بأمور لا تُرى» (عب11: 1).

+       +        +

+ ولعل في مقدمة ما لا يُرى الله نفسه، الذي نصلي إليه دون أن نراه. ونثق بكل صفاته اللاهوتية: من حيث هو أزلي، وخالق وموجود في كل مكان، وقادر على كل شىء، وكلي المعرفة، وكلي القداسة. ونؤمن بأنه ضابط الكل، فاحص للقلوب والكى. وهو أيضًا الذي يحفظ ويقوّي، ويعين، وينقذ...

ولكننا ندرك وجود الله عن طريق مخلوقاته المرئية لنا. حيث «السماوات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه» (مز19: 1). ونؤمن بمعونته لنا عن طريق ما نلمسه عمليًا في حياتنا وحياة غيرنا من تدخل الله بصورة واضحة.

+       +        +

ونؤمن بالأسرار المقدسة وبفاعليتها في حياتنا.

نؤمن بالولادة الجديدة في المعمودية، ومعها التبرير ومغفرة الخطايا (أع2: 38). ونؤمن بحلول الروح القدس فينا بالمسحة المقدسة، وأننا هياكل لله والروح القدس يسكن فينا (1كو3: 16). ونؤمن بسر الكهنوت وما يمنحه الله فيه من سلطان أن يغفروا الخطايا أو يمسكوها (يو20: 23). ونؤمن بسر الإفخارستيا، وأننا عن طريقه نثبت في السيد المسيح، وهو يثبت فينا (يو6: 56). نؤمن بكل هذا وبغيره..

وهذا الإيمان يحمل الثقة والإيقان بأمور لا تُرى حسب قول القديس بولس الرسول (عب11: 1).

فنحن لا نرى الولادة الجديدة، ولكننا نؤمن بها ونوقن بذلك. ولا نرى سكنى الروح فينا، ولكننا نؤمن به. ولا نرى الحِل والمغفرة، ولكن نؤمن به. ولا نرى الاستحالة في سفر الإفخارستيا، ولكننا نؤمن دون أن نرى. لذلك سُميت كل هذه أسرارًا مقدسة. ومعنى السر هنا هو نعمة غير منطورة توهب لنا من الله غير المنظور عن طريق صلوات وطقوس معينة مرئية.

+       +        +

إن الله – تبارك اسمه – يسمح في أوقات معينة، أن نرى بعضًا مما لا يُرى، كعينة، لنؤمن بالباقي.

مثال ذلك: كثيرون رأوا ملائكة، كملائكة البشارة (لو1)، وملائكة القيامة (مت28، لو24). وكملائكة في ظروف خاصة، كالملاكين اللذين ظهرا للوط وأسرته (تك19). والملاك الذي ظهر لكرنيليوس (أع10: 23). والملاك الذي أنقذ القديس بطرس الرسول من السجن (أع12: 7). والقصص كثيرة في العهدين القديم والجديد. ولكن هؤلاء الملائكة لم يظهروا كمجرد أرواح، لأن الروح لا تُرى. ولكن أخذوا أشكالًا ظهروا بها ثم اختفوا. ويقول القديس بولس: «لا تنسوا إضافة الغرباء، لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون» (عب13: 1).

+       +        +

+ كذلك أرواح الذين انتقلوا، كما ظهرت القديسة العذراء على قباب كنيسة العذراء بالزيتون.

رآها الآلاف من الناس، ولكن في صورة منظرة من نور، لكي تثبت لهم بذلك وجود روحها غير المنظورة. ولكي يؤمنوا بذلك في غير أوقات الرؤي. ولكن لا تصبح قاعدة أن يروها كما حدث ذلك في الزيتون.

+ كذلك ظهر موسى النبي على جبل التجلي إلى جوار السيد المسيح ورآه التلاميذ الثلاثة، وكان يتكلم معهم (مر9: 4).

+ وكثير من أرواح القديسين ظهرت للبعض في أوقات نياحتهم.

كما رأى القديس أنبا أنطونيوس الكبير روح القديس الأنبا آمون يزفها الملائكة إلى السماء. وكما رأى القديس الأنبا كاراس السائح روح القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين تُزَّف إلى السماء، وأخبر بهذا القديس الأنبا بموا.

وظهور أرواح القديسين كثيرة جدًا، ترويها سيرهم المقدسة.

كثير من القديسين بعد وفاتهم – يرسلهم الله إلى العالم، للإنقاذ أو لتبليغ رسالة معينة – لفائدة البشر – ويتعرف عليهم من قد أُرسِلوا إليهم. وطبعًا بطريقة تُرى.

القديس إغناطيوس الأنطاكي – بعد استشهاده – ظهر لزملائه الذين كانوا معه في السجن، لكي يعزّيهم ويقوّيهم على احتمال الاستشهاد...

