صار جدل كبير حول أمر النور في بداية الخليقة. فقد تحدث الكتاب المقدس عن النوريين العظيمين (الشمس والقمر) في أحداث اليوم الرابع من أيام الخلق فظن البعض أن الله خلقهم في هذا اليوم (الرابع)!!
لقد ذكر الوحي الإلهي في بداية أيام الخلق «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» (تك1:1). وعبارة خلق تعني أنه أوجد الشيء من لا شيء، فالله خلق السموات من عدم وأوجد النور أيضًا من لاشيء. وكلمة السموات تعني: بكل ماتحويه من مجرات ونجوم وكواكب وأجسام مضيئة ذاتيًا وأجسام تعكس الضوء.
وكان أول ظهور للنور في اليوم الأول عندما قال الله «ليكن نور»، وفي هذه المرحلة لم يغير الله شيئًا من طبيعة مصدر الضوء وبصفه خاصة الشمس التي كانت في بداية مراحل تكوينها من سديم ذو إضاءة بسيطة إلى جرم الشمس ذي الإضاءة الشديدة. ولكن ما تم تغييرة كان يخص الأرض نفسها فهي كانت محاطة بكميات كبيرة من الأبخرة المتصاعدة منها بسبب ارتفاع حرارتها –في بداية تكوينها- وتكثفها حول الأرض بكميات ضخمه عبر عنها الكتاب بعبارة «وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَة» (تك1: 2). فكانت الظلمة في بداية اليوم الأول هي نتاج أمرين: كمية الأبخرة الشديدة الكثيفة التي كانت تحيط بالأرض (الغمر)، وأيضًا الإضاءة الغير مكتملة التي للسديم (بداية تكون الشمس) والتي لم تقدر أن تخترق الغمر لتصل إلى الأرض فكانت الظلمة... ولكن صار الأمر الإلهي «ليكن نور» في النصف الثاني من اليوم الأول. وعندما صدر هذا الأمر الإلهي بدأت الأرض في البرودة، وكثافة الغمر بدأت تقل تدريجيًا لتسمح للنور الخافت الذي للسديم أن يمر إلى الأرض..
أمّا عن اليوم الرابع، ففيه يقول الكتاب «فَعَمِلَ اللهُ النُّورَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» (تك1: 16). وكلمة عمل لا تعني الخلق من العدم ولكنها تعني أنه عمل شيئًا من شيء آخر. فالشمس لم تُخلَق في اليوم الرابع من العدم، وإنما تم تطور شكلها وحجمها وقوتها بعد أن كانت سديمًا ضعيفًا.. وهنا نسأل: وماذا عن القمر؟ القمر ككيان ووجود أوجده الله منذ بداية الخليقة مرتبطًا بالأرض، وذُكِر ضمنيًا في عبارة «خلق الله السموات والأرض»، ولم يحدث إطلاقًا أي تغيير في طبيعة أو تكوين القمر، ولكن التغيير كان مرتبطًا بمصدر الضوء الذي يستمد القمر ضوءه منه، فالضوء الذي كان يصل إلى سطح القمر قبل اليوم الرابع كان يصل ضعيفًا خافتًا بصورة لا تمكنه أن ينعكس ويصل إلى الأرض. أمّا في اليوم الرابع فكان ضوء الشمس القوي موجهًا إلى القمر بصورة تمكنه من الانعكاس من سطح القمر ويصل إلى الأرض، ومن هنا أمكن رؤية القمر في اليوم الرابع كجسم يضيء لنا في الليل، في حين أنه لم يكن ممكنًا رؤيته هكذا بهذه الصورة قبل ذلك.. أمّا عن تعاقب الليل والنهار فهو ظاهرة طبيعية مرتبطة بطبيعه العلاقة بين الأرض والكيان الذي تدور حول نفسها أمامه، سواء كان شمسًا في اليوم الرابع أو سديمًا قبل ذلك، ومن المؤكد أن الأرض منذ تكوينها إنما تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعه تقريبًا أمام مصدر الضوء الذي أُخِذت منه وارتبطت به برباط الجاذبية، وعلى هذا فتعاقب النهار والليل إنما يرجع إلى اليوم الأول، والتغيير الوحيد هو في درجه إضاءة الأرض نهارًا وليلًا متأثرة بقوة إضاءة المصدر. تلك القوة التي وصلت ذروتها في اليوم الرابع.