لقد وُلِد السيد المسيح وصار ابن الله الكلمة متجسدًا ليلتقي بالبشرية التي عجزت عن لقائه، إذ هرب آدم الأول حينما جاءه الله في الفردوس، واختبأ وراء الشجرة التي أكل منها مخالفًا. وكم تعبت البشرية من بُعدها عن الله، فجاء هو وصار كواحد من البشر ليصنع أكبر شركة قوية بين الله والبشرية، لذلك دُعي اسمه "عمانوئيل" الذي تفسيره "الله معنا"، وهذا ما ظهر في أحداث الميلاد المجيد إذ جاء الملاك وبشّر الرعاة ليذهبوا ويروا الابن الكلمة المتجسد مُضجَعًا في مذود، وظهر النجم -وهو ملاك أيضًا- للمجوس ليأتي الجميع للبيت حيث الطفل المولود ويقدموا له الهدايا ذات المعاني الداله علي شخصية هذا الطفل أنه الملك والكاهن والفادي المتألم.
1- إنه قد وُلد كحمل: في مذود لأنه زاد أي غذاء.. لذلك قال عن نفسه «أنا هو خبز الحياة»، وإن كان الإنسان الأول آدم وزوجته حواء سقطا من خلال الأكل، لذلك جاء المخلص من خلال ذبيحته (الخبز والخمر) ليُعطي غفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منها في كل الأزمان.. لذلك قال الآباء القديسون: "جاء الرب من السماء متجسدًا ليرفعنا إليها حيث الأبدية، وجاء من خلال المذود ليرفعنا إلى المذبح، وجاء إلى البيت الأرضي ليرفعنا إلى المنزل السماوي، وجاء فقيرًا وهو الغني لكي يمنحنا الغِنَى لكي نستغني بفقره (2كو8: 9)". ويؤكد القديس أمبروسيوس قائلًا: "إن ميراثي هو فقر المسيح، وقوتي هي ضعف المسيح (أي صلبه وموته)".
2- لقد تجسد ليُشبع الجائع: والقديس أثناسيوس يقول: "إن التأمل في الله وكلمته يُشبع النفس إذ يصير الإنسان كالملائكة الذين يقتاتون برؤية الله المخلص في السماء".. والقديس مار أفرآم السرياني يقول: "جاء الرعاة حاملين لبنًا وتسبيحًا للطفل يسوع وسجدوا للابن المولود".. والقديس كيرلس الكبير يتأمل في ميلاده في مذود فيقول: "حين رأى الله الإنسان وقد هبط إلى مستويات تقترب من الحيوان، لذلك وضع نفسه في مذود حتى إذا تركنا الطبيعة النفسانية الأرضية ارتفعنا إلي درجة الفهم والإدراك اللائق بالبشر، وحينئذ نقترب للمائدة السماوية".
3- وتجسد أيضًا ليعلمنا السهر بحكمة: فإن كانت بداية الخطية بالأكل والتهاون إلى نوم الكسل، دُعِيَ الكلمة أقنوم الحكمة لأنه علمنا أسرار الله ومنها سر السهر الحكيم أي الروحي كالملائكة. وإذا كان النوم مرتبطًا بالأكل والكسل والتراخي عن الجهاد، فالسهر سمة الذين يستحقون أن يروا الابن الكلمة في ميلاده العجيب، كما يقول القديس أمبروسيوس: "الرعاة سهروا، والمجوس راقبوا النجم، فاستحقوا أن يلتقوا براعي الخراف الحقيقي الساهر عليهم".. هكذا كل مَنْ يريد الالتقاء بالمخلص في عيد تجسده لابد أن يترك غفلته ويتولّد فيه السهر الحقيقي النافع للنفس، فالعين المفتوحة ساهرة ترى الله ويد الله الفاعلة في حياة الإنسان الروحي المحب لله.
والنتيجة هي: يقول القديس مار أفرآم السرياني: "لقد اتحد السمائيون مع الأرضيين في كيان واحد لينشدوا للمولود الذي حَوَّلَ الأرض إلى سماء بحلوله فيها.. فهو كائن في السماء في حضن الآب، وهو أيضًا تجسد على الأرض فوحّد الاثنين معًا".