والقصص لا تدخل تحت حصر. إنما نذكر البعض منها كمثال.

+       +        +

الإيمان بما لا يُرى، موجود أيضًا في العهد القديم.

+ أبونا نوح – حينما بنى الفلك – كان قد آمن بقول الرب له إنه سينزل طوفانًا على الأرض فيهلك كل حي (تك6). وطول مدة بنائه لفلك كان مؤمنًا بما لم يُرى وقتذاك.

+ وأبونا إبراهيم أبو الآباء، ترك بلده وأهله وعشيرته (تك12) لأنه كان يؤمن بما لا يُرى. وهكذا قيل عنه «بالإيمان إبراهيم – لما دُعى – أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدًا أن يأخذه ميراثًا. فخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب» (عب11: 8). وكذلك أطاع حينما أمره الله أن يقدم ابنه محرقة، وهو مؤمن بأن الله سيقيم له نسلًا من هذا الابن الذي سيقدمه محرقة! كيف؟

إنها وعو لا تُرى. ولكن الآباء آمنوا بها.

كما آمنوا بالأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا.

+       +        +

هكذا في سائر النبوات، كانوا يرون ما لا يُرى.

+ داود النبي كان بالإيمان يرى ما لا يُرى، حينما قال في المزمور «ثقبوا يدىّ ورجلىّ أحصوا كل عظامي.. يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون» (مز22: 16-18). قال ذلك قبل تحققه بمئات السنين.

+ وهكذا أيضًا حينما قال «على أنهار بابل هناك جلسنا، فبكينا حينما تذكرنا صهيون» (مز137). فرأى من بعيد ما لم يكن يُرى: أي أيام السبي، في عز أيام المملكة. وذكر النبوءة بأسلوب الماضي، كما في نبوءته على الصلب...

+ الإيقان بأمور لا تُرى، يظهر أيضًا فقي الثقة بعمل الله.

مثلما تقدم الصبي داود لمحاربة جليات الجبار. وقال له في ثقة وفي إيمان «اليوم يحبسك الرب في يديّ..» (1صم17: 46). كان – بالإيمان – يرى الانتصار الذي لم يكن يتخيله أحد وقتذاك.

كذلك الآباء الذين "رقدوا على رجاء" كانوا يرون مستقبلهم.

+ كانوا يرون المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله (عب11: 10) «هم لم ينالوا المواعيد، بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيّوها. وأقروا أنهم غرباء على الأرض» (عب11: 13).

+ بل كانوا يرون الخلاص أيضًا. ذلك الذي قال عنه سمعان الشيخ «الآن يا سيدي تطلق عبدك بسلام حسب قولك، لأن عينىّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعب» (لو2: 29، 30). لقد أبصر ذلك الخلاص الذي تم بعد عبارته هذه بأكثر من 33 سنة! كيف ذلك: إنه الإيمان الذي يوقن بأمور لا تُرى.

+ أيضًا الشهداء: كانوا في محاكماتهم وفي عذاباتهم، رأوا الأكاليل والأمجاد المعدة لهم، التي لم تكن تُرى.

+       +        +

نحن أيضًا ينبغي – بالإيمان – أن نرى وعود الله وكأنها محققة.

+ حينما يقول الرب عن الكنيسة «إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت16: 18)، ينبغي أن نثق بهذا ونوقن ونطمئن، مهما كانت الظروف الخارجية. لأن «الإيمان هو الثقة بما يُرجى» (عب11: 1).

+ وحينما يقول الرب لكل منا «لا تخف. أنا معك. لا أهملك ولا أتركك» (يش1). أو حينما يقول «يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمين ربوات. وأما أنت فلا يقتربون إليك. بل بعينيك تتأمل، ومجازاة الخطاة تبصر» (مز91). نقول في كل يقين: نعم يا رب أبصر، أبصر ما لا يُرى.

+ وحينما يعد ويقول «إنه يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح» (رؤ3: 7). نقول له: آمين. نعم يا رب أن بيدك مفاتيح السماء والأرض. فأنت تفتح ولا أحد يغلق.

+       +        +

حقًا بدون الإيمان بما لا يُرى، لا يوجد إيمان على الإطلاق.

فالإيمان هو هذا، أن تؤمن بما لا يُرى.

فلندرب أنفسنا على هذا، على الأقل فيما يختص بالعناية الإلهية. فنردد في قلوبنا قول الرب «ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب» (تك28: 15). ونردد بكل إيمان قول المزمور «الرب يحفظك من كل سوء. الرب يحفظ نفسك. الرب يحفظ خروجك ودخولك» (مز121: 7، 8).

ثم ندرب أنفسنا على أننا وقوف باستمرار أمام الله، كما قال إيليا النبي «حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه» (1مل18: 15). حقًا إننا لا نرى ذلك، لكن نؤمن به.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx