أول علاقة تقابلنا في الكتاب المقدس بين الله وبين إبراهيم أبي الآباء، هو أمر الله له أن يخرج من أرضه: «وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ» (تك12: 1). وكانت طاعةُ ابراهيم لأمر الله طاعةً مطلقةً «فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ» (تك12: 4). وعاش هذا الأمر وهذه الاستجابة مدى الأجيال، وهذا ما نراه في عظة القديس استفانوس: «ظَهَرَ إِلَهُ الْمَجْدِ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ ... وَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ أَرْضِكَ» (أع7: 2-4).
خرج إبراهيم وراء الله دون أي ضمانٍ لحياة أفضل: «بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ، أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي» (عب11: 8).
وعلى نفس مستوى الأمر والاستجابة كانت بداية الرهبنة في أرض مصر. فعندما دخل الشاب أنطونيوس إلى الكنيسة، سمع وصيةَ الربِّ يسوع للشاب الغني: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (مت19: 21).
وخرج الشاب أنطونيوس من أرضه، وباع كلَّ ما له، باحثًا عن طريق الكمال في علاقته مع الربِّ يسوع. وكما كانت طاعة إبراهيم لله في الخروج من أرضه طاعةً كاملةً، هكذا كانت وصية القديس أنطونيوس لتلاميذه الرهبان ولكل من يريد أن يكون خروجه وراء الرب يسوع المسيح خروجًا كاملًا: «إن شِئتَ أن تخلُصَ فلا تدخلْ بيتَك الذي خرجتَ منه، ولا تسكُنْ في القريةِ التي أخطأتَ فيها» (بستان الرهبان قول 24).
وعاشت هذه الوصية بين أجيال الرهبنة القبطية سنواتٍ طويلةً، لأنها وصية تُمثل بداية الطريق، وبداية الخروج وراء الله، وعلامةً على التصميم من كل القلب على ترك الحياة الماضية بكل أفراحها وأحزانها، والبداية مع الله كقائد حقيقي للطريق، وكمسئول مسئولية كاملة عن حياتي: «فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي». وكانت هذه وصية القديس أنبا مقار لبعض رهبان زائرين، عندما سألوه «قل لنا كيف نخلص؟»:
[أما القديس فإنه تنهَّد وقال: «كلُّ واحدٍ منا يعرف كيف يخلص، ولكننا لا نريد الخلاصَ... إن كنتم رهبانًا، فلماذا تطوفون مثل العَلمانيين؟ ماذا يكون جوابُنا أمام السيد المسيح، وقد هجرْنا العالم، وها نحن نعاودُ الطوافَ فيه؟ إن طقسَنا ملائكيٌّ لكننا جعلناه علمانيًا. لا يكون هذا منّا يا إخوتي؛ بل لنهرُبْ من العالم، لأنه إن كان بالكاد نخلص في البريةِ، فكيف يكون حالُنا بين العَلمانيين؟ فلن يكون لنا خلاصٌ، لا سيما والربُّ يقول: من لا يهجر العالمَ وكلَّ ما فيه وينكر نفسَه ويأخذ الصليبَ ويتبعني فلن يستحقَّني] (بستان الرهبان قول 318).
ملاحظة طقسية
يقع عيد الغطاس المجيد هذا العام يوم الجمعة 11 طوبه 1734ش، الموافق 19 يناير 2018م، وعليه يكون يوم الجمعة فطرًا كاملًا لأنه عيد سيدي كبير.
برمون العيد يوم واحد هو الخميس 10 طوبه / 18 يناير، ويُصام انقطاعيًا، وتُصلى المزامير في قداس البرمون حتى الساعة الثانية عشرة (النوم).
وكل عام وأنتم بخير.